لماذا لجأ المزارعون في الأردن للأعلاف البديلة لتغذية المواشي؟
بعد 30 عاما من العمل في زراعة أصناف متنوعة من الخضار، قرر المزارع الأردني فراس القادري 52 عاما، مغادرة الزراعات التقليدية والتوجه نحو زراعة أصناف من الأعلاف ذات استدامة طويلة، واستهلاك أقل للمياه والنفقات المالية.
وعلى مجرى نهر "سيل الزرقاء" بمحافظة جرش شمال الأردن، بدأ القادري مشروعه بزراعة نحو 50 دونما (الدونم ألف متر مربع) من نبات البونيكام العلفي، وهو -يقول القادري للجزيرة نت- "نبتة صديقة للبيئة والحيوان".
ويُجمل القادري مميزاتها بقوله إن النبتة تستهلك كميات قليلة من المياه مقارنة مع مزروعات علفية أخرى مثل الذرة العلفية والبرسيم، ولا تحتاج لأي رش بمبيدات كيميائية ومقاومة للحشرات والأمراض، وليست بحاجة لأسمدة، كما أن إنتاجها غزير، واستدامتها بالأرض طويلة تصل من 5 إلى 10 سنوات، ما دفعه لزراعتها والاستغناء عنها بالخضراوات.
معالجة أمراض الحيوانات
في المقابل، بدأ مربي الماشية يوسف التياها بتقديم أعلاف نبتة البونيكام لمواشيه ضمن خلطة علفية منذ عام، ويصف تجربته مع البونيكام بقوله للجزيرة نت إنها "مستساغة للمواشي وتقبل عليها الأغنام والأبقار، وتحسن من صحتها وتساعد في معالجة الأمراض الداخلية للمواشي خاصة مرض الديدان والفطريات"، إضافة إلى أنها تقلص فاتورة الأعلاف المرتفعة خاصة الشعير.
ووفق خبراء ومختصين، فقد بدأت تجارب زراعة نباتات البونيكام العلفية عام 2017 بمشاريع فردية من مختصين بالزراعة العلفية، وأقام المركز الوطني للبحوث الزراعية تجارب علمية على تلك النباتات، والبيئات المناسبة لزراعتها، وخلُصت تلك التجارب المستمرة على مدى 3 سنوات إلى ضرورة زراعة محصول البونيكام في المناطق الحارة، وذلك لأهميته في خفض الفاتورة العلفية كأعلاف خضراء ذات قيمة اقتصادية.
ويتميز البونيكام وفق مركز البحوث بـ"غزارة الإنتاج وارتفاع المحتوى الغذائي، وتقدر نسبة البروتين فيه من 18إلى 22% وفق ارتفاع النبات، وتحمّله للزراعات تحت ظروف مختلفة خاصة الملوحة، حيث يتحمل ملوحة مياه 4480 جزءا بالمليون، وملوحة تربة تصل إلى 6 آلاف جزء بالمليون".
أولى التجارب
الخبيرة في زراعة البونيكام والمورينغا "أروى المقابلة" بدأت مشروعها بزراعة تلك النبتة عام 2017 في منطقة الديسة جنوب الأردن بمساحة صغيرة قدرت بـ18 دونما، ثم تطور معها المشروع لتبدأ بزراعة ساحات صغيرة من قبل مربي المواشي لمعرفة مدى ظروف تأقلمها واحتياجاتها المائية.
وتُقدر الخبيرة في حديثها للجزيرة نت المساحات المزروعة بالبونيكام بأكثر من ألفي دونم، لأغراض التجارة والبيع، إضافة لتوسع الرقعة الزراعية وإقامة مشاريع لمربي الأبقار لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وخفض الفاتورة الشرائية للأعلاف، حيث تم الاستغناء عن بعض الخلطات العلفية، واستهلاك أعلاف البرسيم.
ويزرع البونيكام أكثر من 500 مزارع، وفق الخبيرة أروى، إضافة إلى إقامة مشاريع كبيرة لمصانع ألبان ومشاريع تربية وتسمين للأبقار والأغنام. ووفرت أعلاف البونيكام 50% من الفاتورة العلفية للمزارعين المنتجين، و25% لمربي الثروة الحيوانية، وفق قولها.
وفق مختصين فقد توزعت مزارع البونيكام في مختلف مناطق المملكة. ويتميز البونيكام المستورد من تنزانيا باستساغته من قبل الأبقار والأغنام وحتى الخيول والإبل، ويباع طن البونيكام الجاف بـ300 دينار (423 دولارا)، مسجلا ارتفاعا بنسبة 100% عن العام الماضي، حين كان يباع بـ150 دينارا (211 دولارا)، وذلك نظرا لزيادة الإقبال على شرائه من قبل مربي الماشية.
انخفاض تكاليف الزراعة
تتفاوت تكلفة زراعة البونيكام تبعا لطبيعة المناطق الجغرافية وطريقة الري، وفق مزارعين؛ فهنالك مَزارع تسقى بطريقة الغمر أو بالرشاشات أو بالتنقيط، ولكل طريقة تكاليفها، لكن ما يمزها أنها أوفر بكثير من زراعة أعلاف البرسيم والذرة العلفيه وغيرها من المحاصيل.
وتتميز زراعة أعلاف البونيكام بأنها ذات جدوى اقتصادية وقيمة مضافة عالية -وفق مختصين بمركز البحوث الزراعية- مقارنة مع زراعات أخرى، بالنظر إلى زيادة الإنتاجية بوحدة المساحة، إذ تعطي أكثر من 10 قطفات على مدار العام وتقص صيفا كل 25 يوما تقريبا، ويقدر إنتاج الدونم الواحد بـ20 طن علف أخضر سنويا، كما أن استخدامها يكون مباشرة أو بعد تجفيفها.
الصفصاف أشجار علفية
وفي خضم بحث المختصين الأردنيين عن بدائل علفية لسد النقص الحاصل بالمستوردات العلفية، وارتفاع أسعارها وتكاليف استيرادها من الخارج، تم تنفيذ تجارب بحثية في عدة مواقع وبيئات أردنية لزراعة وإكثار أشجار الصفصاف، لإنتاج الأعلاف والسيلاج -وهو علف أخضر تم حفظه عن طريق عملية التخمير في مادة السايلو- من تلك الأشجار.
ويصف مدير بحوث الثروة الحيوانية بالمركز الوطني سامي العوابدة نتائج تلك التجارب بأنها "تحتوي على قيمة غذائية وعلفية عالية"، خاصة مواد البروتين والألياف ومضادات الأكسدة، مما ساعد في زيادة كميات الحليب المنتجة من الأغنام.
ويتحدث للجزيرة نت عن تحسن نوعية اللحوم المنتجة من المواشي المتغذية على السيلاج، فضلا عن دور هذا النوع من الأشجار في مكافحة الديدان الداخلية في الأغنام، والحد من تطور نمو الطفيليات الداخلية لجسم الحيوان، مما ينعكس على صحة الحيوان والإنسان الذي يتغذى على تلك اللحوم.
عودة المورينغا لموطنها
وعلى أطراف نهر الأردن بمناطق الأغوار الشمالية، يعمد مزارعون لزراعة أرضهم بأشتال المورينغا أو ما يعرف بـ"شجرة المعجزات"، في مبادرة منهم لإكثار تلك الشجرة، نظرا لفوائدها الطبية والعلاجية للإنسان والحيوان، ودخولها ضمن الخلطات العلفية للمواشي.
ومنذ عام 2015 بدأ المركز الوطني ومؤسسات زراعية بالقطاع الخاص بتشتيل وإكثار زراعة أشجار المورينغا الأردنية، ونشر بذورها في موطنها الأصلي بالتعاون مع المجتمعات المحلية في المناطق الغورية الحارة، للاستفادة منها من الناحية العلفية والغذائية.
ووفق الخبيرة "المقابلة" فإن أشجار المورينغا موجودة بالمملكة منذ آلاف السنين في مناطق غور الأردن والعقبة، بينما بدأت أعدادها تتقلص نظرا للرعي الجائر.
وقالت إن هذا النوع من الأشجار يتميز بكونه مستساغا من قبل الحيوانات، مضيفة أنه قد تم إدخالها ضمن الخلطات العلفية في مشاريع تربية حيوانية.
وتسهم المورينغا والبونيكام والصفصاف وغيرها بتوفير خلطات علفية مركزة، وأدوية بيطرية ومعالجات طبيعية للمواشي، فضلا عن منع حدوث التلبك المعوي للحيوانات، ومساهمتها في علاج الوهن والتسمم الغذائي الذي قد يحدث للمواشي من تناولها للخلطات المصنعة.
المصدر : الجزيرة