فاجعة اللويبدة: المسؤولون.. دموع التماسيح امام الكاميرات ومشاهد الدمار!



كتب أحمد الحراسيس - 

في الأردن، ينتظر المسؤولون وقوع المصيبة حتى يهرولوا إلى موقعها ويبدأ أحدهم باطلاق التصريحات والتوجيهات والايعاز لمن يلزم بالقيام بالمهام البديهية المطلوبة منه، وربما ذرف الدموع أو رسم "كشرة" على وجهه حتى يُظهر للناس حجم تأثره وجدّيته في محاولة منع حدوث الأخطاء.. ثمّ ينفضّ السامر وتتوالى الأيام لنستيقظ على مصيبة جديدة مشابهة تقع في مكان آخر، وكأننا لم نمرّ في مثل هذه التجربة سابقا ويُعاد نفس السيناريو!

هكذا كان الحال خلال الأيام الماضية، إذ هرع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وأمين عمان يوسف الشواربة إلى موقع العمارة التي انهارت في جبل اللويبدة، يُرافقهم أيضا وزير الأشغال يحيى الكسبي الذي سرعان ما غادر الموقع إلى وليمة عشاء في الزرقاء، ووزير الإعلام فيصل الشبول، ووزير الداخلية مازن الفراية الذي طالما لجأ إليه الخصاونة لرتق الخروق الكثيرة التي شهدتها فترة ولايته بدءا من مأساة مستشفى السلط مرورا بانفجار العقبة ونأمل أن تكون عمارة اللويبدة آخرها.

في الأصل، أن وجود المسؤول الأول في موقع الحادث يعتبر أمرا ايجابيا للغاية، فهو يعطي الأهمية اللازمة للحدث، لكن في الحالة الأردنية الأمر ليس كذلك على الاطلاق، فالقناعة أن ما يجري هو استعراض، وأن الدموع التي يذرفها المسؤول هي دموع تماسيح، ويدعم هذه القناعة أن المواطن لا يلمس أي اجراء عملي حاسم لمنع تكرار الحوادث..

اليوم، لا نسمع عن خبرات تتراكم جرّاء التجارب التي نمرّ بها في الأردن أو تشهدها كثير من الدول، بل أن هناك حالة من الفوضى المؤسسية، وإلا فلماذا تتكرر حوادث انهيار المباني والجدران الاستنادية، ولماذا لا تقوم الأمانة بفرض رقابتها على عمليات الإعمار التي تتمّ في المنازل والأحياء القديمة؟!

اليوم، يطرح مراقبون وأهالٍ تساؤلات حول اجراءات الأمانة بخصوص إنشاء مبانٍ وإسكانات كبرى إلى جانب بيوت قديمة، وما هي اجراءاتها في حال لم يلتزم المقاول بإقامة جدار استنادي لدى بدء حفر أساسات البناء؟ ثمّ ماذا عن تغيير الطابع العمراني في مناطق تاريخية مثل جبل اللويبدة وغيرها من المواقع في العاصمة عمان من خلال بناء الاسكانات، وترك المساحات الشاسعة الفارغة في العاصمة وأطرافها؟!

الواقع أن اجراءات أمانة عمان تقتصر على اخلاء مسؤوليتها من أي حادثة وتحميلها للمكتب الهندسي، فهي لا تقوم بالكشف على المباني القديمة التي تجاوز عمرها الأربعين أو الخمسين عاما، وكلّ ما تفعله في هذا السياق هو طلب اخلاء أي مبنى تظهر فيه تشققات حتى لو كانت بسيطة ولا تستدعي الاخلاء، ولا توافق على العودة إليه إلا بعد اقرار مكتوب من مكتب هندسي! والأصل بالأمانة عدم اخلاء أي مبنى دون وجود تقرير فني دقيق من مكتب هندسي مختص يحدد الجزء الخطير وكيفية التدعيم، ويمكنها أيضا الطلب من نقابة المهندسين تسمية مكتب متطوع لاجراء الدراسة بشكل مجاني.

نقابة المهندسين الأردنيين، التي تصادق بدورها على المخططات الهندسية عليها جزء كبير من المسؤولية، وخاصة بعد تغيير آلية الإشراف على الانشاءات بشكل دفع مالكي العمارات والراغبين باجراء أعمال انشائية إلى التعاقد مع مكاتب هندسية بمقابل مادي قد لا يكفل وجود مهندس خبير يُشرف على البناء.

ليس المهم أن يهرع المسؤولون إلى موقع الحادثة لالتقاط الصور أمام الكاميرات، وليس مهما إظهار المسؤول حزنه أو تعاطفه مع الضحايا، الأهمّ من كلّ ذلك أن يعمل المسؤول بانتماء وحرفية ومسؤولية، وأن يحمي المواطن من المصائب والحوادث التي تقع جرّاء الترهل المسيطر على مؤسسات القطاع العام.

الأردنيون اليوم يريدون أن يتحمّل المسؤول المسؤولية الأدبية والأخلاقية والسياسية وحتى المهنية عن الأخطاء التي تحدث وتتسبب بوفاة مواطنين، وإن كانت عشرة وفيات غير كافية لاستقالة حكومة الخصاونة أو على الأقل أمين عمان يوسف الشواربة، فكم من المعاناة والعنت علينا أن نتحمل قبل أن يغادر أحدهم كرسي المسؤولية ؟!