هل نعيش ازمة جنائية كما يشاع الان؟




على عكس التصريحات والارقام الامنية التي تتوارد تباعا يجري هذه الايام نوع من الحديث الوطني المكثف حول انتشار ظاهرة الجريمة والتذمر من تمركزها في تفاصيل المجتمع، والتلميح بظهور ارهاصات لحالة انفلات جنائي غير مسبوقة، بل ان الحديث مدعم بالواقع وعززته اضافة الى ذلك دراسات ميدانية جرى نشرها واطلاع المواطنين عليها مؤخرا، وهنا تضيع الحقيقة ويصعب التقاطها من بين تجاذبات النفي والاثبات لدرجة تكاد تصل الى الشك بدقة الرقم الرسمي الامر الذي يستدعي صيانه الثقة بمؤسسة الامن والنأي بها عن بواعث الظن ومسببات الشكوك.

اذا كان ثمة هبوط في مؤشر الاداء مع كل هذه الامكانيات الامنية الهائلة فمرد ذلك يعود فيما نرى لانشغال جهاز الامن العام بوظائف وواجبات متشعبة، وتبديد طاقاته وامكانياته المادية والبشرية باتجاهات مبعثرة، ومهام يومية هامشية ضاغطة غير مرتبطة بواجبه الاول بالحفاظ على ارواح المواطنين واعراضهم واموالهم تحت ذريعة واجب (مساعدة السلطات العامة بتأدية وظائفها) الواردة في نص المادة الرابعة من قانون الامن العام، حيث يجري تطبيق النص الفضفاض تطبيقا موسعا غير منضبط، ادى لانهاك الجهاز وشتت جهودة واصبحت بلا اثر امني واضح وكان وراء موجة التذمر والشكوى ومحلا للنقد.

لقد نتج عن دوامة الخلط في ترتيب سلم الاولويات آثار وخيمة على الاداء الامني، وجعلته يخرج عن السكك الامنية الاصيلة بعيداً كل البعد عن روح الوظيفة الشرطية وقيمها السامية، وعزلها عن محاورها الاساسية النفيسه، فانتشرت انواع من الازدواجية في العمل ظهرت جليا خلال ازمة جائحة كورونا، وتخلي المؤسسات المختصة عن الكثير من مسؤولياتها وحل محلها الامن العام، ومارس ادوارا صحية ورقابية من اختصاص البلديات والصحة والتموين والبنوك، وفي المنڜات الخاصة الكبرى، خاصة في ساعات الليل وعودة الموظفين الى منازلهم مع انتهاء ساعات العمل الرسمي.

كابوس الواجبات الهامشية يتمدد ولم تعد المسألة مجرد مسألة وباء ومساعدة وحسب، فقبل ايام كانت جموع من رجال الامن يشرفون على النظافة في احدى المحافظات في الوقت الذي تنتشر فيها المخدرات انتشارا جنونيا غير مسبوق، وجاء ذلك بالتزامن مع نشر آخر نتائج دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية تحت عنوان استمرار الثقة بالمنظومة الأمنية ومؤسساتها ظهرت نسبة غير مألوفة من هواجس القلق الأمنية وصلت الى 91% في جرائم المخدرات والمجتمع.