تفاصيل الليلة القاسية في عرين الأسود.. هكذا ودعت نابلس أقمارها الخمسة

ليلة دامية وقاسية عاشتها مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء ودّعت فيها كوكبة من شبابها ومقاتليها في معركة حامية مع ترسانة حربية إسرائيلية كبيرة.

اشتباكات عنيفة استمرت 3 ساعات متواصلة، خلفت خمسة شهداء أبرزهم القائد بمجموعات "عرين الأسود" وديع الحوح (31 عاما)، بالإضافة إلى 20 جريحًا بعضهم بحالة الخطر.

ولم تكد تمر دقائق قليلة بعد انتصاف الليل، حتى بدأت أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص تسمع من داخل البلدة القديمة، في مشهد متكرر اعتاد عليه أهالي المدينة في الأشهر الأخيرة، وسط غموض حول طبيعة الحدث هذه المرة.

وما هي إلا لحظات حتى بدأت أرتال من دوريات الاحتلال تزحف من عدة اتجاهات نحو أطراف البلدة القديمة وتسد مداخلها الغربية، لتتضح الصورة أكثر وتتكشف عن عملية عسكرية كبيرة ومخطط لها تستهدف "عرين الأسود" في قلب البلدة القديمة.

وتشير مصادر متعددة وروايات شهود العيان إلى أن قوات خاصة اقتحمت المدينة مستخدمة شاحنات تجارية، ثم تسلل أفرادها إلى داخل البلدة القديمة عبر حارة الغرب.

واكتشفت القوة من قبل شابين تصادف وجودهما بحارة الغرب هما حمدي شرف وعلي عنتر، وعلى الفور قام أفراد القوة بإطلاق النار عليهما وإصابتهما ليرتقيا شهيدين.

شهود عيان أكدوا لـ "صفا" أن أعيرة ثقيلة يعتقد أن مصدرها طائرة مسيرة أو قوة إسرائيلية متمركزة على جبل عيبال، استهدفت قوات الأمن الفلسطيني المتواجدة في دوار الشهداء وأصابت أربعة منهم، فيما بدا أنه للتغطية على دخول القوة الخاصة.

وانتشر قناصة الاحتلال في عدد من المنازل والمباني المطلة على البلدة القديمة، فيما كانت طائرات مسيرة تجوب السماء.

وعلى الأرض، كان حوش العطعوط بحارة الياسمينة ساحة حرب حقيقية استخدم فيها الاحتلال القذائف والصواريخ المضادة للدروع والذخيرة الحية وقنابل الغاز السام.

وحاصرت قوات الاحتلال منزل القيادي الحوح في حوش العطعوط، واستهدفته بالصواريخ والرصاص، وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من المنزل.

ومع اشتداد الاشتباكات، خرج الناس إلى الشوارع واعتلوا أسطحة المنازل مطلقين هتافات التكبير، وأغلقوا الشوارع بالإطارات المشتعلة.

وفي تلك الأثناء، وقع انفجار بمركبة كانت تسير في شارع رأس العين القريب من البلدة القديمة، كان يقودها الشاب حمدي القيّم الذي تم إخراجه منها جثة متفحمة.

وتؤكد مصادر محلية أن مجموعة من مقاتلي "عرين الأسود" كانت تتواجد في المنزل المستهدف، وعمل القائد الحوح على تأمين انسحابهم.

وفور انسحاب قوات الاحتلال، تمكنت طواقم الإسعاف من الوصول للمكان وإخلاء خمسة جرحى، بينهم الحوح الذي وصفت إصابته بالحرجة.

ونقل الحوح إلى المستشفى العربي التخصصي الذي احتشد أمامه وداخله آلاف المواطنين، قبل أن يعلن عن استشهاده متأثرا بجراحه.

ولم تصدق الحشود الغاضبة نبأ استشهاد الحوح، وضغطوا على الطواقم الطبية لإعادة محاولة إنعاشه مجددا.

ولم تكد عتمة الليل تنجلي حتى أعلن عن ارتقاء الشاب مشعل بغدادي شهيدًا خامسا متأثرا بإصابته في الاشتباكات.

في منزل الشهيد الحوح، طال الدمار كل جدران المنزل ومحتوياته، وكان المشهد كافيا لشرح شدة المعركة.

أبو وليد الهموز، أحد سكان حوش العطعوط قال إنه وأفراد عائلته أفاقوا مذعورين على صوت الانفجارات، وتبين لهم أن طائرات "درون" تحلق بجوار النافذة وتطلق القذائف باتجاه نوافذ منزل الحوح بالجهة المقابلة.

وأضاف "توجهنا إلى الطابق الأرضي للاحتماء، وبقينا في منتصف الدرج بين الطابقين حتى انتهاء الاشتباكات".

ويؤكد الهموز الذي عاصر اجتياحات الاحتلال للبلدة القديمة، أن اللحظات العصيبة التي عاشها وأسرته هذه الليلة كانت الأصعب في حياته.صفا