بعد تصاعد المقاومة المسلحة.. إلى أين تتجه الأوضاع في الضفة؟

تأخذ حالة المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة منحى تصاعديًا؛ في ظل ارتفاع ملحوظ في عمليات إطلاق النار على المستوطنين والحواجز العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي يرى محللون بأنّه يزيد من فرص تطورها على الصعيدين التكتيكي والجغرافي خلال الفترة المقبلة.

وخلال شهر سبتمبر/ أيلول المنصرمشهدت الضفة المحتلة (833) عمًلا مقاومًا؛ أدّت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين، بعضهم بجراح خطرة، حسب مركز المعلومات الفلسطيني "معطى".

واستشهد وفق تقرير "معطى" 17 مواطنًا، بينهم مقاومون في 6 محافظات مختلفة، 10 منهم في محافظة جنين وحدها، بينما أصيب 359 آخرين.

ويأتي تصاعد العمل المقاوم قبيل أسابيع قليلة من انتخابات "الكنيست" الإسرائيلي المقرر إجراؤها مطلع الشهر المقبل؛ ما يزيد المخاوف من إقدام الاحتلال على زيادة الاقتحامات وارتكاب مزيد من الجرائم وعمليات القتل بحق المواطنين.

تطور تكتيكي وجغرافي

ويقول المحلل في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات إنّه "برغم مساعي الاحتلال وقف هذه العمليات ومحاولته إدخال السلطة الفلسطينية في المشهد لوقفها إلا أنّه فشل في ذلك، بل بالعكس فهي تتصاعد أكثر فأكثر خاصة في نابلس وجنين".

ويوضح بشارات، في حديثه لوكالة "صفا" أنّ اللافت في تطور المقاومة بالضفة دخول مناطق جديدة على الخط في الأيام الأخيرة، خاصة محافظة الخليل "وهو ما يمثل كابوسًا الاحتلال".

ويرى أنّ التطور الجغرافي إلى جانب التطور التكتيكي يرفع من فرص تصاعد المقاومة في الضفة الغربية بشكل أكبر مما نشهده حاليًا.

وحول ما يحتاجه المقاومون بالضفة لتنفيذ عمليات موجعة للاحتلال تزيد من خسائره البشرية، يشير بشارات إلى أنّ المقاومة بالضفة "مُحاربة منذ فترة طويلة، وملاحقة، ولم يكن فيها الكادر القادر على تطوير العمل النضالي النوعي، وبدأت الآن تنمو وتتطور".

واستدرك بالتأكيد على أنّ نمو المقاومة في الضفة ما يزال "يحتاج وقتًا؛ لكي يخلق خبراء في العمل العسكري وإدارة التنظيمات".

ويعتقد بشارت أنّ ما ينقص المقاومة في الضفة الغربية هو "الإدارة المنتظمة والهيكلية التنظيمية، وتدميرها في السنوات السابقة هو الذي أدى إلى تأخير تطورها المؤلم للاحتلال".

وبالنسبة لاحتمالية تنفيذ عمليات بالداخل المحتل، يلفت إلى أنّ اقتحامات الاحتلال المتواصلة وإغلاق المنافذ والحدود ومتابعة الفتحات في الجدار "يُصعب على المقاومين التسلل لتنفيذها".

ويضيف "موضوع تنفيذ مثل هذه العمليات معقد في ظل التركيز الكبير من أجهزة أمن الاحتلال، سيما أننا شهدنا اعتقال شبان حاولوا التسلل للداخل".

انغلاق الأفق السياسي

من جهته، يرى المحلل السياسي ورئيس مركز جنين للإعلام عدنان الصباح أنّ التصاعد المتواصل والسريع في حالة المقاومة المسلحة بالضفة الغربية بات واضحًا.

ويوضح الصباح، في حديثه لوكالة "صفا"، أنّ أسباب نمو حالة المقاومة المسلّحة في الضفة واضحة ومعروفة، خاصة أنّ الاحتلال أغلق كل الأفق السياسية أمام الشعب الفلسطيني، وضرب بعرض الحائط لأصحاب الحلول السياسية كل أحلامهم.

ويضيف "استباحة المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى والسعي لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وعربدة المستوطنين، وحجم الاستيطان، وكثافته ومصادرة الأراضي؛ كل ذلك لا نتيجة له سوى تصاعد المقاومة".

ويشير إلى أنّ الرئيس محمود عباس بدا مُحبطًا في خطابه الأخير في الأمم المتحدة من انغلاق الأفق السياسية أمامه "وهو يعلم أن المفاوضات التي ينادي لها لن تحدث".

دور مُلهم لـ"سيف القدس"

ويؤكّد الصباح أنّ معركة "سيف القدس" كان لها دورٌ رئيسٌ في التأسيس لنمو حالة المقاومة في الضفة، وأخذ الشبان بزمام المبادرة "لأنّهم شعروا بالعزّة، واستلهموا الدروس من المعركة في إمكانية التفوّق على الاحتلال".

ويضيف "سيف القدس شكلت منعطفًا رئيسيًا في تاريخ الشعب الفلسطيني، ولأول مرة منذ معركة الكرامة وحرب أكتوبر 1973، تنجح المقاومة في وضع دولة الاحتلال تحت نيرانها، وتوقفها عن الحياة وتشلّ حركتها، وتخلق وحدة وطنية حقيقية في كل أنحاء الوطن".

ويلفت إلى أنّ كل المؤشرات تشير إلى تصاعد المقاومة في الضفة الغربية "فلا يمر يوم دون أن نشهد عملًا مقاومًا".

ويؤكّد "المقاومة في الضفة متاح لها اليوم العمل أكثر بكثير مما كان سابقًا، والفيديو الذي شهدناه مؤخرًا لمقاومين من كتائب القسام في جنين يدلل على زيادة المساحة لعمل المقاومين وهو أمر لم يكن يحدث سابقًا".

ويتابع "منذ أمد بعيد نسينا تهريب الأسلحة إلى الضفة عبر الحدود، ولكن هذا الأمر عاد بقوة اليوم؛ والاحتلال يعلن ضبط بعض عمليات التهريب لكن لا أحد يعلم كم محاولة نجحت".

ويحذّر المحلل السياسي من إمكانية ارتفاع عمليات القتل الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطينيين خلال الشهر الجاري مع اقتراب موعد انتخابات "الكنيست".

ورأى أنّ الاحتلال خلال هذا الشهر "سيفعل كل ما يمكنه لمنع أي عملية مقاومة ضد جيشه ومستوطنيه؛ لأنّ ذلك أي شيء من هذا القبيل سيشكل ضربة للثنائي الفاشي بيني غانتس ويائير لابيد".

إجرام متوقع

بدوره، توقّع المحلل السياسي عمر جعارة ازدياد جرائم الاحتلال خلال الفترة القريبة المقبلة، مشيرًا إلى ارتفاع ملحوظ في عمليات القتل والاعتقال والاقتحامات التي ينفّذها جيش الاحتلال في الضفة خلال الأسابيع الأخيرة.

ويضيف جعارة، في حديثه لوكالة "صفا"، أنّ قادة الاحتلال أكّدوا أنّهم لن يسمحوا بأن تصبح الضفة مثل غزة، وسيمنعون الخسائر التي كانت تدفعها "إسرائيل" قبل تفكيك مستوطناتها والهروب من غزة بفعل ضربات المقاومة.

ونوّه إلى أنّ الاحتلال "لا يمكن أن يهتز أو يتخذ قرارًا إلّا حينما يتكبّد خسائر كبيرة"، مشيرًا إلى أنّ الخسائر الإسرائيلية في العمليات الأخيرة "تكاد تكون شبه معدومة"، معتقدًا أنّ الاحتلال عبر وسائل إعلامه يمارس "تضخيمًا واضحا" لحالة المقاومة المتصاعدة في الضفة.

صفا