ازمة دراماتيكية في بريطانيا عجلت بوصول سوناك لرئاسة الحكومة؟
ازمة دراماتيكية في بريطانيا عجلت بوصول سوناك لرئاسة الحكومة؟ ..
سوناك سيواجه ازمة خطرة "تحديا اقتصاديا عميقا".. و "تضخم تجاوز 10 %"..
فاز ريشى سوناك، وزير المالية البريطاني الأسبق بزعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء بريطانيا، بعد 5 أيام من استقالة رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، وذلك بعد 3 أشهر من الفوضى السياسية، بدأت باستقالة بوريس جونسون فى يوليو /تموز 2022 إثر سلسلة من الفضائح ثم إجراء انتخابات داخل حزب المحافظين خسر فيها سوناك فى آخر مرحلة أمام تراس، وانتهت باستقالة الأخيرة بعد 44 يوما فقط فى المنصب، وذلك بعدما أعلنت المنافسة بينى موردنت الانسحاب امام ريشى سوناك... فقد حصل سوناك على تأييد أكثر من 190 من أعضاء حزب المحافظين الحاكم في مجلس العموم للترشح لانتخابات الزعامة، أي بزيادة 90 عضوا على الأقل عن الحد الأدني المطلوب لخوض السباق...
يتولى الزعيم الجديد لحزب المحافظين البريطاني ريشي سوناك اليوم الثلاثاء 25 /10/ 2022 رسميا رئاسة الوزراء، بعد يوم من فوزه بزعامة الحزب عقب استقالة ليز تراس منها، ويعد سوناك أول رئيس وزراء بريطاني هندوسى وأغنى ساكنى داونينج ستريت على الإطلاق...
ومن المتوقع أن يلتقي سوناك، وهو أول رئيس وزراء لبريطانيا من الملونين، الملك تشارلز الثالث ليعينه رسميا رئيسا للوزراء، ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة تراس التي لم تعمر سوى 44 يوما، وسقطت عقب خسارتها ثقة الحزب الحاكم...
سوناك (42 عاما) - وهو أصغر زعيم للبلاد في العصر الحديث، وثالث رئيس للوزراء في أقل من شهرين – تعهد ببذل قصارى جهده لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ووعد في كلمة أمس الاثنين في مقر البرلمان عقب إعلان فوزه، بتمثيل كل أجنحة حزب المحافظين في حكومته، وبجعل وحدة الحزب أولوية له، كما تعهد بالسعي لتحقيق استقرار اقتصادي ، وللتذكير تشهد بريطانيا أزمة مستمرة منذ أن صوتت عام 2016 على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بتحريض امريكي خبيث لخلخلة الاتحاد الاوروبي)، مما أطلق العنان لمعركة بين السياسيين حول مستقبل البلاد، لا تزال دون حل حتى اليوم...
الخطوات الدراماتيكية في بريطانيا تعبير عن أزمة دراماتيكية، ومن المفارقات في القارة الاوروبية وصول اليمين إلى الحكم في إيطاليا، وبريطانيا تختار الخبير المالي الهندي الهندوسي ريشي سوناك لرئاسة الحكومة، بعد فشل ذريع لرئيسة الحكومة المستقيلة ليز تراس التي خلفت زعيم حزب المحافظين بوريس جونسون الخارج من الحكم بفضائح، فيما تواجه حكومة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون مخاطر حجب الثقة في البرلمان، وكلها تداعيات أزمة واحدة هي الرعونة الأوروبية في التعامل مع روسيا ونسيان قوانين الطبيعة واستبداد الجغرافيا، وما يقولانه من أن أوروبا بلا مورد الغاز الروسي سوف تختنق، وهي تختنق بغرورها ومكابرتها وإنكارها...
لم يعد بين شخصيات الحزب البيضاء من يمكن أن يوحي بالثقة للأسواق التي فجرت الأزمة معها ولاية تراس القصيرة بخطوات رعناء، وجاءت كلمات سوناك الأولى تعبر عن إدراكه لمهمته التقنية في شراء الوقت وتخفيض التوتر، أملاً بأن تتاح الفرصة لتمكين الحزب من انتخاب رئيس جديد من صفوف نخبه البيضاء قبل موعد الانتخابات بعد سنتين...
الملفت للانتباه التفاعل الامريكي والاوروبي على بروز اسم سوناك للواجهة السياسية في بريطانيا ، فقد وصف الرئيس الأميركي جو بايدن اختيار سوناك لتولي منصب رئاسة الحكومة بأنه "أمر مذهل للغاية وإنجاز رائد"، ووعد - وفق البيت الأبيض - بأن يتصل بايدن بسوناك في المستقبل القريب لتهنئته ، ويتطلع إلى استمرار التعاون الوثيق مع المملكة المتحدة"، وفي ذات السياق قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في تغريدة على حسابه في تويتر إن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يحتاجان للعمل معا من أجل مواجهة التحديات المشتركة، مضيفا أن جلب الاستقرار هو مفتاح لتجاوز تلك التحديات، وكان قادة دول الاتحاد الأوروبي قالوا عقب استقالة ليز تراس إن التكتل يريد أن تكون بريطانيا "جارة مستقرة ويمكن التنبؤ بتصرفاتها". وغير بعيد عن ذلك فقد هنأ رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي (مواطنة الهندي الاصل) رئيس الحكومة البريطانية الجديد بتولي المنصب، قائلا إنه يتطلع للعمل عن قرب معه بشأن القضايا العالمية، ومن أجل تنفيذ خطة مقررة لتطوير العلاقات بين الهند وبريطانيا...
خلاصة القول...
اختيار سوناك رغم صعوبته على العقلية العنصرية البيضاء بقي أهون من التراجع عن العنصرية في النظر لكل تراجع أمام روسيا، رغم أن تمرير سوناك كلّف حزب المحافظين تهريب التسمية بالاستناد الى حصرية الترشيح بعد سحب المنافسين، تفادياً للذهاب الى انتخاب حزبي سيجلب أبيض آخر...
منذ استقالة بوريس جونسون وتسلم ليز تراس مهامها في 10 داونينج ستريت (مقر الحكومة البريطانية) لمدة 44 يوما وهى الاقصر بين عمر الحكومات البريطانية تنبئ بان حزب المحافظين يواجه "أزمة وجودية"، حيث ان تواجه بريطانيا "تحديا اقتصاديا عميقا". وهو ما يتطلب جهدا خارقا من سوناك لتهيئة الاستقرار والوحدة في البلاد وبخلاف ذلك سوف يتدحرج الوضع الى كارثة غير مسبوقة قد تقود الى الافلاس البريطاني...
لم يعد بين شخصيات الحزب البيضاء من يمكن أن يوحي بالثقة للأسواق التي فجرت الأزمة معها ولاية تراس القصيرة بخطوات رعناء، وجاءت كلمات سوناك الأولى تعبر عن إدراكه لمهمته التقنية في شراء الوقت وتخفيض التوتر، أملاً بأن تتاح الفرصة لتمكين الحزب من انتخاب رئيس جديد من صفوف نخبه البيضاء قبل موعد الانتخابات بعد سنتين...
يتولى سوناك قيادة بريطانيا وهي في أسوأ ظروفها الاقتصادية، فمستويات التضخم هي الأعلى منذ 40 سنة، عوضا عن الركود الاقتصادي الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تفاقم فقر الملايين ، ويقع على عاتق سوناك - وزير المالية السابق الذي سيكون ثالث رئيس وزراء لبريطانيا في أقل من شهرين - مسؤولية إعادة الاستقرار إلى بلد يعاني منذ سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية...
سيحكم رئيس الوزراء المقبل دولة غارقة في أزمة خطرة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تجاوز التضخم 10 بالمئة. وسيتعين عليه تهدئة الأسواق المضطربة منذ إعلان موازنة حكومة تراس نهاية أيلول/سبتمبر. وينبغي عليه أيضا محاولة توحيد حزب منقسم منذ سنوات، قبل عامين فقط من الانتخابات التشريعية..
باعتقادي ان سوناك سوف يلجأ الى اطلاق تدابير لخفض كبير في الإنفاق الحكومي، في محاولة لإعادة بناء سمعة بريطانيا المالية، في الوقت الذي تنزلق فيه البلاد إلى حالة من الركود بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة والمواد الغذائية...
* الكاتب باحث ومخطط استراتيجي
aSrajoub21@yahoo.com