عراقيات يحتفلن بطلاقهن.. تعافٍ أم انتقام من الماضي؟

زادت ظاهرة احتفال النساء بطلاقهن بالمجتمع العراقي بشكل لافت، وأثيرت حولها الكثير من ردود الفعل المتباينة.

وتنشر نساء على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر صورًا عن طقوس احتفالية نظمت بحضور الأهل والأقارب والأصدقاء يوزعن الحلوى بمناسبة انفصالهن عن أزواجهن.
 
وانقسمت الآراء حول ظاهرة "ابتهاج المطلقات" إلى قسمين، أحدها يرى بأنها ردة فعل من المرأة الدافع منها الشعور بالانتقام، ويرى آخرون أنها تقليد للمجتمع الغربي، دون أن يكون هناك انعكاس إيجابي.

أرقام صادمة
يتزامن ذلك كله مع ارتفاع معدلات الطلاق ووصولها إلى أعدادٍ كبيرة، إذ بلغ عدد حالات الطلاق المُسجلة خلال عام 2021 بعموم البلاد -ما عدا إقليم كردستان- أكثر من 73 ألف حالة، وفقًا لمجلس القضاء الأعلى.

وتصدرت العاصمة بغداد المحافظات الأخرى بـ 27 ألفا و163 حالة طلاق، تلتها محافظة البصرة في أقصى الجنوب بـ 7317 حالة طلاق.

وفي يوليو/تموز الماضي، بلغت معدلات الطلاق في مختلف المدن 4827 حالة، منها 3550 حالة تصديق لطلاق خارجي، و1277 تفريقاً بحكم قضائي -حسب مجلس القضاء الأعلى- مما يعني أنّ نحو 6 حالات طلاق تحدث كل ساعة، بواقع 160 حالة في اليوم.


وبلغت حالات الطلاق التي أعلنها المجلس لشهر أغسطس/آب الماضي 4636 حالات تصديق الطلاق الخارجي، أي الذي تم خارج المحكمة. أما حالات الطلاق التي تمت بحكم قضائي فبلغ عددها للشهر ذاته 1855 في عموم العراق.

ووفقا لإحصائيات رسمية صادرة عن المجلس أيضًا، فإن نحو 20% من حالات الزواج التي جرت خلال السنوات العشر الأخيرة انتهت بالطلاق.

وأشارت إحصائيات سابقة لمجلس القضاء الأعلى إلى تسجيل المحاكم 4092 حالة طلاق لنساء لم يبلغن 15 سنة خلال عامي 2021-2020.


وفقا لإحصائيات رسمية عراقية نحو 20% من حالات الزواج خلال السنوات العشر الأخيرة انتهت بالطلاق (بيكسابي- تعبيرية)
رسائل إلى الرجل
حاولت الجزيرة نت التواصل مع نساء أقمن حفلات طلاق مؤخرًا بالعاصمة بغداد وأربيل، ونُشرت قصصهن على مواقع التواصل وأثيرت الضجة حولها. إلا أن ثلاثا منهن رفضن الحديث لأسباب عائلية، ووافقت رابعة على الحديث -عبر الهاتف- بعد توسط ناشطة مدنية تعمل مديرة لإحدى المنظمات المدافعة عن حقوق النساء.

تقول "هـ. ج" (اسم مستعار) -التي نظمت مؤخرًا احتفالاً داخل منزل إحدى صديقاتها في مدينة أربيل بمناسبة انفصالها عن زوجها بحضور مجموعة من الأصدقاء- إن الحفل إشارة إلى زوجها الذي كان يُعنفها ولا يحترمها وإنها أصبحت أكثر سعادة الآن بدونه.

وتضيف "على كل مرأة معنفة أن تسعى للانفصال من الزوج الذي لا يقدرها وتبدأ حياة جديدة".


بعد إعلان انفصالها عن زوجها، دخلت "هـ.ج" في تحدٍ آخر مع أهلها. وتقول للجزيرة نت إن المرأة تعيش عنفا وإقصاء ونظرة دونية بعد طلاقها، بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية.


شهر زاد العبدلي: إقامة حفلات الطلاق "خطوة جريئة" للتعافي من حالات الزواج الفاشلة (الجزيرة)
خطوة جريئة
ترى الأخصائية النفسية شهرزاد العبدلي أن إقامة حفلات الطلاق "خطوة جريئة" تأتي للتعافي من حالات الزواج الفاشلة، وبدء حياة أفضل.

وتعتقد أن تأثيرها سيكون إيجابيًا على المرأة، فـ "يكفي أنها تحلت بالشجاعة للقيام بهذه الخطوة ووقفت بوجه المجتمع الذي يحمل وجهة نظر سلبية عن الطلاق. تريد أن تثبت أن الطلاق مفرح وهو حل للمشكلة".

لكن شهرزاد العبدلي لا تنفي في حديثها للجزيرة نت أن "المرأة تحب أن تقلد المجتمعات الأوروبية كما الحال مع المجتمع العراقي سواء إذا كان التقليد في الأزياء أو التصرفات أو غيرهما. وإقامة حفلات الطلاق تعد جزءًا من هذا التقليد".


علاء الصفار: المرأة تريد الشعور بالانتقام من الرجل بهذه احتفالية والثأر لكرامتها (الجزيرة)
الشعور بالانتقام
وعن إمكانية أن يُساعد تنظيم احتفالية بمناسبة الطلاق من قبل المرأة على الشعور بالانتقام وإن كان مؤقتًا، يقول الباحث الاجتماعي الدكتور علاء الصفار "إن المرأة تريد عبر هذه الاحتفالية أن تشعر بالانتقام من الرجل والثأر لكرامتها كامرأة ومحاولة إثبات قوتها على اجتياز مرحلة الطلاق".

لكن الصفار يصف مثل هذه الاحتفالات بأنها "وهمية وشكلية" ولا يُمكن أن تساهم في معالجة المشاعر السلبية التي وقعت على المرأة خلال فترة الزواج -والكلام ما يزال للصفار- وهو تعبير سلبي عن واقع الطلاق أيًا كان شكله ومضمونه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتوقع الباحث الاجتماعي "زيادة هذه الظاهرة في العراق خلال الفترات المقبلة بالتزامن مع الانفتاح والتطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، وأن تتمادى أكثر بإنتاج حالات لم يكن المجتمع العراقي معتادا عليها من قبل".


سوزان جميل: الاحتفال بالطلاق لا يساعد المرأة على الشعور بالانتقام مهما كان الطرف المقابل سيئًا (الجزيرة)
هكذا تنتصر المرأة
أما الناشطة المدنية سوزان جميل فترى أن الاحتفال بالطلاق لا يساعد المرأة على الشعور بالانتقام مهما كان الطرف المقابل سيئًا، لأن الطلاق ليس فقط نهاية مرحلة مؤلمة سابقة، بل هو أيضًا بداية لتحديات مجتمعية ومعنوية، وفق وصفها.


والأفضل من الاحتفال بالطلاق -والحديث لجميل- أن تستجمع المرأة كل قواها لمواجهة هذه المرحلة وتخطيها بصبر وحكمة وقوة لأن المجتمعات الشرقية مهما تحررت تبقى تحارب المرأة المطلقة في كل الميادين.

ويتوافق توقع الناشطة المدنية مع توقعات الصفار بكون هذه الظاهرة تتجه نحو الزيادة مستقبلاً، وتعزو ذلك بقولها "لأننا مجتمع يعشق تقليد الآخرين بظاهرة جديدة قد لا تكون مقبولة ولكنها بالنسبة لفتيات عصر الانفتاح مقبولة ويجب العمل بها".

وفي رأي مُخالف للكثير من النساء اللاتي احتفلن بطلاقهن بتنظيم طقوس احتفالية، ترى جميل في حديثها للجزيرة نت أن الأفضل أن يكون "انتقام المرأة" من الطرف الآخر من خلال النجاح والتفوق العملي بتطوير ذاتها، لأن نجاحها "أكثر سلاح يفتك" بالطرف المؤذي لها، وتصف ذلك بأنه "قمة النصر والانتقام".

المصدر : الجزيرة