البنية التحتية في الاردن وازمتنا الاقتصادية




معلوم أن السياسات المالية والنقدية هما بيئة الاقتصاد؛ صلاحهما صلاح للاقتصاد والعبث بهما مدخل خطير يحول دون تعافي الاقتصاد.

وللتوضيح أقول إن البنية التحتية لأي دولة يمكن نعتها بالبيئة السليمة عندما تكون موازنة التعليم والصحة والنقل وما يشتق عنها من مخرجات أو مدخلات، هي الأكثر تخصيصاً، فمخرجات التعليم تعني تعليما قويا يساهم في تحقيق تقدّم هام في قطاعات الاقتصاد المختلفة انعكاساً لمساهمة وابداع في الادارة العامة، وتجليات ذلك أن يكون الانفاق الجاري والرأسمالي على التعليم مدخلاً لرفعة التعليم العام، ليصبح هو التعليم الجاذب للمجتمع، وخلاف ذلك، فإن التعليم الخاص سيكون هو الأكثر جاذبية، وتصبح مكانته في قطاع التعليم الأكثر تأثيراً أو عوائد استثماراته هي الأكثر جدوى، عندها يصبح الحديث عن البنية التحتية من هذه الزاوية حديثاً عبثياً. 

أما الصحة باشتقاقاتها المتعددة وخدماتها المختلفة وبيئتها المستجيبة لحاجات المجتمع المختلفة والقادرة على توفير الكادر، الدواء، التمريض، المنشأة بكل متطلباتها الجاذبة لكل فئات المجتمع المصدرة للكفاءات، والمتشابكة مع التعليم والمتفاعلة معه والمعتمدة على قطاع النقل بشبكته ومتطلباته المختلفة من طاقة ومشتقاتها وبيئتها وحصتهما من النفقات الجارية او الرأسمالية بالاضافة الى قدرة الدولة في جعل النقل العام هو سيد النقل ابتداءً من شبكة الطرق، سكك الحديد او النقل الجوي الذي يجعل من النقل الخاص او امتلاك المركبات الخصوصية والعامة (ركاب، شحن) في حدودها الدنيا مما يخفف من استيراد المركبات ووسائل النقل المختلفة وفي نفس الوقت يخفض من فاتورة استيراد النفط او المشتقات النفطية، مما يحد من الطلب على العملة الصعبة التي تحتاجها عمليات الاستيراد الذي يعكس نفسه بشكل جلي على مؤشر التجارة الخارجية الذي كان سالباً دائماً خلال العقود الماضية من عمر الدولة الاردنية.

هذا البناء الهيكلي للنفقات الجارية والرأسمالية يستمد تمويله من الضرائب والمديونية، فالضرائب التي تحتل فيها ضريبة الدخل الحصة الاكبر، لرسالتها الهامة في توجيه الاستثمارات نحو ما يحتاجه الوطن منها، تقليص الفجوة في الدخول بين المنشآت والافراد واعادة توزيع الثروة بما يتناسب مع حاجة الغالبية العظمى من المواطنين لخدمات الدولة من التعليم، الصحة والنقل بالاضافة الى السيطرة على قانون العرض والطلب بما يتعلق بتملك العقار او تأجير المساكن على وجه الخصوص وايجارات المنشآت على مختلف تصنيفاتها على وجه العموم سيساعد كثيراً في توفير النقد للخزينة من جهة وسيخفض من تكاليف الحياة المعيشية الاساسية المرتبطة في التعليم، الصحة، النقل والسكن من جهة اخرى، وحتى يصبح لدينا بيئة مناسبة لذلك فقد تضطر الحكومات الى المديونية للانفاق الرأسمالي على المنشآت والادوات والاصول المعمرة بشكل عام والتي تعود على الخزينة بايرادات لا تضطرها بالذهاب الى الضرائب الا في اضيق الحدود. 

ان عوائد البنية التحتية المباشرة المتمثلة بالعوائد النقدية او غير المباشرة المتمثلة بما سيتوفر لدى القوى المستهلكة سيساهم في خلق مدخرات لدى المواطنين وسيرتفع الطلب على السلع والخدمات، جراء توفر السيولة لدى الغالبية العظمى من الناس وبالنتيجة فإن المُنتِج ومقدم الخدمة لتلبية طلبات هؤلاء سينتج بطاقته القصوى مما يعني تشغيل اكثر للعمالة وهذا سيؤثر على معدلات البطالة وبالنتيجة الفقر الناتج عن البطالة.

ان هذه العملية التي قد لا تكون ميكانيكية بهذا الشكل، بعيداً عن المؤشرات الخارجية التي قد تحول دون التطور الطبيعي لحركة الاقتصاد، تتطلب فريقاً سياسياً، اقتصادياً مؤمناً ان الثروة البشرية هي الاهم في كل العملية هذه فإذا كانت عناصر الانتاج من ارض، مال وعمالة لا يمكن استثمارها استثماراً صحيحاً الا بالتنظيم و/أو الادارة الناجحة، فإننا هنا ونحن نتحدث عن وطن فإن الحكومة الناتجة على ممارسة سياسية صحية يشارك فيها المواطنين في صناعة مستقبلهم من خلال العمل المنظم الذي ينتج حزباً، برلماناً، حكومة، هو سبيلنا لتحقيق اقتصاد معافى تسوده العدالة الاجتماعية التي تعتبر انعكاساً لكل ما تقدم.