عندما يئن الاصلاح تحت وطأة الاعتقالات.. وتتحول الحياة الحزبية الى كوميديا سوداء


عندما يعيش الساسة وصناع القرار في اللاوعي ، في فضاء متخيل افتراضي يرسمون ملامحه في مخيلاتهم العاجزة عن فهم وادراك الواقع ،فانهم حتما يصبحون مع الوقت والانهماك بتفاصيل هذا الوهم، هذه الكذبة الكبيرة ، على قناعة تامة بسلامة ووجاهة ما ينتهجون وما يخططون وما يتخذون من قرارات ، حتى انهم يتعاملون بمنتهى الشك و الريبة و السلبية والقسوة والعنف مع كل من يحاول ان يوقظهم ، ان ينبههم لانفصالهم عن الواقع ، عن التحديات التي عليهم ان يتعاملوا معها ، عن الاولويات ، عن العقبات الكأداء التي تحول دون التقدم خطوة واحدة للامام …

هذا الزيف الذي يستحكم على نهج وقرارات الساسة في بلادنا ، يحولهم الى ماكنات تتحرك دون وعي دون ادراك ، و دون  حس ، اجهزة مبرمجة موجهة تتحرك بأطر وانساق ذلك الفضاء الافتراضي المنفصل عن الواقع تماما …ساسة لا يسمعون الا لصدى صوتهم ، لا يدركون غير المتغيرات والمدخلات والبدائل التي تتقاطع مع ذلك الوهم الذي يسكنهم ويستحوذ على وعيهم ، على اناهم التي تعيش في مكان آخر لا يمت لواقعنا بصلة ، تلك الانا التي تتجاهل جزءا مهما من ذواتهم الداخلية ، تلك الانا التي يعتقدون انها فوق اللوم ، فوق المساءلة والمحاسبة ، هذه الانا التي تتعامل مع صوت العقل والضمير - الذات الداخلية المتبرأ منها - على انه صوت مزيف ، وجزء تالف عليهم ان يسكتوه للابد ، هؤلاء - والحالة هذه - لا يسببون الاذى للمجتمع فقط ، وانما بالمحصلة النهائية يلحقون الاذى بانفسهم ايضا .

في الاردن ، حيث يتخبط اهله شتى ضروب العنت ، من فقر وبطالة وعجز ومديونية وفساد واستبداد ، ينصرف الساسة وصناع القرار لفظيا للحديث عن الاصلاح السياسي والاقتصادي والاداري ، وهؤلاء انفسهم لا يجدون غضاضة في التناقض الكامل في قراراتهم التي تتخذ بصفة يومية مع هذه الشعارات التي يسوقون ويحاولون تلقيمها للناس واقناعنا بجدواها ، يتحدثون عن الاصلاح السياسي وبالوقت نفسه يسنون تشريعات تجهض هذا السعي وتعيدنا الى عصور الظلام ، يطاردون النشطاء والمعارضين والمعلمين ، ويزجونهم في الزنازن والسجون ، يتحدثون عن الاصلاح الاقتصادي وفي ذات الوقت يستمر نهج الجباية المتوحش ويتعاظم العجز و تتراكم المديونية ويستمر الانفاق الحكومي الباذخ ، يتحدثون عن الاصلاح الادراي وفي كل يوم يتم تعيين مسؤولين جدد في مراكز مهمة دون مراعاة لمعايير العدالة والكفاءة ، يتحدثون عن حياة سياسية وحزبية وهم يحاصرون احزاب بعينها ويضيقون عليها الدنيا ، وبنفس الوقت يقدمون دعما و تسهيلات غير معقولة لهياكل احزاب ترى فيها السلطة مخرجا ،لاضفاء صفة الديمقراطية و التعددية الشكلية على نهج ما عاد قابلا للحياة ، وفقد كل مسوغات بقائه و وجوده .

وهنا بقي ان نسأل ، ما الذي يمنع ان نمضي بشكل حقيقي في اصلاحات سياسية واقتصادية وادارية فعلية ؟ لماذا نخنق الفرصة و نئد الولادة الطبيعية للتغيير الذي سيمكننا من مواجهة التحديات وتذليل العقبات ؟ من المستفيد من تخلفنا ، من قتل الحلم ، واضعاف الدولة ، وتفكيك مؤسساتها ، و تمزيق بنيتها ونسيجها المجتمعي بين مؤيد ومعارض ؟

هل سنلج مئويتنا الثانية متسلحين بهذا الوهم ، و متحزمين بهؤلاء الساسة النرجسيين المنفصلين عن الواقع ؟