لا تدافــع عن شعب نائم..!



كتب جنرال أردني مغترب المنشور التالي على صفحة تويتر : " شعب نائم  و ( . . . ) لا يستحق أن تضحي بنفسك من أجل أن ينعم بحقوقه المشروعة، لأنه سيكون أول من سيدفعك للمحرقة ويعود للوراء، ليكتفي بمتعة المشاهدة ".

 أعتقد أن في هذا العبارات حكمة واقعية كبيرة، تشهد بها احداث عشناها منذ عقود وما زلنا نعيشها حتى اليوم. فهذا الوطن الذي عانا ويعاني من إخفاقات متعددة ومتنوعة، رافقت مسيرتنا في العقدين الأخيرين، كان سببها أفعال بعض المسؤولين الفاسدين، وسكت عنها شعب مهذب غرق في سبات عميق، يعزّ عليه أن يفيق من نومه.

لا أريد هنا أن أبحث في تفاصيل تلك الإخفاقات، لأنها معروفة حتى لرعاة الغنم، بفضل الوعي واعتماد وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة للجميع، ويبدو أنها حالة مستمرة لا انفكاك منها في المستقبل المنظور، إذا لم تجد من يصححها ويعيدها إلى جادة الطريق.

 ففي هذا السياق، نلاحظ في الفترة الأخيرة من عمر الدولة، أن حاول بعض السياسيين والكتاب والنشطاء الغيورين على مصلحة الوطن، الإشارة إلى مكامن الخلل كتابة أو شفاهة، والدفاع عن القضايا التي تمس حياة الناس، وتضر بالأمن والاستقرار المجتمعي. إلا أن سوط الجلاد هبط فوق رؤوسهم، لينتهي بهم المطاف بين جدران السجن. 

       ومن جانب آخر، فمن تم الدفاع عنهم وكانوا متأثرين مباشرة بتلك القضايا، جنحوا إلى السكينة والنوم، دون أن ينتصروا لمن دافع عنهم وضحى من أجلهم، مطبقين المقولة الشهيرة : " ومن بعدي فليكن الطوفان". 

لقد كان اولئك الوطنيون يجهرون بآرائهم صوتا وكتابة بكل أمانة وصدق، وكانوا شموعا تحرق نفسها من أجل قضايا الشعب المعيشية والوطنية، فواجهوا جزاءهم المشهود.

 إن الوفاء ورد الجميل، يستدعي أن يطلب الشعب من المسؤولين في الدولة، إجراء حوار وطني مع سجناء الرأي، وإطلاق سراحهم بدلا من زجّهم في السجون لكتم أنفاسهم وأنفاس غيرهم. وحيث أن الشعب ينام هانئا في فقره وعوزه وقضاياه الأخرى، ولا يطالب سلميا بحقوقه المشروعة، فعلى كل من يحاول الدفاع عن اولئك النيام، أن يركن ( ربابته ) في إحدى زوايا بيته، ويأخذ العبرة من القصة التالية : 

 عندما تم القبض على جيفارا بمخبئه في أحد أودية بوليفيا، بعد ما ابلغ عنه راعي أغنام، سأل احدهم الراعي : لماذا ابلغت عن رجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم ؟ فأجاب الراعي : كانت حروبه مع العدو تخيف أغنامي، مغلّبا مصلحته الخاصة على العامة. 

أمّا في مصر، فقد تم إلقاء القبض على القائد الوطني محمد كريم، حاكم مدينة الإسكندرية خلال الحكم العثماني، بعد أن نظّم مقاومة عنيفة ضد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون، وحُكم عليه بالإعدام. إلاّ أن  نابليون أرسل إليه وأحضره أمامه وقال له :

" يؤسفني أن أعدم رجلا دافع عن بلاده بجرأتك، ولا أريد أن يذكرني التاريخ بأنني أعدم أبطالا يدافعون عن أوطانهم. لذلك عفوت عنك مقابل عشرة آلاف قطعة من الذهب، تعويضاً عمن قتل من جنودي ". 

فأجابه محمد كريم : ليس معي ما يكفي من المال، ولكن لي دين عند التجار بأكثر من مائة ألف قطعة من الذهب. فقال له نابليون، سأسمح لك بمهلة لتحصيل أموالك.

 فما كان من كريم، إلا أن ذهب الى السوق وهو مقيد اليدين بالأغلال، ومحاطا بجنود المحتل الفرنسي، يحدوه الأمل في استجابة تجار بلاده برد الدين له، وإنقاذ حياته بعد أن ضحى لأجل أبناء وطنه. ولكن لم يستجب لطلبه تاجر واحد . . بل اتهموه بأنه كان سبباً في دمار الاسكندرية، وتدهور الأحوال الاقتصادية في مصر .

فعاد إلى نابليون مستغربا ومخذولا . . فقال له نابليون ليس أمامي سبيلا سوى إعدامك . . ليس لأنك قاومتنا وقتلت جنودنا، ولكن لأنك دفعت بحياتك مقابل أناس جبناء، تشغلهم تجارتهم عن حرية الأوطان. وأصدر الأمر بإعدامه رميا بالرصاص، لينفذ بتاريخ 6 سبتمبر 1798. 

وفي هذا السياق، يقول المصلح الإسلامي محمد رشيد رضا من بلدة القلمون في لبنان : " الثائر لأجل مجتمع جاهل، مثله كمثل شخص يشعل النار بجسده، كي يضيء الطريق لشخص أعمى ". 

إنها قصة بليغة فعلا، تحمل درسا قاسيا  في  كفاح  الشعوب . . فما أشبه  الليلة  بالبارحة، ونصيحتي ( المغرقة بالسلبية )، لمن يحملون هم الشعب وقضاياه الوطنية هذه الأيام، أن لا يقاتلوا من أجل شعب نائم، يعجز عن المطالبة  بحقوقه  المشروعة، وأن لا يضحي  رجاله  بأنفسهم  بلا ثمن، تطبيقا  لقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾. 

فعليهم في هذه الحالة، أن يأخذوا العبرة مما واجهه الآخرون، في ظل حكومات لا تسمع صوتا من شعب نائم. ولكن  عندما  يفيق الشعب من  نومه الطويل ويرفع صوته، سيكون  هناك  حديث آخر . . !

التاريخ : 11 / 9 / 2022