الفنان الانسان الدكتور عصام الدويري

 بين كتم (مسقط رأسه) ومدرج صباه, والحصن جارته وثانويته, وجامعة اليرموك اربد, ودولة الإمارات العربية المتحدة, وقاهرة المعزّ وجامعتها, والماجستير والدكتوراه بالتصميم الجرافيكي, وترحاله المستدام, بين الأردن, الوطن العزيز, والامارات والقاهرة وتركيا الشقيقة, ومعارضه الفنية الكثيرة, العابرة للحدود والدول, تظافرت حلقات الموهبة الفنية الفطرية, وصقلها الآكاديمي, للفنان المبدع, الدكتور الخمسيني, عصام علي سلمان الدويري, وتجلت فنّيته وشعشعت براعته, واستوت أمور مكنوناته الغزيرة.
بعد دراسته الجامعية الأولى, ارتحل الى أخواله المميزين ايضا, في (ابو ظبي), للعمل وتأمين مستقبله الشاب, وعمل فعلا بالعديد من المجالات المتوفرة, فمن التجارة, الى مدرسة موسيقى مع شريك له, لاقت نجاحا وشهرة, وقد أفادني ذات مكالمة هاتفية: وباعزف عود كمان, وحتى التصميم والحرفية, حتى وصل الى الاستقلال الذاتي بالتصميم الداخلي والديكور, حاز بها على شهرة وسمعة طيبه, حتى انه تخصص بالقصور الفخمة, لشيوخ ورجال اعمال ومشاهير, مكنته من كل ما يطمح له الكثير من الشباب, من رغد العيش والملاءة المالية.
الفنان الشاب عصام, كان سعيدا بهذا النجاح, ولكنه لم يكن قنوعا بمساره العلمي, وشهادته الجامعية الأولى, حتى كان قراره الحاسم, حيث ترك عائلته لدى أخواله في الخليج, وامتطى صهوة الطائرة الى القاهرة, وحصل على الماجستير والدكتوراه, وبنفسٍ واحد, ودون انقطاع, ليعود الى ابي ظبي, وقد دعّم موهبته الفنية بالعلم والمعرفة العليا.
يقول الدكتور عصام: الموهبة ضرورية كأساس للبناء عليه, وربما يصبح صاحبها رسّاما كالكثيرين, اما ليرتقي الى درجة فنان, فلا بد لموهبته من صقل آكاديمي وتراكم علمي كثيف, يصل به الى التجلي والابداع, ليصبح حالة فريدة متميزة, ذات طابع محدد, وبصمة خاصة, يعرفها الزملاء والمتذوقون, من ريشته الأولى, او ضربة أداته النحّاتة الأولى.
شخصية اليوم, الفنان الدكتور عصام الدويري, حصد العشرات من الدروع التقديرية والتكريمية من جهات وطنية ودولية كثيرة, وبرع فنيا بالتعبير عن فكره وشخصيته وفلسفته الذاتية, حيث ضمنها المئات من اللوحات والمنحوتات ورسوم الكاريكاتير الأخّاذة, التي أبهرت وأعجزت, حتى صنع اسما له في عالم الفن والابداع, يدعى: د. عصام الدويري, وبدأ بعد عودته لارض الوطن الأم, رحلة التعليم الجامعي للفن, آخذا بأيادي طلابه في جامعة الهاشمية, للإبداع والمسيرة الفنية الواعدة.
د. عصام الدويري, النبيل, ذو الروح الشفافة, المغرقة بالانسانية, المتصالح مع نفسها, المشتبك دائما مع فكرة وريشة ولون ومادة حاملة, تعكس صورة المرآة لديه, بإبداع يبحث عن نظيره.
الفنان الشامل, لم يبخل على القضايا الانسانية وما فوق الخاصة, بفنه وعطائه, رسما, تحتا, او كاريكاتيرا, فكان بذلك ضمير اهله وأمّتيه, ولسان حالهم, فمن لوحة المرأة الفلسطينية, راجمة الحجر, الى لوحة المناضل العربي الليبي الكبير عمر المختار رحمه الله, الى رموز الأردنيين والأعياد الوطنية والعربية والاسلامية المعبرة الكثيرة, لم تكن الا غيضا من فيض إبداعاته ومشاركاته الوجدانية.
عازف العود, الفنان الدكتور (ابو سند), عزف بأدواته الفنية, مؤخرا على وتر التجلي والتحليق في ملكوت العطاء الفني الماهر, وكيف لا وهو يصمم وينجز هديته الاروع, لبلدته ومعشوقته كتم, التي انتصبت بكل شموخ, أمام دار البلدية الكتماوية قبل أيام, تحت اسم (المجرد), منحوته لخصت الكثير من حبه لكتم والفن والعطاء الحاتمي, فكانت إنجازا غير مسبوق, ولكنه إن شاء الله ملحوقا متكررا.
سبعة أطنان ونصف, بارتفاع خمسة امتار ونصف وعرض المترين ونصف, وبعمق نصف متر, من الصخر الصلد القاسي والبارد جدا, طوعها فكر وأدوات الفنان الرائع عصام, إذ صنع منه سيمفونية رائعة من روائع الفن والتميز, وأودعها فكرا عميقا وفلسفة انسانية ذات رسالة وحكمة, لا يقدر عليها الا الفنان المذواق المتجلي, الذي لُفّت انامله بحرير الابداع والدقة والاحتراف, الذي ينادد الكبار ويحاكي مشاهير الفن والتشكيليين.
يقول الدويري: المجرد, هي الحياة بعموميتها وخصوصيتها, بداية معلومة ونهاية ترقد في ربع الساعة الناقصة في المنحوته, وهل اوضح افصاحا ودلالة على هذا المحتوى, اكثر من الآية الكريمة (انك ميت وانهم ميتون) على المنحوتة, للتعبير عن نهاية الحياة مهما طالت, لأن علمها عند صاحب الحياة والموت, سبحانه, كما العديد من رموز اللغة العربية للتخاطب الانساني, والتبادل بين الحضارات, مثل حروف بدايات السور القرآنية السبع, ذات الحروف التي أعجزت المفسرين حتى اليوم, على وجهي المنحوتة.
ويتابع صاحب المجرد: هي عدة لوحات في واحدة, لكل منها معنى ورسالة, وإن اجتمعت, كان لها رسالة متحدة متكاملة أخرى, ذات بعد أشمل وأكبر, وأعمق بعدا للدلالة على اللغة البصرية, التي هي من أدوات لغة المخاطبة.
ظفرت كتم عصام الدويري بالمجرد, وكانوا الزعلانين اكثر من الراضيين, الذين تسابقوا للظفر بها, لأن صاحبها يقول: لم تعد كتم, الحراثة الفلاحة, والقرية النائية عن المركز, التي لا تصلها الخدمات الا لماما وبعد لأي, بل هي الملأى بالعطاء والمبدعين, مزارعين وعسكريين وحملة الشهادات العليا, الرافدين للأردن العظيم, بكل خير وعطاء, وهي الأولى عندي ان تحتضن هذه الهدية والتقدير, عنوانا للقول الماثور: الأقربون أولى بالمعروف, ولكنني سوف لا أبخل على وطني في كل بقاعه وزواياه, بما يمكنني من بنات فكري وفني.
ومن لا يعرف ابا سند, لا يدرك إن اللوحة الانسانية والخلقية والوطنية, في شخصية الفنان الدكتور عصام الدويري, التي يعبر عنها قلبه وفكره ونفسه وروحه, وحبه للغير, لتضاهي ابداعاته الفنية وتميزه العلمي المحترف,
ولا يسعني هنا, وباسم كتم وأهلها, الا ان أتمنى له التوفيق وديمومة العطاء والانجاز, وأوجه له جزيل الشكر والامتنان, على هديته الفنية الفاخرة, التي تشمخ في بلدتنا العزيزة كتم, وتطاول الغيم فخرا وأصالة بأبنائها ومبدعيها.
ويختم الفنان حديثه بوشاية بسيطة: عندي عدة مشاريع لمجسمات ومنحوتات تضاهي المجرد, سترى النور قريبا.
شكرا د. عصام, بحجم القلب الكبير والعطاء المنقطع النظير.
جمال الدويري