تصريحات تراس بشأن نقل السفارة البريطانية للقدس.. صمت إسرائيلي يحمل تشكيكا وهواجس
- في الوقت الذي تلتزم فيه إسرائيل الرسمية الصمت وتعتمد الضبابية حيال ما صرحت به رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس، التي قالت إنها تفكر في نقل سفارة بلادها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بدت التقديرات للمحللين ومراكز الأبحاث أكثر وضوحا، حيث شككت بجدية التصريحات، واستبعدت قدرة تراس على تنفيذها قريبا.
ويأتي هذا الصمت الإسرائيلي الرسمي وانعدام الحماسة والامتناع عن التهويل أو الاحتفاء بتصريحات تراس، خلافا للأجواء التي عاشتها إسرائيل وتصريحات قادة مختلف الأحزاب اليهودية التي سبقت إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي اعترف في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وأمر بنقل السفارة الأميركية إليها.
وطغى الصمت الإسرائيلي أو ما يسمى "الدبلوماسية الصامتة" لتل أبيب بالتعامل مع تصريحات تراس، على المشهد السياسي الإسرائيلي، إذ غابت التصريحات عن أجندة وسائل الإعلام العبرية، في حين نأت مختلف الأحزاب ومنها المشاركة في ائتلاف حكومة يائير لبيد بنفسها عن توظيف ذلك بانتخابات الكنيست المزمع إجراؤها في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وعزا محللون الصمت الإسرائيلي إلى التقليل من جدية هذه التصريحات واعتبارها للاستهلاك الإعلامي، وذلك لاعتبارات سياسية داخلية في بريطانيا، وكذلك التشكيك بإمكانية تنفيذ تصريحات تراس قريبا، وتجنب تأليب الرأي العام العالمي، وعدم توسيع دائرة التضامن مع القدس والقضية الفلسطينية عالميا، وعدم المساس بكواليس ومنجزات السياسات الخارجية الإسرائيلية.
صمت ومنجزات
وتنسجم الدلالات والأهداف من وراء الصمت الإسرائيلي الرسمي حيال فكرة تراس مع تقرير معهد "ميتفيم" (mitvim) المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والشرق الأوسط حول "مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية 2022″، الذي يظهر رضا المجتمع الإسرائيلي عن سياسية بلاده الخارجية، والأهم تحسين العلاقات الخارجية بشكل غير مسبوق خصوصا مع الاتحاد الأوروبي، وأميركا، ودول عربية، وإسلامية.
وقال نمرود جورن مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط، إنه خلافا لسنوات سابقة فإن السياسة الخارجية الإسرائيلية تحظى برضا المجتمع الإسرائيلي، وعودة إسرائيل لتكون مقبولة إقليميا وأوروبيا وعالميا.
واستعرض أبرز منجزات السياسات الخارجية الإسرائيلية خلال العام 2022، والتي تمحورت حول التناغم مع سياسة الإدارة الأميركية، و"كسر طوق العزلة"، والعودة لحاضنة الاتحاد الأوروبي دون صدامات، وتوسيع دائرة التطبيع وتحديث العلاقات مع مصر والأردن، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع تركيا.
تشكيك وتراجع
ويعتقد أن إسرائيل تسعى للحفاظ على المنجزات الدبلوماسية وتسعى للامتناع عن أي صدام ومواجهة خاصة مع الدول التي تربطها بها مصالح إستراتيجية، وعليه التزمت الصمت بشأن فكرة تراس ظاهريا، لكنها تتابعها من وراء الكواليس لمنع تأليب الدبلوماسية العالمية ضدها، وكذلك لمنع توسيع التضامن مع القضية الفلسطينية.
وعزا جورن في حديثه للجزيرة نت الصمت الإسرائيلي حيال تصريحات تراس بنقل سفارة بلادها للقدس، وعدم الاحتفاء بالفكرة إلى "التشكيك" بجدية التصريحات، "وعدم قناعة" الجانب الإسرائيلي بجدية الفكرة وإمكانية إخراجها لحيز التنفيذ بالمستقبل القريب.
نمرود جورن؛ مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط (الجزيرة)
وأوضح أن تراس وفور توليها رئاسة الوزراء، أطلقت الكثير من التصريحات بشأن قضايا داخلية تتعلق بالاقتصاد والمجتمع وغلاء المعيشة والإصلاحات الضريبة، وكذلك تصريحات بشأن ملفات عالمية، لكنها سرعان ما تراجعت عنها بسبب ضغوطات في حكومتها والتعقيدات السياسية والحزبية الداخلية في بريطانيا، وهو السيناريو الذي لا تستبعد الحكومة الإسرائيلية أن يتكرر أيضا بشأن فكرة نقل سفارة لندن من تل أبيب للقدس.
دعم وتناغم
واستشهد الباحث بالشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، بتصريحات رئيسة الوزراء البريطانية بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل خطة التخفيض الضريبي للأثرياء في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، إذ تراجعت عن تصريحاتها تحت وطأة المعارضة الجارفة داخل حزبها، وأيضا داخل حزب العمال، وهو ما يدلل بأن تصريحاتها بشأن نقل السفارة قد تواجه ذات المصير.
وفيما يخص تصريحات تراس، أوضح شلحت للجزيرة نت أنها تعكس "اندفاع بريطانيا سياسيا" مؤخرا، نحو دعم المواقف الإسرائيلية والتناغم معها، كما أن فكرة نقل السفارة تندرج بسياق الكثير من التصريحات الشعبوية لتراس التي سرعان ما تبين أنها غير قادرة على تنفيذها، وهي تصريحات بلا رصيد، والسؤال بشأن إمكانية نقل السفارة سيبقى مفتوحا للمستقبل.
وأشار شلحت إلى أن ما تمثله تراس في بريطانيا، جزء من سلوك سياسي في أوروبا لتبني الخطاب الإسرائيلي ومحاربة الرواية الفلسطينية، وهي السياسة التي يدفع بها قدما اليمين الشعبوي، وذلك على غرار ما حصل في النمسا وإيطاليا والمشهد السياسي بالسويد.
مخاوف وتداعيات
ويرى شحلت أن اليمين الجديد الشعبوي في أوروبا هو أقرب للسياسية الإسرائيلية ويتبنى روايتها، بل يذهب بعيدا ليتعاطف حتى مع الحركة الصهيونية التي تحرض على الإسلام السياسي، وتقف وراء الترويج لفزاعة "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، خصوصا في ظل موجات الهجرة من الشرق إلى الدول الأوروبية.
وعن دوافع وأسباب الصمت الإسرائيلي حيال فكرة رئيس الوزراء البريطانية بنقل سفارة بلادها للقدس المحتلة، يقول شلحت "لربما يشعر الجانب الإسرائيلي أن هذه التصريحات للاستهلاك الإعلامي وتتعلق بالوضع السياسي الداخلي ببريطانيا، وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع بالمستقبل القريب، لذا تفضل تل أبيب عدم التهويل والامتناع عن الحماس والاحتفاء بتصريح تشكك بتنفيذه".
وأوضح شلحت أن إسرائيل عدا عن حساباتها الإقليمية والعالمية وحتى الأميركية في كيفية رد الفعل على تصريحات تراس، إلا أنها تخشى من تداعيات تعاملها بجدية مع فكرة نقل السفارة البريطانية.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية تتواجد بهذه المرحلة على الأجندة وتتصدر المشهد الإقليمي بسبب المقاومة المسلحة، وعليه فإن التفاعل الإسرائيلي مع فكرة نقل السفارة يمكن أن يشكل وقودا لانتفاضة مسلحة، وهو ما تخشاه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد التي تنتهج سياسة قمعية ضد القضية الفلسطينية، عبر قمع حركات المقاومة وتوسيع المشروع الاستيطاني.
المصدر : الجزيرة