من محمد الدرّة إلى شيرين أبو عاقلة.. إعدامات إسرائيلية أمام الكاميرا

ما بين إعدام الطفل الفلسطيني محمد الدرة -وهو يحتمي بوالده مطلع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) أواخر سبتمبر/أيلول 2000- واغتيال مراسلة قناة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة، لم تحاسَب إسرائيل على جريمة واحدة ارتكبتها من جرائم القتل التي وثقتها عدسات المصورين من دون أن يتمكن الاحتلال من طمسها كما حدث في كثير من الجرائم الإسرائيلية الأخرى.

ولعقود طويلة، أمنّت إسرائيل نفسها من أي عقاب أو ملاحقة قانونية، فارتكبت مجازر مروعة بحق الفلسطينيين. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وثقت كاميرات الصحفيين والنشطاء العديد من جرائم القتل وعشرات عمليات الاستهداف وإطلاق النار على أبرياء عزل، بينهم أطفال ونساء.

 

ومنذ عام 2015، أو ما عرفت بـ"انتفاضة القدس"، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه مشاهد مصورة لقيام جنوده بإعدام العديد من الفلسطينيين لاشتباهه بمحاولتهم تنفيذ عمليات طعن أو دهس، رغم أنهم لم يشكلوا تهديدا خطيرا على الجنود المدججين بالسلاح والمحميين بالسترات الواقية، وكان بالإمكان تعطيل حركتهم من دون قتلهم.

بل إن الشاب إياد الحلاق -الذي كان يفر هاربا منهم قبل إعدامه بدم بارد في البلدة القديمة للقدس المحتلة في 30 مايو/أيار 2020- اتضح لاحقا أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يركض خائفا وراء معلمته، ولم يحمل أي نوع من الأسلحة، حسب فيديو نشره الاحتلال نفسه.

ومن بين الجرائم التي أفضت إلى القتل أو الإصابة، ترصد الجزيرة نت بتسلسل زمني أبرز حالات الاستهداف التي وثقتها الكاميرا وضبطت المجرم بجرمه المشهود، منذ إعدام محمد الدرة في حضن والده قرب مخيم البريج، وحتى اغتيال شيرين أبو عاقلة في ظل شجرة على بوابة مخيم جنين.

أيقونة الانتفاضة

أصبح محمد الدرة "أيقونة" للانتفاضة بعد أن رصدته الكاميرا وهو يحتمي بظهر والده، وكلاهما يختبئ وراء صخرة لم تكن كافية لنجاتهما، فاستشهد محمد وكان وقتها في الـ12 من عمره، وأصيب والده بجروح لا تزال آثارها وآلامها باقية حتى اليوم.

في 30 سبتمبر/أيلول 2000 كان الطفل محمد، برفقة والده جمال، في طريقهما إلى منزلهما بمخيم البريج للاجئين، عندما انهمر عليهما رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من "مفترق نتساريم"، الذي يكتسب اسمه من مستوطنة كانت مقامة على أراض فلسطينية جنوب مدينة غزة، قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.

ولا يزال صدى كلمات الوالد وصراخه "مات الولد.. مات الولد" يتردد في ذاكرة من عاشوا الانتفاضة وفي كل ما وثق عنها لاحقا، في حين ظلت إسرائيل في "مأمن" من العقاب على جريمتها.

جندي إسرائيلي يصوب بندقيته تجاه الفتاة هديل الهشلمون
جندي إسرائيلي يصوب بندقيته تجاه الفتاة هديل الهشلمون قبل إعدامها بثوان (الجزيرة)

هديل الهشلمون

في 22 سبتمبر/أيلول 2015، وثقت كاميرات المراقبة إعدام الفتاة هديل الهشلمون (18 عاما)، إذ استهدفها جنود الاحتلال في أثناء عبورها حاجزا عسكريا إسرائيليا يعرف بـ"الكونتينر" على مدخل شارع الشهداء وسط مدينة الخليل جنوب الضفة.

 

 

ورصدت الكاميرا إصرار الجنود على قتلها بتركها تنزف إثر إصابتها وسقوطها على الأرض، ومنع طواقم الإسعاف من الوصول إليها لنحو نصف ساعة.

 

 فادي علون

في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015، أطلق جنود إسرائيليون أكثر من 10 رصاصات من "مسافة صفر" أودت بحياة الشاب الفلسطيني فادي علون (19 عاما)، الذي لاحقه مستوطنون وكانوا يصرخون "هذا مخرب أطلقوا النار عليه"، قبل إعدامه في محيط منطقة باب العامود، إحدى أشهر بوابات البلدة القديمة في القدس المحتلة.

 

 

ودحض مقطع فيديو مزاعم إسرائيلية بأن فادي كان يحاول تنفيذ عملية طعن، إذ ظهر الشاب في التسجيل المصور وهو أعزلمن أي سلاح، محاولا الهرب من مستوطنين لاحقوه وسحلوه في الشارع وهم يصرخون "الموت للعرب"، وظلوا يحاصرونه ويعتدون عليه حتى حضرت قوة عسكرية وأطلقت عليه النار وقتلته على الفور.

 

 

محمد أبو خلف

في 19 فبراير/شباط 2016، أمطرت قوات الاحتلال هذا الشاب العشريني بنحو 50 رصاصة بينما كان في باحة "باب العامود"، ووثقت كاميرا قناة الجزيرة مشاهد مروعة لهذه الجريمة، أظهرت محمد ملقى على الأرض وعددا كبيرا من جنود الاحتلال يحيطون به ويفتحون نيران أسلحتهم بكثافة نحوه، بدعوى تنفيذه عملية طعن، وظل جثمانه محتجزا لدى الاحتلال لنحو 7 أشهر، قبل تسليمه لعائلته والسماح بدفنه.

الطفل محمد أيوب

بتاريخ 20 أبريل/نيسان 2018، أظهرت مشاهدة مصورة -بثتها مواقع محلية ووكالات عالمية- سقوط الطفل محمد أيوب (15 عاما) بعد استهدافه من قناصة إسرائيليين في أثناء مشاركته في فعاليات "مسيرات العودة" شرق بلدة جباليا شمال غزة.

وخلال هذه المسيرة التي استمرت فعالياتها لنحو عام كامل، مارس قناصة الاحتلال هوايتهم باستهداف المتظاهرين المدنيين، وبينهم أطفال كثر، بقنصهم عن بعد وكأنهم في "رهان" مع بعضهم بعضا من يوغل أكثر في دماء الأبرياء، فسقط عشرات شهداء، ومئات الجرحى الذين لا يزال العشرات منهم يعانون إعاقات دائمة تلازمهم حتى الممات.

 

 

عبد الفتاح عبد النبي

في 30 مارس/آذار 2018، دفع الشاب عبد الفتاح عبد النبي (19 عاما) حياته ثمنا لشجاعته بالتقدم لمساعدة شاب آخر أصيب برصاص قناصة الاحتلال خلال فعاليات "مسيرة العودة" أيضا؛ إذ أظهر مقطع فيديو شابا لا يقوى على الحركة بسبب إصابته بعيار ناري، وبمجرد ما تقدم عبد الفتاح لنجدته، قنصه جنود الاحتلال بعيار ناري في رأسه ليستشهد على الفور.

عثمان حلس

بتاريخ 13 يوليو/تموز 2018، كان الطفل عثمان حلّس (15 عاما) كعادته يشارك في الفعالية الأسبوعية ضمن "مسيرات العودة". وكأن هذه المشاركة السلمية كانت سببا كافيا لقناصة الاحتلال لقتله، واغتيال أحلامه البريئة.

وتظهر لقطات مصورة لحظة سقوط هذا الطفل شهيدا بالقرب من السياج الأمني الإسرائيلي شرقي غزة، جراء عيار ناري أطلقه قناص متمركز في ثكنة عسكرية محصنة.

 

 

غادة سباتين

قبل شهور، وفي العاشر من أبريل/نيسان 2022، أعدم جنود الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينية غادة سباتين بإطلاق النار عليها مباشرة في أثناء مرورها عبر حاجز عسكري في بلدة حوسان القريبة من بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، من دون مبرر، حسبما رصدت كاميرا تليفزيون فلسطين، بل وتركها جنود الاحتلال تنزف ولم يسمحوا لأحد بالاقتراب منها لفترة طويلة.

وغادة سباتين من مواليد عام 1976، وكانت معلمة رياضيات، وأرملة توفي زوجها قبل 5 أعوام من وفاتها، ورحلت تاركة خلفها 6 أبناء، أكبرهم منصور (20 عاما) وأصغرهم جليلة (10 أعوام).

صورة مأخوذة من مقطع صورته قناة الجزيرة بعد اغتيال مراسلتها شيرين أبو عاقلة (الجزيرة)

شيرين أبو عاقلة

وبفارق زمني قدره 22 عاما، وفي 11 مايو/أيار من العام الجاري، استحضر الفلسطينيون مشاهد إعدام محمد الدرة، مع مشهد اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي اغتالتها رصاصة إسرائيلية بينما كان تؤدي عملا اعتادت عليه لنحو ربع قرن، بالتغطية الميدانية لجرائم إسرائيلية لا تتوقف ضد الفلسطينيين.

ورصدت عدسات الكاميرا شيرين وهي ترتدي سترة وخوذة تميّزها بأنها صحفية، حينما كانت في تغطية ميدانية لاقتحام الاحتلال مخيم جنين بالضفة الغربية، وطالها الرصاص الإسرائيلي حتى سقطت قرب شجرة تحولت بعد استشهادها إلى مزار للفلسطينيين.

سقطت شيرين مضرجة بدمائها، ورغم العديد من التحقيقات التي استندت إلى مشاهد مصورة من موقع اغتيالها، وأثبتت مسؤولية جنود الاحتلال عن قتلها، راوغت إسرائيل ولم تقر بارتكاب الجريمة، كما فعلت في حالات كثيرة سابقة.

المصلحة فوق العدالة

تقول المسؤولة في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مها الحسيني، "لعقود طويلة، ارتكبت القوات الإسرائيلية انتهاكات جسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين من دون أن يتم توثيقها. وحتى إن تم الحديث عنها وتداولها، لم تكن الكلمة وحدها كافية لإظهار فداحة الانتهاكات التي قد ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم حرب".

أما اليوم، ومع ظهور وتطور "صحافة المواطن"، تمكّن نشطاء وأشخاص عاديون من تسليط الضوء على تلك الانتهاكات، وتوثيقها. وتتابع الحسيني "في كثير من الحالات، اعتمدنا في تحقيقاتنا على صور ومقاطع مصورة سجلها نشطاء أو شهود عيان عاديون، وقدمناها إلى جهات رسمية ومسؤولين أمميين وأوروبيين، فلم يعد يمكن تجاوز هذه الحوادث بسهولة كالسابق ما دامت الكاميرات التقطتها".

ويحظر القانون الدولي بشكل كامل -والحديث للحسيني- "عمليات القتل خارج إطار القانون والإعدام التعسفي والإعدام من دون محاكمة". وتدعو "مبادئ المنع والتقصي لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام من دون محاكمة"، التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1989، إلى تجريم مرتكبي هذه العمليات، إن لم يكن هناك تهديد وشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة، وفقط في حال عدم وجود بدائل لإنهاء هذا الخطر.

وقالت الحسيني "في معظم الحالات التي وثقناها، لم يكن هناك خطر محدق على الجنود الإسرائيليين يستدعي استخدام القوة المفرطة تجاه الفلسطينيين. وفي حالات أخرى، كان يمكن للجنود تفادي هذا الخطر من خلال طرق أخرى، كالاعتقال أو استخدام أسلحة لا تفضي إلى الموت".

وعلى مدار السنوات الماضية، وثّق فريق "الأورومتوسطي" عشرات حالات القتل الميداني، غير أن إسرائيل ظلت "تتمتع بالإفلات الكامل من العقاب"، بحسب الحسيني، وقالت "لا شك أن المجتمع الدولي يلتصق أكثر بجانب الحسابات المصلحية على حساب مبادئ وقيم حقوق الإنسان".

المصدر:الجزيرة