المعلمون المؤقتون في مصر والأردن وتونس.. أجور منقوصة وانعدام للحماية الاجتماعية
تونس- القاهرة- عمان- من تونس إلى مصر فالأردن، يتشارك المدرسون والمدرسات -من العاملين بنظام العقود أو على حساب التعليم الإضافي من غير المعيّنين رسميا- ضعف الأجور المالية، وفقدان وسائل الحماية الاجتماعية والتأمينات الصحية، وارتفاع تكاليف التنقل والمعيشة في محافظات بعيدة عن أماكن سُكناهم.
وترجع الوزارات التربوية الرسمية في تلك الدول أسباب التعيين المؤقت للمدرسين والمدرسات إلى "الأزمات المالية التي تمر بها تلك الدول، وحاجة وزارات التربية لأعداد كبيرة من المعلمين دون وجود مخصصات مالية في الموازنات العامة تسمح بتعيين كامل احتياجات الوزرات من المعلمين".
اعتصامات غاضبة بتونس
وعلى وقع مظاهرات واعتصامات غاضبة داخل مقرات المندوبيات الجهوية للتربية بالمحافظات التونسية، يشتكي المعلم أشرف دلالة (24 عاما) من حرمانه وزملائه من "التغطية الاجتماعية والصحية وتعرض بعضهم لحوادث بالشغل، ومواجهتهم لمشاكل في توفير تكاليف الإيجار والإنارة ومياه الشرب، وذلك جراء عدم حصولهم على أجورهم كاملة في وقتها، إضافة لوضعيات أسرهم المتواضعة جدا".
تخرّج دلالة ابن محافظة سيدي بوزيد (وسط غربي) سنة 2021 في تخصص تربية وتعليم، وعُيّن في العاصمة تونس برتبة أستاذ تعليم ابتدائي "متعاقد". ويضيف للجزيرة نت أن القانون الأساسي المنظم لتخصصه والصادر بالجريدة الرسمية، يقضي بـ "انتداب خريجيه بصفة آلية ومباشرة، كأساتذة تعليم ابتدائي سنة أولى تربص، وليس متعاقدين كما فعلت الوزارة".
ويؤكد دلالة "شخصيا لا أستطيع توفير ما أحتاجه كأستاذ، من أوراق بيضاء وحاسوب وذهاب للتدريس، ولا أملك ثمن قهوتي وقارورة مياه بأجر 600 دينار فحسب (200 دولار)" متسائلا "ماذا ستكفي في تونس، ويطلبون مني بذل مجهود؟".
ويقاطع نحو 17 ألف معلم نائب (سد شغور ظرفي) وخريج علوم التربية والتعليم التدريس في تونس بدعوة من الجامعة العامة للتعليم الأساسي (نقابة) بعد إعلانها جملة من التحركات انطلقت بيوم غضب وطني يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي أمام مقر وزارة التربية، وبمسيرة نحو قصر الحكومة بالقصبة.
أوضاع هشة وغير مستقرة
كما تتواصل الاعتصامات داخل مقرات المندوبيات الجهوية للتربية بكافة المحافظات حتى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والذي يتزامن مع اجتماع الهيئة الإدارية للجامعة لإقرار الخطوات المقبلة، وفق حديث عضو المكتب التنفيذي للجامعة محمد العبيدي للجزيرة نت.
وتطالب الجامعة بإلغاء صفة العون الوقتي التي أقرتها وزارة التربية السنة الحالية وبترسيم (تثبيت) كل "ضحاياها" من المدرسين دفعات سنوات 2018 و2019 و2020 و2021 و2022 المعنيين بالاحتجاجات.
كما تطالب بسحب الصفة "البدعة" -على حد وصف الجامعة- التي أقرتها كذلك الوزارة وهي عون مكلف بالتدريس وبانتداب كافة المربين النواب (سد شغور ظرفي) بمعايير شفافة، والالتزام بقانون خريجي الإجازة التطبيقية وانتدابهم (تعيينهم) بصفة عون متربص (متدرب) دفعة 2022، وتمكين خريجي هذا التخصص دفعة 2021 من تسمياتهم القانونية والتعجيل بتعيينهم.
ويؤكد العبيدي أن وزارة التربية "أخلّت هذه السنة بالاتفاقات المبرمة، وبالقوانين الأساسية المنظمة للقطاع، وذلك بإلغائها لصفتي المربي المتعاقد، ومتربص، وتعويضها بعون مكلف بالتدريس".
في الأثناء، أكد وزير التربية فتحي السلاوتي في تصريح إعلامي "التزام الحكومة بالإيفاء بتعهداتها وبتعهدات الحكومات السابقة في هذا الملف".
وقال إن تونس تشهد اليوم "وضعا ماليا حرجا لا بد من الإقرار به وأخذه بعين الاعتبار" وتحدث عن وجود آلية -رفض الكشف عنها- يتم درسها ومناقشتها مع الهياكل النقابية المعنية لإيجاد حل لإشكال المربين بكافة أصنافهم.
6 آلاف معلم أردني بعقود جزئية
في الأردن، لا يختلف الأمر كثيرا، فخريجة الهندسة المدنية ميساء السلوادي (27 عاما) التي كانت تحلم بتشييد أبنية سكنية ومجمعات تجارية، تبخرت أحلامها لتتحول إلى مدرسة لمادة العلوم للصفوف الأساسية بإحدى المدارس الحكومية، بعدما اجتازت الاختبارات المخصصة للتعليم الإضافي في وزارة التربية والتعليم.
اضطرت السلوادي للعمل بوظيفة معلمة على حساب التعليم الإضافي لمدة فصل دراسي 4 أشهر خلال العام الماضي، بعدما عجزت عن الحصول على وظيفة بتخصصها، وتصف العمل بالتعليم الإضافي بـ "الصعب والمتعب، ويحرم المعلمة من أبسط حقوقها في تأمين صحي أو حماية اجتماعية أو أجر لائق".
وتضيف للجزيرة نت بأنها لجأت للتعليم الإضافي بهدف الحصول على "خبرة بالتدريس تساعدها بالحصول على وظيفة بمدرسة بالقطاع الخاص مستقبلا" وخلال فترة عملها كانت تتقاضى أجرا شهريا بقيمة 240 دينارا (335 دولارا).
ويتشابه مع السلوادي نحو 6 آلاف معلم ومعلمة تم تعيينهم بنظام "الإضافي" منذ بدء العام الدراسي الحالي مطلع سبتمبر/أيلول الفائت، وتشمل التعيينات مختلف التخصصات العلمية والأكاديمية لحملة المؤهلات الجامعية من مختلف الدرجات العلمية.
نقص المخصصات المالية
في المقابل، تلجأ وزارة التربية والتعليم الأردنية لتعيين مدرسين ومدرسات على نظام التعليم الإضافي وبعقود فصلية ولمدة 4 أشهر، لسد النقص الحاصل بأعداد المعلمين بالمدارس الحكومية على مستوى المملكة، بحسب الوزارة.
وبلغ مجموع النقص بأعداد المعلمين بعد حصرها في مديريات التربية بمحافظات المملكة للعام الدراسي الحالي 10 آلاف معلم ومعلمة، بحسب مدير الإعلام في وزارة التربية والتعليم أحمد المساعفة.
وأضاف المساعفة للجزيرة نت أن جداول التشكيلات لتعيين موظفي الوزارة والذي وافقت عليه رئاسة الوزراء حددت للتربية 4 آلاف وظيفة من أصل 10 آلاف، وذلك لنقص المخصصات المالية، مما اضطر الوزارة للاستعانة بتعيين 6 آلاف معلم على نظام التعليم الإضافي.
ويتم اختيار المعلمين -وفق المساعفة- بناء على عدة معايير واختبارات يخضع لها المرشحون للتعيين، ويتقاضى المعلم أجرا شهريا بقيمة 260 دينارا (366 دولارا) بحسب الحد الأدنى للأجور، ومنهم من يمضي عاما دراسيا كاملا، ومنهم من يمضي فصلا واحدا، ولا يصرف لهم بدل العطلة الصيفية والشتوية.
وبحسب اقتصاديين وحقوقيين فإن العمل بنظام التعليم الإضافي يخلف حالة من التمييز السلبي بين المعلمين الذين يقومون بنفس الأعمال لكن بأجور متفاوتة، إذ يتقاضى المعلم الإضافي أقل من نصف أجر المعلم المعين رسميا، مما يهدد نتائج العملية التعليمية.
وتبلغ كلفة التعليم الإضافي السنوي نحو 24 مليون دينار (33.8 مليون دولار) من موازنة وزارة التربية المقرة بمليار و13 مليون دينار (1.56 مليار دولار) وتضم الوزارة 92 ألف معلم ومعلمة، ضمن كوادرها التعليمية و20 ألف موظف إداري، بحسب الوزارة.
في مصر.. أزمة نقص المعلمين أم أزمة إنفاق؟
في مصر تأخذ أزمة نقص المعلمين منحى أكثر تعقيدا مع تجاوز عدد السكان 104 ملايين نسمة، وارتفاع عدد الطلاب إلى 24.4 مليون تلميذ، أي نحو ربع سكان البلاد، وعدم كفاية المعلمين بسبب ضعف الإنفاق الحكومي على التعليم.
وقد أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بياناً صحفيا أشار فيه إلى تراجع عدد المعلمين من 1.016 مليون معلم موسم 2020/2021، مقابل 1.026 مليون خلال عام 2019/2020، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للمعلم الموافق 5 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام.
وتشير تقديرات وزارة التربية والتعليم إلى وجود نقص في عدد المعلمين يتجاوز 320 ألف معلم، وللتغلب على هذه الأزمة قررت الاستعانة بمعلمين بشكل مؤقت لسد العجز في المدارس، بحيث لا تتجاوز القيمة 20 جنيها للحصة الواحدة (أي نحو دولار واحد) على أن يتم حصر العجز الفعلي في التخصصات بالمواد الدراسية الأساسية بكل إدارة تعليمية.
كما تشير دراسات أخرى، وفق تقرير البنك الدولي، إلى التمييز الذي يعاني منه هؤلاء المعلمون، الذين غالباً ما يجدون أنفسهم رهينة لحلقة مفرغة من العقود من غير وجود مسار واضح لتغيير الوضع.
بيئة تعليمية غير صحية
وانتقد الباحث والمتخصص في القياس والتقويم التربوي، الدكتور محمد فتح الله، استمرار لجوء الحكومة للمعلمين المؤقتين بأجور زهيدة، قائلا إن هذه الحلول المؤقتة لن تهيئ لبيئة تعليمية صحية "وشروط التعيين إجحاف بحق المعلمين، ولا يتمتعون بأي مزايا تليق بمكانتهم، مثلهم مثل عمال اليومية".
واعتبر الدكتور فتح الله، في حديثه للجزيرة نت، أن سبب الأزمة المزمنة هو إيقاف التعيين وليس نقص المعلمين بدعوى عدم وجود مخصصات مالية، في حين أنه لو تم الالتزام بالاستحقاق الدستوري "لوجدنا وضعا أفضل من ذلك".
وأكد أن المعلم هو بيت القصيد في العملية التعليمية، ويجب ألا تستمر أزمة نقص المعلمين إلى ما لا نهاية، خاصة في مراحل الابتدائي والإعدادي، لما لها من تأثير سلبي على المعلمين والطلاب، ولذلك يجب الارتقاء بدخل المعلمين بما يليق بدورهم التربوي والتعليمي.
المصدر : الجزيرة