التعديل الخامس بـ 29% من قوام الحكومة الجميل!
في كل دول العالم الديمقراطية أو حتى شبه الديمقراطية أو التي على استحياءٍ ديمقراطي تحتاج أي حكومة في نظام حكم برلماني إلى ثقة البرلمان مجلس الشعب الذي يُمثل مواطني الدولة باعتبار الأمة مصدر السلطات -أو هكذا يُفترض- حسب ما تعلمناه في ألف باء القانون الدستوري أو أبجديات المعرفة السياسية.
ويُعطي مجلس الشعب ثقتهُ للحكومة بموافقة الأغلبية بناءً على أمرين متلازمين: الأول هو برنامج الحكومة أو بيانها وثانياً هو تشكيلة الحكومة وأشخاصها من حيث الكفاءة والقدرة والنزاهة الشخصية، وتسمح ألأنظمة الدستورية البرلمانية الملكية لرئيس الحكومة الذي شكّل وزارته بناءً على فوز حزبه السياسي بأغلبية أعضاء مجلس الشعب (النواب) اجراء تعديلات على بعض الوزارات باستقالة وزير أو إقالته أو أكثر دون أن يقلّل ذلك من المشروعية الدستورية أو السياسية للحكومة، ذلك أن تشكيل رئيس الوزراء لحكومته وإجراء التعديلات عليها يستند إلى أن رئيس الوزراء وحكومته يستمدان المشروعية الدستورية والسياسية والشعبية من الكتلة البرلمانية التي أفرزتهما بنتيجة الانتخاب العام وتستمر هذه المشروعية ما دامت الحكومة تستند إلى هذه الأغلبية البرلمانية التي يحظى بها حزب رئيس الوزراء وحكومته أو الإئتلاف الحزبي في البرلمان حسب واقع الحال، وهذه صورة ديمقراطية ذات مشروعية مقبولة دستورياً وسياسياً وإن تعدّدت التعديلات على تشكيلة الحكومة بخروج وزراء ودخول آخرين مهما كان عددهم.
أما في دولة مثل الأردن ذات نظام حكم ملكي نيابي، والنيابي هنا لا تعني برلماني ديمقراطي وفق ضوابط علم النُظم السياسية والدستورية لأن هذا النوع من الأنظمة يقوم على رأسين للسلطة السياسية رئيس الدولة ورئيس الوزراء ويقتضي هذا النظام البرلماني الديمقراطي أن يكون رئيس الوزراء منتخباً بالضرورة من الشعب أو البرلمان الذي يمثل الشعب، ورئيس الدولة في الأنظمة غير الملكية يجب أن يكون منتخباً أيضاً من قبل البرلمان، ولا يُمكن لنظام حكم ملكي أو جمهوري أن يكون نظاماً ديمقراطياً وبرلمانياً وهذان الرأسان كلاهما غير منتخب!، وبالتالي فإن النظام الدستوري للحكم في الأردن لا يمكن أن يكون برلمانياً ديمقراطياً – كما تدّعي أبواق السلطة – ورئيس الوزراء يتم تعيينُه بإرادة منفردة من رئيس الدولة ولا علاقة للبرلمان بهذا الاختيار والتعيين من قريب أو بعيد، ولا يمكن الإقتناع أو الأمل بتشكيل حكومات برلمانية حقيقية في يوم من الأيام - كما تروّج أدوات السلطة - دون النصّ على ذلك في أحكام الدستور أي دون دسترة تشكيل الحكومات البرلمانية.
ومما يؤكد دستورياً وسياسياً ومعنوياً وشعبياً فقدان تشكيل الحكومات لأي وجه برلماني ديمقراطي معياري أن التعديلات التي تطرأ على تشكيل الحكومة الواحدة برئيس واحد تتعدّد لأكثر من أربعة أو خمسة تعديلات وتشمل أكثر من نصف أو معظم الوزراء دون حسيب أو رقيب لا من الشعب أو البرلمان الذي يُفترض أنه يُمثل الشعب ويُفترض أنه يملك إلى جانب صلاحية التشريع صلاحية الرقابة على السلطة التنفيذية من حيث الأداء والتشكيل.
وحكومة السيد بشر الخصاونة على سبيل المثال هي المثال الأوضح على فقدان مشروعية القيمة السياسية والشعبية التي يجب أن تحظى بها الحكومات في علم النُظم السياسية الديمقراطية أو حتى شبه الديمقراطية، فهذه الحكومة قد أُجريَ عليها التعديل الخامس منذ تشكيلها الأول في 12/10/2020 وحازت ثقة مجلس النواب بعد ذلك، ومن خلال هذه التعديلات الخمسة تم إخراج إثنين وعشرين وزيراً منها في مسلسل التعديلات من أصل واحد وثلاثين وزيراً باستثناء الرئيس أي بنسبة تغيير بلغت (71%) واحداً وسبعين بالمائة من قَوامها عند تشكيلها الأول الذي أخذت الثقة النيابية به في ذلك الوقت!، وهذا يعني أنه لم يتبقَّ من كيانها غير المنتخب برلمانياً إلا 29% فقط، فأي قيمة سياسيّة وشعبيّة أو كيانيّة ما زالت تمتلكه هذه الحكومة التي تُجرّب فينا الوزراء دون أن نعرف لماذا تم إخراج هذا الوزير ولماذا تم تعيين هذا الوزير أو ما هي المقتضيات السياسية أو الإقتصادية أو الإدارية لأي تعديل منها، فهلْ سنرى الأيام الأجمَل لهذا الحكومة – كما وعَدَ الرئيس - تأتينا غداً وقد ذهب كل الوزراء بالتعديلات الحكومية ولم يبقَ منهم سوى دولة رئيس الوزراء الأجمَل!.