"مياهنا" .. "مياههم" .. ومياه الرب
ترددت في اذني عبارة "لكل امر من اسمه نصيب" خلال ساعات اللهاث بين "تنكات الماء" في الطابق الارضي وعلى السطح، مرورا بخزانة عدادات بليدة، على مدخل الكراج، تتحرك مؤشراتها في المناسبات.
بحثت عن معنى لمصطلح " مياهنا" صاحب ايقاع امتلاك الاشياء والحصول عليها بالتساوي، متجاهلا رغبة التقاط تفاصيل ليلة "دور" المياه الاسبوعي، بدء من تذمرات الجيران، مرورا بانتشار الصهاريج في الشوارع، رفع الخراطيم بالحبال على الاسطح، وصفير العمال لتشغيل المواتير واطفاءها.
توقفت خلال بحثي عند اجابة سائق احد الصهاريج على سؤالي عما اذا كانت انقطاعات المياه حكرا على الحي الذي اسكنه، اقتنعت بان الازمة عامة تطال الجميع، سقطت قناعتي خلال لحظات، غير مأسوف عليها، امام تأكيدات الجيران على وصول المياه الى الاحياء المجاورة، لمدة ثلاثة ايام دون انقطاع، ليأخذ البحث مجرى آخر.
لكلمة "مياهنا" تداعياتها في الذهن، اولها ان المياه لنا، نستطيع الحصول عليها متى نشاء، دون قضاء الساعات في الاتصال بشكاوي المياه التي لا ترد في العادة، ويكتفي موظفها في حال رده برفع شكوى لا تصل في معظم الاحيان، واذا تمكن مواطن من الوصول الى موظف اعلى رتبة تاتيه الاجابة القاطعة بانه سيتم تحريك الشباب، ليتضح فيما بعد انهم لا يتحركون، واذا تحركوا لا يحلون مشكلة.
لا يمكنك الخروج من هذه الدائرة دون المرور بحقيقة مرة، وهي انك تستجدي المياه التي يحاولون اقناعك بانها "مياهك" وفي هذه اللحظة يصعب عليك الاقتناع بانها لك، لان الاستجداء يحدث في العادة عند حاجة الحصول على ما هو لغيرك، يستعصي على المرء استيعاب تسوله لممتلكاته.
دوائر التفكير مفتوحة على بعضها، تقذفك الواحدة لاخرى دون قصد، ولا توصلك لاجوبة مقنعة مع غياب المنطق الذي يحكم الاشياء، ماذا لو كان التمييز بين حي وآخر، بناية واخرى، حقيقة في ظل شح المياه الذي يتفهمه المواطن، يقبل التقنين على اساسه، لكنه لا يقبل قطع المياه عليه وحصول الاخرين عليها.
التكهنات كثيرة في فقاعة التفكير هذه، يفسر البعض التمييز بسكن مسؤول في حي مجاور، او صاحب حظوة في احدى البنايات، وربما القرب من احدى المؤسسات الحكومية، وتقود الاحتمالات في جميع الاحوال الى غياب معنى مصطلح مياهنا، الذي يعني ان المياه لجميع الاردنيين والمقيمين في المملكة، مما يعني توزيعها بالتساوي بين الاحياء والبنايات حتى لو كانت كمياتها قليلة.
خص الرب اهل البلاد بهذه الكمية من الماء، تاركا لعباده اقتسامها، حتى سقوطها على الارض كانت لكل الكائنات الحية على هذه البقعة الجغرافية، لكن الامور تأخذ منحى اخر، حين يتدخل العباد في توزيعها .
سقط الاسم عن المسمى في الوقت الضائع، بين انقطاع واخر، دون تسديد ضربات جزاء، ولم يبق على الجهات الحكومية سوى تغيير اليافطة المرفوعة على مبنى الشركة والبحث عن يافطة اخرى اكثر اقناعا للمتضررين من حدوث كل ما يحدث.