هل يمكن لنا ان نطلق على ما يحدث في  إيران اليوم  بأنه ربيع أشبه بربيع عربي. ولماذا تأخر هذا  الربيع فيها كثرا عن جيرانه  ؛ وبما يحمله  من خطورة وزعزعة للنظام حيث الاحتجاجات والصدامات وما ترفعه من شعارات معادية للنظام . وهل هو فعلا شأن داخلي بحت  نتيجة ضغوطات ومعاناة داخلية حيث سوء وتردي في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وموثرات كثيرة أخرى متعلقة بعلاقة النطام بشعبه مثل  مسالة الحريات. َام كما تدعي كما تدعي إيران انها مؤامرة خارجية ضدها بتحريض من  قوى خارجية وفي مقدمتها   الولايات المتحدة الأمريكية والاعداء وقوى الشر.. 

لا أحد ينكر مكانة إيران في الإقليم والعالم حيث تعد لاعب استراتيجي هام و خطير في العالم والاقليم بما  تمتلكه من قدرات وما لديها من سمات وخصائص متعددة حيث امكانيات وموارد وادوات وموقع جفرافي إقليمي  واستزاتيجي  مميز وخزان بشري ذو صبغه مذهبية خاصة. وفي الوقت نفسه  لا يخفى على احد  ما تعانيه إيران من تحديات اقتصادية كبيرة حيث الفقر والبطالة والتضخم ورفع الاسعار وغيرها لأسباب عديدة منها العقوبات المفروضة عليها ومنها ما هو متعلق بسوء إدارة الدولة، وتدخلاتها الخارجية في بعض دول الإقليم بالدعم المادي العسكري  والسياسي، والتي كانت موضع نقد كثير من المحتجين للنظام في مرات سابقة عديدة. وكذلك علاقاتها الخارجية ومحاولة فرض نفسها على العالم والاقليم بمشروعها النووي. مما يفرض عليها اثمان معينة. 

إن ما يحدث في إيران اليوم  من احتجاجات والذي يدخل اسبوعه الخامس إثر مقتل الشابه الايرانية الكردية (مهسا اميني) (22 عاما ) بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية بحجة لباسها غير اللائق.، يعد  موشرا سلبيا بل  تطورا خطيرا في علاقة النظام بشعبه، وتدني شعبية النظام وتراجعه على المستوى الخارجي اكثر ما هو عليه. كما يعد نذيرا لتطورات وتفاقم ازمة سياسية كبيرة للنظام قد تقود لتدهوره واضعافه بعد حين رغم متانة أجهزته الأمنية وقوتها. وربما بل من المؤكد على فقدان النظام السياسي الإيراني لشرعيته بدليل تجاوز الإيرانيين لكل المحرمات  السابقة لرموز النظام حتى اصبح امر شتمهم وكيل التهم لهم امرا عاديا. 

لا تعد الاحتجاجات الحالية اليوم هي  الأولى في البلاد، بل سبقها حوالي( 9) تسع حركات احتجاجية سابقة ومتتالية منذ عام (199‪9م-2022 ) لدواعي و مسائل مختلفة تراوحت بين تزوير الانتخابات وبين ممارسات الشرطة القمعية  ضد ناشطين سياسين ومعارضين وبين احتجاج على رفع اسعار مشتقات نفطية أو سلع غذائية ورفع ضرائب وغيرها. وكان أكثرها قوة تلك التي كانت عام 201‪9 وسقط خلالها العديد من القتلى . وقد شهدت السنة الحالية منذ بدايتها   العديد  من  الاحتجاجات ووصل عدد المحتجين فيها  بالآلاف وبمعظم المدن الإيرانية مما يعد تطورا خطيرا ووقوع النظام في ورطة وازمة حقيقية . 

تمتاز الاحتجاجات الحالية اليوم  - التي تجوب العديد  المدن الإيرانية ليلا ونهارا لجميع فئات المجتمع الإيراني بأنها - الاعم  في البلاد حيث وصلت  اعداد المحتجين الآلاف رغم قمع الشرطة لها. كما امتازت برفع سقوفها وشعاراتها ضد النظام وليس ضد الحكومة وحدها ومنها :"الموت للدكتاتور" "بداية النهاية"  "المرأة" الحرية "" الحياة ". وتمزيق صور العديد من رموز النظام السياسي. والأهم من ذلك أن حاجز الخوف لدى الشباب الإيراني قد تلاشي. وذهب دون رجعى ، فأصبح لديهم قناعة شديد  بضرورة تغيير النظام السياسي  والدفاع عن حقوقهم وحريتهم رغم القبضة الأمنية التي يمارسها النظام ضد شعبة حتى أصبحت تطال الأطفال منهم وتصل لحد القتل.

لا زال الموقف الدولي خجولا  وغير واضح ودون المستوى المطلوب. ولا يمثل ضخامة  الحدث على الرغم من تنديد معظم دول العالم بالإجراءات القمعية التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد المحتجين العزل. اذ تعتبر هذه المواقف الدولية غير كافية وتعد غير رادعة للنظام السياسي. اذ ما زال النظام السياسي مصرا على قمع المحتجين بوسائل مختلفة ودون السماح لهم بالتعبير عن ارائهم، ودون أعطاءهم حقوقهم المشروعة بل وصل الأمر لقطع الانترنت  والواتسب للحيلولة دون تواصلهم. بل والانكى والادهى  من ذلك انه مازال يعتقد أن ما يحدث في البلاد بفعل تحريض قوى خارجية، بغرض الحد لما  وصلت اليه إيران من تقدم وتطور في المجال النووي ويخصون بذلك الولايات المتحدة وإسرائيل. ويؤكد النظام على موقفه و سياسته تلك من المحتجين  متحديا شعبه بان نظامه مثل "شجرة ثابتة " و من الصعب  اقتلاعها. وهذا يمثل رسالة واضحة للداخل الإيراني والمعارضة والمحتجين بأنه باق في سياسته ولا أمل من احتجاجاتكم حتى آخر  رمق للنظام، وهذا يعني تأكيده عن البقاء ودون اي تنازل يذكر رغم كل تلك الاحتجاجات واعتبره لها أنها غير شرعية . وهنا تكمن المشكله بان باب الحوار مسدود بين النظام وشعبه وان النظام لا يعترف باخطائه السياسية وغير آبه ومهتم لكل ما يقوم به المحتجين.  هنا لابد من تدخل المجتمع الدولي دون ترك الإيرانيين يقاومون النظام و حدهم. 

اعتقد ان ما يحدث في إيران اليوم قد وصل لطريق مسدود بين النظام وشعبه. بدليل اصرار كل منهما على حشد قواه ضد الآخر. اذ يتضح جليا  ان المحتجين بمختلف فئاتهم  مستمرون  في حشودهم واحتجاجاتهم وبشكل يومي. في حين يستمر النظام في التصدي للمحتجين ويحشد كل قواه ومؤسساته، فها هو يطلب من قوى الموالاة من المتقاعدين بالتجمع لرفض تلك الممارسات المعارضة للنظام. والأسوء من ذلك ما تقوم به السلطة القضائية من تهديد المتظاهرين وتوعدهم بالعقوبات واعتباره ما يقومون به عملا إجراميا، والأصل بقاء القضاء على الحياد. ولا أعتقد أن النظام سيهادن او يتنازل بل سيستمر في إستخدام القوة ضد المحتجين. وان تشديد العقوبات ضده من المجتمع الدولي ستزيده اصرارا على الصمود. وفي النهاية الخاسر هو الشعب الإيراني. أما الدول الكبري وخاصة الغربية ستبقى تندد وتهدد بالعقوبات الاقتصادية ولكن من السابق لاوانه الحديث عن دعم مادي وسياسي كبير  لقوى المعارضة وحقوق الانسان، والمحتجين الإيرانيين   بل سيبقى في حدود ضيقة لحين مقايضة النظام في  ظل الأزمات الإقليمية والدولية في المنطقة خاصة إذا علمنا انه من الممكن أن تؤيد روسيا الجمهورية الإيرانية محاولا لكسبها الي جانبها في حربها في اوكرانيا وسوريا. وبالمقابل سكوت روسيا عن مواقف ايران في العديد من الدول العربية.. وربما يبقى الرهان  كبيرا  على قوى المعارضة والقوى الشعبية والمجتمعية في حين اخذت على عاتقها الاستمرار على مواقفها حتى النهاية لتحقيق أهدافها حتى لو كلفها المزيد من الضحايا والقتلى، لكن يجب الاعتراف بأنه لا يمكن لهذه الاحتجاجات ان تنجح وتصل لمبتغاها واهدافها وامانيها دون دعم اممي او خارجي.. في ظل ردة فعل النظام الحالي المتشددة والمسلحة.. 

السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الحلول المتوقعة او السيناريوهات المحتملة للمسالة الإيرانية في حال استمرت تلك الاحتجاجات والصدامات وتفاقمت؟؟ . هل سيصمد النطام وتكون له الغلبة على حساب قمع الشعب وسكوته وخوفه؟ ام سيكون هناك تفاقم للازمة وتدخل دولي. وهل هناك مصلحة للدول العظمي بانهيار النظام الإيراني أو سقوطه سواء العالم الغربي ام الشرقي؟؟ ام ان  مصلحتهم في بقائه ؟؟ اسئلة من الصعب الإجابة عليها بسهولة. لكن يمكن القول أنه رغم كل ما نسمعه ونعلم به من صراع القوى والخلاف مع إيران، تبقى مسألة التصدي  للنظام اوسقوطه في الوقت الحالي  صعبه للغاية وغاية في الحساسية، ومن الصعب الرهان على المعارضة والمحتجين وحدهم. اذ ان امر سقوط النظام وزعزعته امر تحكمه موازين كثيرة وفي مقدمتها  المصالح الدولية والاقليمية. وما هو البديل وما هي اثار انهيار او سقوط هذا النظام على الإقليم والدول المحيطة والمجتمع الدولي...