استشهاد شيرين أبو عاقلة في سجل توثيقي جديد لمؤسسة الدراسات الفلسطينية

صدر حديثا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب "استشهاد شيرين أبو عاقلة.. سجل توثيقي"، من تقديم وتحرير خالد فراج، وإعداد رندة حيدر وسناء حمودي ولميس رضى وهالة زين العابدين.

ويعد هذا السجل محاولة لتوثيق ملابسات استشهاد شيرين أبو عاقلة تكريما لها وتخليدا لذكراها،ويرصد الكتاب الفترة التي سبقت الاغتيال؛ من التصعيد الإسرائيلي الواسع في جميع مناطق الضفة الغربية، وصولا إلى التصعيد والتحريض الكبيرين اللذين قامت بهما إسرائيل في مخيم جنين في تلك الفترة، والعمليات الفلسطينية في العديد من المناطق في الضفة الغربية وفي المدن الإسرائيلية.

 

كما يرصد لحظة الاغتيال وما تبعها من ردات فعل دولية وإقليمية وعربية وفلسطينية، ويعرض الرواية الإسرائيلية المتخبطة منذ اللحظة الأولى، ويوثق الاعتداء الوحشي على جنازة شيرين، وما تلاها من ردات فعل غاضبة.

اغتيال الصحافة الفلسطينية

وفي مقدمة الكتاب، كتب المدير العام لمؤسسة الدراسات الفلسطينية خالد فراج أنه قبل 50 عاما، وفي صباح الثامن من يوليو/تموز 1972، استشهد الصحفي والكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني وابنة شقيقته لميس نجم بانفجار سيارة مفخخة في منطقة الحازمية في ضواحي بيروت، ومع أن إسرائيل سبق أن نفذت العديد من عمليات الاغتيال بحق فلسطينيين، فإن اغتيال كنفاني كانت له رمزية خاصة تمثلت في استهداف الكلمة والحقيقة ومهنة الصحافة الملتزمة والنزيهة برمتها.

وبعد نصف قرن، وفي صباح 11 مايو/أيار 2022، اغتالت قوات الاحتلال الصحفية المقدسية شيرين أبو عاقلة على أطراف مخيم جنين (شمالي الضفة الغربية).

وأضاف فراج أنه لم يمض على اغتيال أبو عاقلة سوى 3 أسابيع حتى قامت قوات الاحتلال -في صباح الأول من يونيو/حزيران 2022- بإطلاق النار على الصحفية الفلسطينية والأسيرة المحررة غفران وراسنة على أطراف مخيم العروب (جنوبي الضفة الغربية).

وبعد ظهر اليوم نفسه، اعتدت هذه القوات على جنازة الشهيدة الصحفية غفران وراسنة ونعشها، كما سبق أن اعتدت على جنازة ونعش ومشيعي الشهيدة شيرين أبو عاقلة في باحة المستشفى الفرنسي في القدس.

وتابع فراج أنه في حالة اغتيال الصحفي غسان كنفاني، أو الصحفية شيرين أبو عاقلة، أو الصحفية غفران وراسنة يبدو المشهد مألوفا؛ فهذه الآلة الاحتلالية واظبت على القتل وامتهنته ومارسته منذ أن تأسست، فاستهدفت الصغار، والكبار، والذكور، والإناث، والسجناء، والجرحى، والأساتذة، والصحفيين، والأطباء، والعمال، والطلاب، وغيرهم، لكن أن تستهدف الجنازات والجثامين والنعوش فهذا أمر غير مسبوق بهذه الصورة الفاضحة، لكنه مخطط له ومدروس؛ أي أنه حدث عن سابق إصرار وتصميم.

الإعلام وجنازة أبو عاقلة

فعلى الرغم من وجود عشرات الكاميرات الصحفية وعشرات مراسلي وكالات الأنباء ومحطات التلفزة للتغطية، فإن الأوامر صدرت للجنود والشرطة بالقمع من دون رحمة أو رأفة، ومن دون أي اعتبار لحرمة الجثامين، وهو سلوك ينم عن عدوانية استعراضية ضد شعب أعزل عبر الاستخدام المفرط لفائض قوة تتمتع به دولة الاحتلال، حسب فراج.

أما القاسم المشترك بين كنفاني وأبو عاقلة ووراسنة -حسب مقدمة فراج- فهو أن هؤلاء الثلاثة -وغيرهم من الصحفيين والصحفيات والعاملين في هذا الحقل- يدحضون فكرة "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"؛ إذ يتفاخر الجيش الإسرائيلي كثيرا بأنه يتمسك بأرفع المعايير الأخلاقية، وروجت مراكز الأبحاث الإسرائيلية وغير الإسرائيلية كثيرا لهذه المقولة المجافية للحقيقة على أرض الواقع.

ونقل فراج عن مقالة بعنوان "الإعلام.. اللاعب الأقوى في الهبة" خصت بها شيرين أبو عاقلة "مجلة الدراسات الفلسطينية" قبل نحو 6 أعوام من اغتيالها، قولها "ليس أدل على أهمية دور الإعلام من وضع إسرائيل عددا من الشروط لتسليم جثامين الشهداء، وخصوصا في منطقة القدس التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وبين تلك الشروط تحديد عدد المشاركين في الجنازة بما لا يتجاوز العشرات، ومنع أي حضور إعلامي، الأمر الذي بررته سلطات الاحتلال بتجنب مشاهد الوداع للشهداء كأبطال، وهي الصورة التي ساهم الإعلام في تعزيزها".

ويقول فراج إنه للمفارقة استدعت قوات الاحتلال الإسرائيلي -في 12 مايو/أيار 2022- أنطوان أبو عاقلة لتملي عليه شروطها بمنع أي تجمهر أو حضور إعلامي، وبحظر العلم الفلسطيني، وبتحديد عدد المشاركين في جنازة شقيقته شيرين أبو عاقلة.

وبهذا تكون شيرين -كما كتب فراج- انتقلت من كونها المحللة لسلوك الإسرائيليين وسياساتهم في ما يتصل بجنازات الشهداء في القدس وبدور الإعلام على هذا الصعيد، إلى كونها الشهيدة التي حاول المحتل الإسرائيلي إملاء شروطه في جنازتها.

ويقول الكاتب إن شيرين أبو عاقلة اغتيلت غدرا وعدوانا، وباستشهادها شعر كل فلسطيني وفلسطينية بأنه فقد غاليا يخصه.

فشيرين التي دخلت كل منزل من خلال شاشة الجزيرة على مدى ربع قرن من العمل الصحفي الجاد والمحترم والراقي، صارت كأنها فرد من أفراد كل عائلة فلسطينية، شرقا وغربا وشمال وجنوبا.

ويضيف "لقد شعر كل فلسطيني بأن استشهادها يمسه شخصيا، وهذا ما جعله يشعر بالقهر والمهانة، إذ يسأل الجميع كيف تقتل صحفية معروفة في الميدان وهي ترتدي ما يشير إلى كونها صحفية (الخوذة والسترة الواقية وشعار الصحافة)؟ ففي اغتيالها، وهي التي حرصت على إظهار الحقيقة، استهداف لمن يكشف حقيقة القتل اليومي الذي تشهده فلسطين".

ويقول الكتاب "لقد قورنت جنازة شيرين أبو عاقلة بجنازة الشهيد عبد القادر الحسيني في أبريل/نيسان 1948، أي عام النكبة، وبجنازة الشهيد الأسير عمر القاسم الذي استشهد في سجون الاحتلال في يونيو/حزيران 1989، وبجنازة الشهيد فيصل الحسيني في مايو/أيار 2001. بيد أن ما ميز جنازة أبو عاقلة -فضلا عن المشاركة الجماهيرية الكبيرة وغير المسبوقة فيها- هو سكان مناطق 1948 وسكان القدس، بينما مُنع سكان الضفة وغزة من المشاركة بقوانين عسكرية.

تصعيد ما قبل الاغتيال

يرصد الكتاب الفترة التي سبقت الاغتيال، من التصعيد الإسرائيلي الواسع في جميع مناطق الضفة الغربية، والاعتداءات المتتالية في القدس، والمسيرات، والاقتحامات الاستفزازية التي نفذها المستوطنون في باحات الحرم القدسي، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، وصولا إلى التصعيد والتحريض الكبيرين اللذين قامت بهما إسرائيل في مخيم جنين في تلك الفترة، والعمليات الفلسطينية في العديد من مناطق الضفة الغربية وفي المدن الإسرائيلية.

كما يرصد الكتاب لحظة الاغتيال وما تبعها من ردات فعل دولية وإقليمية وعربية وفلسطينية، ويعرض الرواية الإسرائيلية المتخبطة منذ اللحظة الأولى، ويوثق الاعتداء الوحشي على جنازة شيرين، وما تلاها من ردات فعل غاضبة على كل المستويات.

إلى ذلك يتضمن الكتاب بيانات ومواقف للمنظمات الحقوقية الدولية المطالبة بإجراء تحقيق نزيه في الاغتيال وفي الاعتداء على الجنازة، بالإضافة إلى توثيق نتائج التحقيقات التي أجرتها كبرى وسائل الإعلام، مثل "واشنطن بوست" و"سي إن إن" و"قناة الجزيرة"، وأيضا تحقيق الشرطة الإسرائيلية في الاعتداء على الجنازة في القدس، ونتائج التحقيق الأميركي في الرابع من يوليو/تموز 2022.

وفي الكتاب أيضا مواقف وبيانات العائلة وقناة الجزيرة الإخبارية، حيث كانت تعمل الشهيدة شيرين أبو عاقلة، بالإضافة إلى رصد الأنشطة والفعاليات التكريمية التي أقيمت للشهيدة شيرين في مختلف أنحاء العالم.

ويضم الكتاب أيضا عددا من الملاحق التي تتضمن مقالات الراحلة في "مجلة الدراسات الفلسطينية" وفي مدونة المؤسسة، وسردا زمنيا عن اغتيالها من إعداد وليد العمري، ونسخة عن رسالة عائلة أبو عاقلة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، وصورة عن آخر طلب إجازة لشيرين، وجدولا بأسماء الشهداء منذ بداية عام 2022 حتى تاريخ استشهاد شيرين، بالإضافة إلى ملحق صور.

المصدر:الجزيرة