كيف تعمل "الاحتلال إسرائيلي" لمحاولة "إثبات علاقات تاريخية" لليهود بأرض الضفة؟
كشف المختص بالشأن الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني المحتل إنطوان شلحت عن ممارسات إسرائيلية خفية، تهدف لاحتلال آثار الضفة الغربية المحتلة، لمحاولة صنع تاريخ لليهود في أرضها.
وقال شلحت في مقال له: "إنه قبل نحو شهرين، أعاد بعض أصحاب الأراضي في خربة تبنة، القريبة من قرية دير نظام شمالي رام الله، إلى الأذهان دور الأركيولوجيا الإسرائيلية في سرقة الأرض الفلسطينية".
وأضاف أن ذلك جاء من خلال كشف النقاب عن قيام بعثة خاصة من جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، بأعمال حفرياتٍ في الخربة المذكورة، وإعلانها العثور على "قرية يهودية عمرها أربعة آلاف عام"، ما حدا صحيفة "هآرتس" إلى إنشاء مقال افتتاحي تحت عنوان "يحتلون ويحفرون".
وأشارت الصحيفة في المقال من ضمن أمور أخرى، إلى أنه منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 ينشط علم الآثار الإسرائيلي هناك، حيث أجرى "الضابط المسؤول عن الآثار في الإدارة المدنية" حفريات، وأجرت سلطة الآثار استقصاءات، وأقامت منظمات مرتبطة بالمستوطنين حدائق أثرية.
كما عملت في التنقيب عن الآثار هناك حملات استكشافية من منظمات إنجيلية من الولايات المتحدة، وأصبح علم الآثار أداة لقمع الفلسطينيين وإبعادهم عن أرضهم، وتثبيت الرواية التاريخية الملفّقة بشأن "حق اليهود التاريخي" في المنطقة.
قبل ذلك، أوضحت تقارير لمنظمات حقوق إنسان فلسطينية وإسرائيلية أن الأعوام الأخيرة شهدت ارتفاعًا بنسبة نحو 165% في أوامر هدم منازل الفلسطينيين، بحجّة أنها مبنية فوق مواقع أثريّة، يقول شلحت.
"إثبات علاقات تاريخية لليهود"
ووفقاً لهذه التقارير، فإن مناطق الضفة الغربية مليئة بالآثار والمخلفات الأثرية، وتذكّر بالتّاريخ الغني والمتنوّع الذي عرفته المنطقة، ولكنّ "إسرائيل" لا تهتم إلا بإثبات روايتها التاريخيّة، ولذا تعمل من خلال مجال الآثار لإثبات العلاقة التاريخيّة والدينيّة والثقافيّة لليهود فقط في منطقة الضفة.
وأكمل شلحت "وبذلك تحاول مراكمة المبرّرات من أجل استمرار سياسات الاستيلاء والاحتلال والسيطرة الإسرائيلية في هذه المنطقة".
وبموجب ما كُتب أيضًا في افتتاحية "هآرتس" المذكورة، تُخلّ "إسرائيل بدورها كوصيّ مؤقت على المواقع الثقافية، وتسلك درباً لا يتماشى مع مصلحة الفلسطينيين أهالي الضفة، إلى جانب خرقها القانون الدولي وانتهاكها الحقوق الثقافيّة والسياسيّة للفلسطينيين".
وشدد شلحت على أن ما يجب الانتباه إليه هنا مسألتان: الأولى أن القانون الدولي يُلزم المُحتل بالحفاظ على المواقع الأثريّة في المناطق المحتلّة وحمايتها.
وأضاف "وبالرغم من ذلك، يجب أن تكون النشاطات في مجال الآثار محدّدة في نطاقها ونوعيتها، ويُسمح بنشاطات من هذا النوع فقط من أجل حماية الآثار في حال تعرّضها لخطر ما، وبمشاركة المجموعة السكانية المحميّة، بما يتلاءم مع مصالح هذه المجموعة فقط، ويُمنع إجراء تغييراتٍ بعيدة المدى".
وذهب إلى الاستدراك بالقول "ولكن من خلال تحليل السياسات الإسرائيلية في مجال الآثار في الضفة الغربية، يتبيّن أن إسرائيل تعطي لنفسها صلاحياتٍ واسعة من خلال خرق واضح للقانون الدولي".
كما أكد أن جميع النشاطات الإسرائيلية في مجال الآثار في الضفة تُسخّر لخدمة فكرة الاستيلاء التي، بحسبها، العلاقة التاريخيّة بين المواقع الأثريّة والديانة اليهوديّة تمنح "إسرائيل" حقوقًا إضافية، من ضمنها الحقّ في السيطرة على المواقع والآثار.
وحسب شلحت، فإن السيطرة الإسرائيلية على المواقع الأثريّة تسبب الإقصاء الفعلي للفلسطينيين وإبعادهم عن هذه المواقع ومحتوياتها من خلال وسائل عدّة، وبطريقةٍ تُضعف الرابط بين الفلسطينيين وحضارتهم.
بالإضافة إلى ذلك، تمنح هذه السيطرة "إسرائيل" الفرصة لإعادة بلورة الرواية التاريخيّة بطريقة تبرز روابطها بالمواقع الأثريّة، وتطمس الدور التاريخي لشعوب وحضارات أخرى، بالرغم من أنّها جزءٌ من تاريخ المنطقة وقصتها.
"خيانة" علماء الآثار
أما المسألة الثانية -حسب شلحت- فهي متعلقة بعلماء الآثار الإسرائيليين الذين يخونون واجبهم العلمي.
وما ينبغي التنويه به بهذا الصدد-وفق شلحت-أن المحكمة العليا الإسرائيلية أقرّت عام 2019 قرار "الضابط المسؤول عن الآثار في الإدارة المدنية" بأن تبقى طيّ السريّة التامة، هوية علماء الآثار الذين يشاركون في أعمال الحفر في مناطق الضفة الغربية من جهة، والمعلومات عن أين يُخزَّن ما يعثرون عليه من جهة ثانية.
يقول "وهذا يعني، بكلّ بساطة، أنّ المعلومات الموجودة داخل الخط الأخضر تختلف عن نظام المعلومات خارج هذا الخط، ويكشف أنّ الاحتلال الإسرائيلي المستمر للضفة يُكرّس نوعين من القوانين في ظلّ نظام واحد، وهو ما ينسحب أيضا على مجالاتٍ كثيرة في أراضي 1967".
المصدر: صفا