غياب الشفافية الحكومية يفتح ابواب جحيم الاشاعة على مصراعيه
يبدو واضحا جليا ان الحكومة الحالية ، ليس في واردها ان تفيد من التجارب السابقة ، وتأخذ منها العبر والدروس ، حتى لا تعيد تكرار الاخطاء ذاتها التي ارتكبتها منذ تشكيلها ، ودفع الاردن ثمنها غاليا ، ولا يزال يئن تحت وطأة تداعياتها من الجوانب الاقتصادية والصحية والاجتماعية .
والحديث اليوم تحديدا في الجانب المتعلق بتعاطي الحكومة الاعلامي مع القضايا التي يواجهها البلد في زمن الازمات ، ولا سيما الصحية ، التي تمس حياة الناس مباشرة ، حيث تغيب الشفافية ، وتنعدم المصداقية ، ويسود التضليل ، ولا تكف الحكومة عن ممارسة ومواصلة نهجها المعهود في تغطية الشمس بغربالها المهترء!!.
والاكيد حتى اللحظة ، أن الحكومة مصممة على ابقاء الطين والعجيب في اذنيها ، حتى لا تسمع صوت الناس ، او تصغي لنبض الشارع ، في الوقت الذي تغمض عينيها ايضا ، ولا تريد أن ترى حالة الغليان !!.
اسوق هذه المقدمة ، وفي الذهن والخاطر ، تصريح أمين عام وزارة الصحة للشؤون الصحية، الدكتور رائد الشبول، الذي ينفي " تسجيل أية اصابة كوليرا في الأردن" ويصف المتداول حول اصابة فتاة قادمة من سوريا بالكوليرا بانه " غير دقيق " ، وعلى المستوى الشخصي لست اشكك بمصداقية التصريح ، لكنني انظر اليه من زوايا اخرى اكثر أهمية من اي انطباعات ذاتية في مسألة عامة حساسة جدا .
قبل اقل من اسبوعين ، كنت قد حذرت هنا في جو ٢٤ من مغبة الصمت الحكومي إزاء انتشار وباء الكوليرا ليس بعيدا عن حدودنا ، واكدت انه اذا ما استمر هذا الصمت ،فإنه سيفتح "ابواب جحيم الاشاعة على مصراعيها ، ولن تفلح كل ابواق الحكومة مجتمعة في غلق هذا الباب " .
واستمر صمت الحكومة، وكعادتها تجاهلت كل التحذيرات ، ودخلنا نفق الاشاعة وها هو تصريح الدكتور الشبول اليوم يأتي ليؤكد صدق ما ذهبت اليه ، وفُتح باب الجحيم على مزاد اشاعات ، ستلهث الحكومة خلفها طويلا ، في مشهد لن نُمَيز فيه ، مَن يُطارد مَن ، هل تطارد الحكومة الاشاعة ؟ ام تطارد الاشاعة الحكومة ؟.
وهنا تكمن الخطورة ، اذ سوف تهدر الحكومة وقتها وجهدها في مطاردة عبثية للاشاعة بلا طائل وسوف ‐ وهذا ما حذرت منه ‐ "تتحول مهمتها من مواجهة المرض ومكافحتة الى مواجهة الاشاعة وكبح جماح انتشارها وتغلغلها " وهذا مشهد الطراد قد بدأ ، واول الرقص حجلان !!.
ولا بد من التذكير مجددا ان نفي الحكومة لأي أمر ، مهما كان شأنه صغيرا ، لا يلقى آذانا صاغية من الناس ، لا بل انه يحرك الإشاعات ويطلق رسنها الى ابعد مدى ، ويثير مزيدا من الشك والريبة والتوجس، اذ تشير استطلاعات الرأي الى ان " 64% من الأردنيين لا يثقون بحكومة الدكتور بشر الخصاونة ". اذا ما العمل ، وهل فات الأوان؟.
بالتأكيد لم يفت الوقت ، وما زال الاردن ‐ حتى اللحظة‐ خال من الكوليرا منذ عام ١٩٨٢ ، وبُذل في سبيل ذلك جهود تستحق التقدير ، وتشكل هذه الحقيقة ، في هذا الجانب الصحي تحديدا، مخزونا من الثقة ، على الحكومة ان تعززه وتستثمره في جهود توعوية قائمة على الشفافية من خلال حراك اعلامي جريء مدروس ، يسبق الاشاعة ويخلق بيئة نظيفة غير صالحة لعيش الاشاعة وتأثيرها .
واليوم ، وفي ظل الصمت الحكومي المتواصل في الشأن الصحي المتعلق بتفشي الكوليرا حولنا ، لدى الناس قلق شديد وخوف عميق من تكرار تجربة كوفيد ١٩ ، ولا تحرك الحكومة ساكنا على المستوى الاعلامي لتبديد قلق الناس وخوفهم على صحتهم من مرض لا زالت صورته الماضية في اذهانهم لم تبرحها .