هكذا مُحيت قرية الأرمن الوحيدة بفلسطين "عطشًا"

"الشيخ بريك"، القرية الوحيدة التي لم يتم تهجيرها إبّان عام النكبة الفلسطينية 1948، وهي قرية أرمنية وحيدة في فلسطين، لكن أرشيف "إسرائيل" المليء بالمجازر، أخفى بين طياته، قصة هذه القرية مع العصابات الصهيونية، لتتكشف اليوم.

وفتحت وكالة "صفا" مؤخرًا ملفًا للكشف عن مجازر بشعة تطويها "إسرائيل" في أرشيفها، بالتنسيق مع نشطاء بحملة لإخراج هذه المجازر، بالإضافة لمصادر خاصة.

ويأتي ملف الكشف عن المجازر، في ظل المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لإخفاء حقيقية تلك المجازر وطمسها، والتي كُشف مؤخرًا عنها عبر شواهد تاريخية، وأخرى عبر شهادات لجنود إسرائيليين شاركوا في ارتكابها.

وعن قرية "الشيخ بريك"، جاء أن "عصابات الاحتلال لم تحتمل بقاءها بعد مدة من النكبة، فقررت الالتفاف عليها وتهجيرها وإحراق مساكنها".

وسُميت القرية بهذا الاسم لوجود مقام بين أراضيها يسمى مقام الشيخ "بريك" أو "بريق"، وهي تقع جنوب مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل.

ملاذ الهاربين من الحروب

ويقول الناشط جهاد أبو ريا، وهو أبرز الكاشفين عن مجازر منسية لا يعرفها أبناء الشعب الفلسطيني، أن قرية الشيخ بيرك هي أرمنية وحيدة في فلسطين، وكانت ملاذاً لعائلات أرمنية هربت من تركيا قبل أكثر من قرن، هربت من المجازر والحروب واستقرت قبالة قرية عتليت إلى الجنوب من حيفا.

ويضيف "لم تهجر هذه القرية في النكبة مثلما هجرت بقية جاراتها مثل الطيرة وعتليت والمزار، وعين حوض وكفر لام وغيرها".

لكن أطماع الكيبوتسات الصهيونية القريبة، لم يرق لها وجود القرية، فبدأت بملاحقة سكانها وأراضيها.

ومما كُشف "أنه مع احتدام المجازر ضد الأرمن عام 1915 قام الكثير منهم من المقيمين في تركيا بالهرب خوفا على حياتهم، بعضهم وصل إلى فلسطين".

وتعرّف الأرمن على ملاك أراضي من مدينة حيفا التي تقع فيها القرية، ويُعرف "أنطون حمودة"، والذي كان يملك مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة الواقعة الى الغرب من قرية عتليت جنوب حيفا تبلغ نحو 1000 دونم.

وتم الاتفاق بين "حمودة" والعائلات الأرمنية، على أن تسكن هذه العائلات بالقرب من مقام الشيخ بريك وتعبد وتزرع الأراضي، على أن يتم تقسيم المنتوج بين الطرفين".

ورويدًا رويدًا بدأت تبنى قرية جديدة على تلة قريبة من ساحل البحر هي قرية الشيخ بريك، وفي عام 1948 كانت تسكن القرية 15 عائلة تضم 95 نسمة.

تهجيرها "عطشًا"

ولكن بعد عام النكبة، هجّر الاحتلال أنطون حمودة إلى لبنان، لاحقًا بمعظم سكان حيفا الذين هُجروا، وأعلن الحارس على أملاك الغائبين سيطرته على أملاكه بادعاء أنها "أملاك غائبين".

ولم تكتف الكيبوتسات القريبة بنهب وسلب عشرات آلاف الدونمات التابعة للقرى الفلسطينية المجاورة، بل قامت مباشرة بمحاولة السيطرة على الأراضي، التي يزرعها ويعبدها سكان قرية الشيخ بريك.

كما كُشف أنه بتاريخ 24/10/1948 أبرق سكان قرية الشيخ بريك رسالة إلى ما يسمى مكتب مستشار شؤون الأقليات في حيفا يشكون فيها من "أن سكان كيبوتس عين هيام المجاور قام بحراثة أرضهم التي يزرعونها منذ 22 عاما".

وأوضح الأهالي في الرسالة "أن أنطون حمودة كان يملك 1000 دونم، وأنهم كانوا يستعملون 580 دونما منها، وأن الكيبوتسات قد سيطروا على أكثر من 40000 دونم من أملاك القرى الفلسطينية المهجرة ولا زالوا يطمعون بـ 580 دونما".

ولم يمض كثيرًا، ولأن سكان الكيبوتسات الصهيونية المجاورة "لم يحتملوا وجود القرية الأرمنية مكانها، فبدأوا بحملة مضايقات تهدف إلى إخلاء البلدة وتهجير أهلها".

ولتحقيق التهجير، منعت عصابات الاحتلال أدنى الخدمات عن القرية المستهدفة، وسدت الطرق المؤدية اليها، كما أمدتها بشكل متعمد بمياه مالحة جدًا للشرب.

واستمرت عملية التهجير حتى منتصف الثمانينات، حينها تم تهجير من تبقى من سكان القرية.

وفي اليوم الثاني لتهجير السكان، شرعت سلطات الاحتلال بهدم البيوت لكي تضمن عدم عودة أهلها.

ومنذ حينه إلى اليوم، لم يبق في القرية إلا قبور، تُذكر بأطماع "الكييبوتسات الصهيونية"، التي محت من الوجود القرية الأرمنية الوحيدة في فلسطين.
صفا