البطل الاردني عبدالعزيز العدوان وصورة الاشعة التي يظهر فيها كنز حرب حزيران



* الجندي العدوان : المحارب الأسير لدى العدو الصهيوني من جيشنا العربي
* العدوان : قاتلنا ببسالة في معركة اليامون وأحلم بزيارة أضرحة رفاقي الشهداء
* الدبابات الصهيونية كانت ترفع الأعلام العراقية لخداع الجنود الأردنيين والسكان
* السكان العرب هرعوا مرحبين بالدبابات فأطلق جنود العدو النيران ردا على تحيتهم
* قصفنا مطار" مجدو" فأشعلنا النار به وتوقف إقلاع وهبوط الطائرات الحربية للعدو
* رتل دبابات هاجمنا من الخلف وجنود صهاينة أطلقوا علينا رصاصات "تخليص الأرواح"
* الرصاصات والشظايا احتفظ بها في جسمي وزوجة من أنقذني أشرفت على علاجي 20 يوما.
* يوم الكرامة قصفت طائرات العدو سيارتي في منطقتي السرو وبطنا وبنات عباد وضعن عليها اللحاف للتمويه.


كتب عبد الله اليماني- 

زرت واحداً من أبطال الجيش العربي الأردني, ممن روت دماؤهم الطاهرة ارض فلسطين في حرب عام 67 في بلدة " اليامون " حيث كان جنديا من جنود سلاح المدفعية الملكي. عبد العزيز العدوان الذي ما زال يحمل ذكرى تلك الأيام, لا بل لم ينس لحظة من لحظاتها, وربما ينسى ما مر به اليوم, أو مر معه قبل أسبوع, ولكنه لم ينس ما جرى معهم في اليامون عام .1967 ولم ينس ما فعله العدو الصهيوني الذي قصفهم بالأسلحة المحرمة والأشد فتكا بالإنسان.

أتعرفون لماذا لم ينس؟ لان شيئا ما يذكره فيها، إنها رصاصات وشظايا تأقلم عليها جسده النحيل. رصاصات أطلقها عليه جندي صهيوني حاقد على العرب والمسلمين عامة,وعلى أبناء فلسطين خاصة. والشظايا أصبحت قطعة من جسده أنكست باللحم والدم.

الجندي البطل العدوان روى لي كيف شارك في قصف العدو الصهيوني, عندما تم اختيار مدفعين من مدافع سرية المدفعية التي كانت تتمركز في الزبابده, اقرب نقطة على الحد الفاصل بين الضفة الغربية وارض فلسطين المحتلة عام 48 وهي منطقة اليامون .

يقول العدوان, في اليوم الخامس من حزيران عام 1967 كنت احد رجال سلاح المدفعية الملكي. نحن "رجال الاولة" الذين أطلقوا نيران مدافعهم على مطار "مجدو" الذي كان يبعد عنا حوالي 18 كيلومترا. وقد أطلقنا على هذا المطار " 8 " طلقات من عيار 155ملم. وكذلك المدفع الآخر. ومطار" مجدو" عسكري كانت تقلع منه الطائرات الحربية الصهيونية التي تقصف الدول العربية ومنها الأردن. واستطعنا إيقاف الطائرات المقاتلة من الإقلاع والهبوط في هذا المطار وإشعال النيران فيه.

وأضاف يسرد ما جرى معهم في تلك الساعات من المعركة قائلا وبينما كنا نقوم بقصف المطار قام العدو بالرد علينا بقصفنا بالمدفعية بطلقات المنثار, وهي اشد وأقوى أنواع الأسلحة في سلاح المدفعية. وهي تنفجر في الجو وتنزل كأنها زخات مطر.

وبعد هذا القصف المدفعي قام العدو الصهيوني, بعملية التفافية, حيث تقدمت على موقعنا المتقدم قوات من العدو حيث نحن الأقرب إليه حيث وضعنا المدافع على الحدود, لكي نتمكن من قصف مطار" مجدو ". وبينما كنا منشغلين في قصف العدو, كان يرد علينا بقصفنا بقذائف مدفعية منثارية, لكنها لم تؤثر علينا. رغم إصابة عدد منا بجروح .

وكانت المفاجأة لنا هي دخول رتل دبابات إسرائيلية من الخلف, وبدأت بقصف موقعنا بشكل مكثف. وترجل جنود العدو, وقاموا بإطلاق نيران أسلحتهم الرشاشة على الجرحى, وأصبت بثلاث طلقات نارية تحت ما يسمى بالعرف العسكري "تخليص أرواح".

واستشهد الرقيب يحيى حسن إبراهيم المعايطة من ادر - الكرك, الجندي أمين سلامة المومني صخرة, محمود شكري مرشد من قصرا - نابلس, الجندي سالم سليمان بطارسة سوف - جرش, سمير مصطفى القضاة عبين- عجلون,الجندي الأول علي عقيل سليمان من عيمة - الطفيلة, والجندي احمد نجيب الحموري من بيت رأس- اربد. وجميعهم زملائي كانوا يعملون على المدفع الأول .

ويضيف أن أول الشهداء كان محمود شكري رشيد من قصرا- نابلس وعلي عقيل سليمان من عيمة - الطفيلة. وقد استشهدوا بينما جرحت وأصبت بإصابات بليغة, وتم احتلال الموقع يوم الاثنين 5-6 - 1967 .

ويؤكد العدوان انه بعد انسحاب الدبابات من الموقع أبقى العدو جنوده إلى صباح يوم الأربعاء 7-6 - 1967فقد غادروا الموقع دون رجعة. بعد أن تأكدوا بأن جميع الجنود العاملين على المدفع تم قتلهم, وان مدفعنا أصبح لا يشكل أية خطورة,على مطار "مجدو" لنجاح العدو بتعطيل قصفنا .

ويشير العدوان : بقيت طوال احتلال الموقع من قبل العدو انزف دما إلى يوم الأربعاء. الذي غادر فيه جند العدو الموقع . وما أن غادر العدو الموقع حتى هرع سكان البلدة إلينا وقاموا بتفقد الجنود وبدؤوا بجمع الشهداء. وبينما هم منشغلون بنقل الشهداء صاح احدهم بأنني حي واحضروا ممرض البلدة خليل النعنيشي الذي اخبرهم أني ما زلت على قيد الحياة. فقاموا بنقلي إلى احد منازل القرية وهو منزل محمد يوسف السلام وزوجته أشرفت على علاجي 20 يوما ، أما الشهداء فقد جرى وضعهم في إحدى مغر اليامون . ونقلت محمولا على أكتاف شباب القرية إلى مكان تواجد جثث الشهداء وطلب مني التعرف على كل شهيد لكي يكتبوا أسماءهم على قبر كل منهم".

وأضاف العدوان "وشيع الأهالي الشهداء في جنازة مهيبة شارك فيها كل أبناء القرية وكان على رأسهم وجيه القرية آنذاك الشيخ عارف, ودفنوا بمقبرة خاصة للشهداء في البلدة.

أما أنا فقد تم نقلي إلى مستشفى جنين الحكومي إذ تم علاجي دون أن يجروا لي أية عملية جراحية إذ لا زالت الرصاصات والشظايا في جسمي . أما زملائي الذين كانون يعملون على المدفع الثاني فاذكر منهم مفلح خالد من حواره اربد . فقد اشتبكوا مع جنود العدو بالسلاح الأبيض أثناء احتلال موقع المدفع . وانسحبوا إلى البلدة ومن هناك رافقهم ابن الشيخ عارف إلى منطقة نهر الأردن".

ويكشف العدوان أن" مدير المستشفى في جنين قام بإبلاغ الحاكم العسكري الصهيوني والسبب أنني كنت الجريح الوحيد الذي لا يزوره احد فقد لفت ذلك انتباه مدير المستشفى مما دفعه إلى إبلاغ الحاكم العسكري الصهيوني في منطقة جنين بان الجندي ( عبد العزيز العدوان ) الجريح الراقد في المستشفى لا يزوره احد كونه عسكري ومن أبناء الضفة الشرقية".

ويضيف "أرسل الحاكم العسكري سيارة عسكرية نقلتني إلى مركز جنين العسكري حيث "مقر الحاكم العسكري". وقابلت الحاكم العسكري وسألني عن اسمي . فقلت : أن اسمي محمد علي عبد الرحمن, طالب بمدرسة صويلح الثانوية .

وحاول أن يحصل مني على معلومات عسكرية عن الجيش العربي فقلت له. لا اعرف شيئا عن الجيش, فأكدت له أنني طالب مدرسة. ولم أدل بأية معلومات عن الجيش الأردني . ومكثت في الأسر أسبوعا. بعد ذلك ابلغ الحاكم العسكري مدير المستشفى بأنه ليس له نحوي أية سلطة كوني مدنيا. وتولى مشكلتي رئيس بلدية جنين محمد نجيب الذي سفرني إلى شرق الأردن في يوم 23 -7- 1967 م . على نفقته الخاصة إلى جانب انه منحني مصروف جيب لكي أصل إلى أهلي .

ويكشف العدوان النقاب بأن "الدبابات الصهيونية التي اقتحمت الموقع في اليامون كانت ترفع الأعلام العراقية لخداع الجنود الأردنيين والمواطنين الفلسطينيين في المنطقة وعندما شاهد سكان القرية الدبابات هرعوا نحوها يصفقون لها ويرحبون بها. وقام جنود العدو بالرد على تحيتهم بإطلاق النيران عليهم وأجبروهم على دخول منازلهم"

ويعود للحديث عن تلك الساعات التي سبقت المعركة قائلا : طلب منا التقدم إلى اقرب نقطة حدودية مع العدو الصهيوني من اجل ضرب العمق الصهيوني فجرى اختيار مدفعين من مدافعنا للتقدم أماما "انتحاريين ". لقصف مطار "مجدو" ومن تم نعود إلى موقعنا في منطقة "الزبابدة " حيث تتواجد قيادة السرية التي كان يقودها آنذاك "الرئيس سابقا " النقيب حاليا سالم محمد المبيضين. وتقدمنا لغاية الحد الفاصل بيننا وبين العدو الصهيوني, ولم يكن يساندنا أي جندي مشاة أردني لحمايتنا, من تقدم آليات وجنود العدو الصهيوني نحونا. وعندما باغتنا الجنود الصهاينة ورشقونا من الخلف بأسلحتهم كنا نقصف مجدو .

ويضيف العدوان كان ضابط الموقع للمدفعية الملازم عبد الله الذي انقلبت به سيارة لاندروفر من شدة قصف مدفعية العدو الصهيوني فاستشهد على الفور واسر السائق عبد الرحيم خليفة الخلاليه.

وأود الإشارة هنا أن جميع العاملين على المدفع استشهدوا بينما أصبت بجروح خطيرة.أما زملاؤنا في المدفع الثاني فقد انسحبوا أثناء تقدم دبابات العدو ولجئوا إلى البلدة ولم يتم اسر أي منهم.

ويضيف" لقد سمعت الجنود الصهاينة وهم يطلقون النيران علينا يصرخون " كل عربي ميت ". ولم يرفع سكان البلدة أو نحن " الرايات البيضاء رايات الذل والاستسلام ". رغم ان العدو كان يطلب من الجنود والسكان رفع الرايات البيضاء".

وقال "رغم مرور سنوات حرب" الأيام الستة" أو "حزيران " إلا أنني لا زلت اذكر جيدا صور زملائي بعد مرور هذه السنوات الطوال, فاني اعرف قبر كل شهيد. وإني أحن وبأشد الشوق لزيارة قبورهم وقراءة الفاتحة ثواباً لأرواحهم, وتقديم واجب الشكر لجميع سكان بلدة اليامون على ما قدموه للشهداء ولي شخصيا. وأتمنى أن يلبي طلبي جلالة الملك عبد الله الثاني وأريد من خلال زيارتي إلى اليامون استرجاع تلك الأيام التي قضيتها هناك وكيف أشعلت مدافعنا النار في مطار " مجدو " الذي كانت تقلع منه الطائرات الحربية وتقصف الجيش الأردني الذي كان يدك بلدات العدو وقواته بالنيران".

ويشير العدوان أن الجيش الصهيوني قد غضب من إطلاق قذاف مدافعنا على مطار " مجدو". فقد أشعلت قذائفنا النيران بالمطار وتوقفت الطلعات الكثيفة للطائرات الحربية الصهيونية. وبعد إصابتي البليغة لم اعد اعرف شيئا عن مطار مجدو.

ويقول العدوان "جندت في الجيش العربي عام 1964 في سلاح المدفعية وكان عمري آنذاك 18 عاما. وخدمتي كانت في الضفة الغربية منطقة الزبابدة, وكان زميلي الجندي محمود شكري رشيد القصراوي عمره 19 عاما هو اصغر شهيد".

ويضيف العدوان" كنت ضمن المفقودين "لا شهيد ولا جريح " وإنما مفقود. وحال عودتي أخبرت القوات المسلحة عن زملائي الشهداء ومنذ عودتي من اليامون لم أتواصل مع أهل الشهداء,لهذا فاني أتمنى على القيادة العامة للقوات المسلحة جمع أهل الشهداء وإرسالهم إلى اليامون لرؤية المقبرة التي يدفن فيها الشهداء وقراءة الفاتحة عليهم".

ويشير العدوان انه يوم خروجه من الجسر إلى الأردن لم يكن جنود العدو المتمركزين على الجسر الفاصل بين الضفة الغربية والشرقية, لم يمنعون أي راغب بالخروج. علما أن لدي تصريح سفر من رئيس بلدية جنين بعدم الممانعة. فضلا أن كل وثائقي ما زلت احتفظ بها, لكن هناك الأهم جثامين زملائي الشهداء المدفونين في مدخل اليامون, ممن كتب الله عزوجل لهم الشهادة على ارض فلسطين.

وأظهر لنا العدوان في سياق سرده لذكرياته الشاهد على أنه شارك في تلك المعركة وهي صورة الأشعة التي تظهر أن أجزاء من جسمه تحتضن الطلقات التي أطلقها عليه الجندي الصهيوني تحت مبدأ تخليص الأرواح للجرحى الذين يتواجدون في ميدان المعركة.

وتظهر صورة الأشعة التي اطلعنا عليها, إصابته بثلاث رصاصات وسبع شظايا. ترافقه في حله وترحاله وتمنعه من حمل كيلو خبز لأسرته جراء استقرار الرصاصات الثلاث في الرأس والظهر و"العمود الفقاري ". وقال له الأطباء : أنه إذا أزيلت الرصاصة التي في العمود الفقاري فإنها تؤدي إلى إصابته بالشلل, والإصابات الأخرى رسمت في أنحاء جسمه خارطة ربما للمكان الذي قاتل فيه أو للموقع أو للخندق الذي مكث به أياما وهو ينزف دماء روت ارض اليامون, من إصابته برصاصات الجندي الصهيوني الذي بدلا من أن يقوم بإسعافه أقدم بإطلاق النار عليه. كما كان يعاني من ضيق التنفس.

زرت العدوان في منزله المتواضع وللذكرى مازال يحتفظ بكتاب عن سلاح الدروع وليس عن سلاح المدفعية منشورة فيه صور زملائه الشهداء الذين استشهدوا في اليامون يتصفح صورهم كلما حنت على باله تلك الأيام, وما أكثر الحنين الذي لا يفارقه أبدا,لا بل انه يتمنى على القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية بشرف المقابلة لكي يشرح له عن بطولاتهم.

وبحسرة وألم يقول العدوان "بعد أن تقاعدت لم يوجه لي دعوة ما لحضور احتفالات سلاح المدفعية أو حرب الكرامة, التي شاركت فيها وتعرضت إلى قصف طائرات العدو في منطقة" السرو" ومنطقة "بطنا" ب "مغاريب" السلط, حيث قمن شقائق الرجال "بنات عباد " بوضع اللحاف وقطع القماش على السيارة التي كنت أقودها " للتمويه ". لحين انتهاء غارة الطائرات الصهيونية على المنطقة, وكانت محملة بالذخيرة إلى المدفعية السادسة.وتمكنت من إيصالها وساهمت القذائف التي نقلتها بتدمير آليات العدو وأجبرته على جر أذيال الخيبة والهزيمة والنصر المؤزر لأردننا الغالي في معركة الكرامة".

ومن حديث العدوان خرجنا بنتيجة انه متعدد الإصابات, مصاب من قبل العدو, ومصاب من رفاق الدرب بالإهمال والنسيان وحق السؤال عنه. فضلا أن لديه سؤالا مشروعا (ألا يحق له الحصول على إعفاء جمركي لسيارة تعينه على ما تبقى له من العمر?) وهو بالمناسبة يشيد بالرعاية التي يتلقاها المصابون العسكريون من قبل الأمير مرعد بن رعد رئيس الهيئة الهاشمية للمصابين العسكريين.

ويقول العدوان إلا يستطيع زملائي العاملون وأصحاب القرار في القوات المسلحة أن يذكروا دورنا بفلسطين, وبالذات حرب عام .1967 كما لا يستطيع أي منصف شريف إنكار دورنا بفلسطين.

ويضيف لقد اختلط الدم الأردني بالدم الفلسطيني دفاعا عن أرض فلسطين, التي تحتضن المقدسات الإسلامية والمسيحية, وتشهد القدس الشريف على ذلك. ومعارك عام 48 ، وما بعدها حتى عام 67 شارك جيشنا بأكثر من 44 معركة واشتباك مع جنود العدو الصهيوني.

العدوان الذي مازال لديه أمل بزيارة "موقع المدفعين "ومقبرة الشهداء والسلام عليهم والأرض التي تحتضنهم وارتوت بدمائهم الطاهرة الزكية أينما يذهب يحدثك عن تلك التفاصيل واللحظات التي مرت معه.. كأنها الآن تمر,رغم أن عمره شارف على الـ 66 عاما. ومن باب رد الجميل ذكر لي ( العدوان ) انه زوج ابنته إلى ابن السيد محمد يوسف السلام الذي استضافه في منزلة مدة 20 يوما .