تثبيت التوقيت الصيفي.. استنزاف جديد للاردنيين ومخاطرة بطلبة المدارس
من المؤسف ان نترك الأولويات والمشاكل الكبرى، لنستنزف كل هذا الوقت في اقناع الحكومة بالعدول عن قرار التوقيت الصيفي في الشتاء، بوصفه قرارا استنزافيا للناس جسديا وصحيا واجتماعيا ونفسيا، ويتم اتخاذه واشغالنا بالأمر بين الفينة والأخرى، بمعزل عن الواقع والرضى الشعبي من ناحية، وكأن مشاكلنا جميعها قد حلت، وبقي علينا بحث تأخير ساعة او تقديمها!
خلال جولة فيسبوكية مسحية على غالبية الصفحات والمواقع، وجدت اكثر من 75-80% ضد التوقيت الصيفي في الشتاء، حتى بالمواقع والصفحات القريبة من الحكومة وتدافع عن اي قرار حكومي عادة، تعارض ايضا هذا القرار بشدة، وبالتالي لا يوجد مبرر لاتخاذ قرار يعارضه الغالبية الساحقة من المواطنين لاسباب وجبهة ومنطقية وعلمية ايضا، مقابل حجة ضعيفة لدى من اتخذ القرار، لا تحدث فارق ولم تسند على اساس علمي.. فهذا القرار يؤثر بشكل مباشر على اكثر من ثلاثة مليون مواطن (موظفين وطلاب)، ويؤثر على تسعون بالمئة بشكل غير مباشر.. ويؤثر سلبا على دخل الأسر بالعموم.
واهم من يعتقد ان الساعة الواحدة لا تؤثر في مجرى الحياة وخاصة في الصباح، بل في فترات الصباح، الخمس دقائق تشكل فارق واضح في أزمة السير اذا تحدثنا عن الموظفين، وان دراسات تحدثت عن خسارة الاقتصاد اكثر من مليار دينار بسبب ازمات السير ، فكيف نزيد هذه الخسارة بقرار كهذا؟ ثان هذا الامر يزيد من فرصة تعرض الطلبة والموظفين للامراض الشتوية والبردية بسبب البرد والانجماد في ساعات الصباح الاولى حيث يتأخر شروق الشمس ويصل للساعة الثامنة صباحا في ذروة الشتاء، تكون الحرارة في ادناها ، فلسنا بحاجة لنزيد من الخسائر الصحية والمادية بسبب تلك الأمراض، فهذه خسائر مادية ايضا تثقل الأسر و الاقتصاد اذا تحدثنا عن مادة، اضافة ان هذا الأمر يؤدي الى زيادة امكانية حدوث الحوادث بسبب الانزلاقات والجليد والضباب، ومزيد من خسارة الارواح والخسائر الاقتصادية التي تترتب سبب العلاج والتأمين.
ان خروج الطلاب في ساعات الصباح الأولى - حيث لا يوجد وسائل نقل خاصة للطلبة في غالبية المناطق- يضطرهم المسير في الظلام ، وقد يتعرضوا الى خطر الكلاب الضالة خاصة المناطق الريفية والاحراش، هذا من ناحية، اضافة الى الرهاب والرعب والخوف بسبب الظلام الحالك، وهذا يؤدي الى مشاكل نفسية تؤثر على الطلبة سلبا وعلى تحصيلهم الدراسي، فالخوف والتوتر علميا يؤدي الى تدني التحصيل الدراسي للطلبة ، الى جانب قلق و توتر الامهات والاباء على ابنائهم خلال المسير الى المدرسة والجامعة و مكان العمل في الظلام ، سييتفاقم ويتعاظم و يؤثر عليهم سلبا، فجميعنا نتذكر جريمة القتل بحق احدى الطالبات في مجمع باصات الزرقاء ، والتي كان أحد اسبابها هذا التوقيت ، عندما ارتكبت مبكرا وكان الظلام يخيم على المكان في ساعات الصباح الاولى حتى استفرد الجاني بالضحية و راودها ومن ثم قتلها، وهذا سبب منطقي و مبرر للخوف من هذا التوقيت ضمن الاركيبة الثقافية للمجتمع ولا نحتاج لتكرار حادثة مشابهة لا قدر الله حتى نعود عن القرار . ناهيك عن من يسكن بعيدا عن مكان عمله ، فيضطر للخروج قبل ساعة وساعتين للوصول مبكرا للعمل او الجامعة ، فيكون الظلام أوحش والمواصلات اصعب والطريق أخطر خاصة في ذروة الشتاء وتشكل الجليد في ساعات الصباح.. وهذا امر صعب جدا على الممرضين والممرضات والعاملين الصحيين الذي يبدأ دوامهم الساعة السابعة صباحا ، ولا تتوفر لهم وسيلة نقل ايضا .
واذا تحدثنا عن حجج حكومية تدافع عن القرار من منظور اقتصادي باعتباره قد.يوفر هذا القرار بضعة ملايين، نجد آراء لخبراء اقتصاديين يثبتون ان قرار التوقيت الصيفي لم يوفر على الخزينة خلال الفترات السابقة التي تم اتخاذ قرار فيها مشابه، ولم يزيد.من النمو الاقتصادي الربعي والنصف سنوي والسنوي، ، وان احدى الدراسات التي تتحدث عن توفير مبلغ من هذا التوقيت، كانت منهجيتها البحثية ضعيفة جدا، ولم تأخذ الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى بعين الاعتبار، والتي يترتب عليها خسائر أكثر من التوفير ،وبالتالي نتائجها لا يبنى عليها وليست دراسة محكمة، وان حجة ان الساعة الاضافية تحرك الاقتصاد ايضا تم تفنيدها من خبراء اقتصاديين عزوا الركود الاقتصادي الى تدني الدخل الفردي والاسري وزيادة الفقر والبطالة، وان الايرادات الحكومية لن تتأثر ايجابا بسبب هذه الساعة، ففي الصيف على امتداد ساعاته مثلا لم يؤثر او يزيد او يحرك الاقتصاد باتجاه ايجابي لنفس الاسباب، فبالتالي التوقيت لا علاقة له بالأمر، .وفي الوقت الذي ترتفع فيه اسعار المحروقات و تؤدي الى مزيد من تآكل الدخل وتدني القدرة الشرائية، سيفاقم هذا التوقيت هذا الأمر، فالساعة الصباحية المبكرة التي تكون درجة الحرارة بادنى معدلاتها، تتطلب تشغيل التدفئة وانارة وبالتالي زيادة استهلاك الوقود ، بعكس مما لو كان عليه الامر في المساء..
أمام كل هذا ، فلا شك.ان هذا القرار سيؤدي الى نتائج سلبية على المواطن و شركات التأمين والدولة ، وان خسائره أكبر من أرباحه ماديا ومعنويا، ولا مصلحة باستمرار هذا القرار الذي يعرض الطلبة والموظفين والأسر لاخطار صحية و مادية و اقتصادية واجتماعية و نفسية لسنا بحاجة لها في ظل ما يعانيه الوطن والمواطن من أزمات متتالية، ولا بد من الانشغال بقضايا أهم وأكبر من قضية تقديم او تأخير ساعة..