هل قرارات إحالة آلاف الموظفين على التقاعد المبكر باطلة ومنعدمة قانوناً.؟!

 
 

كتب موسى الصبيحي - صاعقة تضرب قرارات الحكومة بإحالة موظفيها على تقاعد الضمان المبكر دون طلبهم..!
 
كتبت الكثير من المقالات عن ضرورة تصويب القرارات الصادرة عن المراجع الحكومية بإنهاء خدمات الموظف العام المستكمل لشروط التقاعد المبكر وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي، كما دعوت أكثر من مرة لتعديل الفقرة "ب" من المادة (١٧٣) من نظام الخدمة المدنية التي تجيز للمرجع الحكومي المختص بالتعيين إنهاء خدمة الموظف العام إذا كان مستكملاً لشروط التقاعد المبكر بناءً على طلبه أو دون طلبه، وذلك بإلغاء عبارة "دون طلبه" كون التقاعد المبكر قرار خاص بالمؤمّن عليه نفسه ولا يخصص له راتب التقاعد المبكر إلا بناءً على طلبه.

اليوم نحن أمان قرار "حكم" قضائي صادر عن أعلى سلطة قضائية هو قرار الحكم رقم (3446) لسنة 2022 الصادر عن محكمة التمييز بتاريخ 12 / 9 / 2022 بشأن الإحالة على التقاعد المبكر، ومضمونه أن المادة (64/أ/1) من قانون الضمان الاجتماعي بيّنت الشروط الواجب توافرها لإحالة المؤمن عليه للتقاعد المبكر والتي نصت على أنه "على المؤسسة بناءً على طلب المؤمن عليه تخصيص راتب تقاعد مبكر له اذا انتهت خدمته لأي سبب شريطة أن يكون قد أكمل سن الخمسين وأن تكون اشتراكاته في هذا التأمين قد بلغت (252) اشتراكاً فعلياً بالنسبة للذكر و (228) اشتراكاً فعلياً للأنثى….."

وأنّ الحق في الحصول على التقاعد المبكر قد أُقِرّ لصالح العامل الذي توافرت فيه الشروط القانونية وذلك بعد انتهاء عمله لأي سبب كان ويندرج ضمن حالات الانهاء قيام رب العمل بفصل العامل تعسفياً، فالنص لم يفترض رغبة وموافقة العامل على انتهاء عمله لتقديم طلب الحصول على التقاعد المبكر ودليل ذلك إيراد المشرع لعبارة (انتهاء عمله لأي سبب كان)، وعليه فإن رب العمل ليس مخولاً قانوناً بإنهاء خدمات أي موظف لديه لاستكمال شروط التقاعد المبكر طالما أن الموظف لم يقدم طلباً لانهاء خدماته لرغبته بالاستفادة من حقه في الحصول على التقاعد المبكر كما أن قانون العمل منح العامل ضمانة قانونية ببقاء عقد العمل سارياً حتى بلوغه سن الشيخوخة، وأن النظام جاء مخالفاً لقانون العمل والقواعد الآمِرة في قانون الضمان الاجتماعي، وفقاً لأحكام المادة (21/د) من قانون العمل والمادة (64/ب) من قانون الضمان الاجتماعي.
بناءً على هذا القرار القضائي ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه؛ ما الموقف وما مدى قانونية القرارات الحكومية التي أنهت عمل آلاف الموظفين العموميين لاستكمالهم شروط التقاعد المبكر وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي دون طلبهم..؟!

علماً بأن القرارات التي كانت تصدر بذلك اتخذت وجهين:
الأول:
قرار بصيغة الإحالة على التقاعد المبكر لاستكمال شروط الحصول على راتب التقاعد المبكر وفقاً لأحكام قانون الضمان. ودون أن يكون الموظف قد طلب ذلك، وهذا القرار خاطىء لأن التقاعد المبكر لا يكون إلا بناءً على رغبة وطلب المؤمّن عليه نفسه، ولا يُخصص له راتب التقاعد المبكر إلا بعد تقديمه طلباً لمؤسسة الضمان الاجتماعي للحصول على هذا الراتب.
الثاني:

قرار بصيغة إنهاء خدمات الموظف دون طلبه لاستكماله شروط التقاعد المبكر وفقاً لأحكام قانون الضمان، وهنا أيضاً فإن القرار خاطىء وفقاً لحكم التمييز المشار إليه، لأن القانون لم يخوّل صاحب العمل (الحكومة هنا) بإنهاء خدمات الموظف بسبب استكماله شروط التقاعد المبكر إلا في حالة أن يكون الموظف قد طلب إنهاء خدماته لرغبته بالتقدم لمؤسسة الضمان بطلب الحصول على راتب التقاعد المبكر، وهذا أحد حقوقه.

إضافة إلى ذلك فإن الفقرة "ب" من المادة (١٧٣) من نظام الخدمة المدنية التي أجازت للمرجع المختص بالتعيين إنهاء خدمة الموظف الخاضع لقانون الضمان الاجتماعي بناءً على طلبه أو دون طلبه إذا استكمل شروط الحصول على التقاعد المبكر، فإن هذه الفقرة تتناقض مع المادة (١٦٧) من نظام الخدمة نفسه التي نصّت على كافة حالات انتهاء خدمة الموظف وهي (١٢) حالة وليس من بينها إنهاء خدمة الموظف الخاضع لقانون الضمان دون طلبه إذا كان مستكملاً لشروط التقاعد المبكر.

في ضوء ما سبق، فإن علامة استفهام كبرى تبرز حول مدى قانونية كافة القرارات الحكومية الصادرة بإنهاء خدمات عشرات الآلاف من الموظفين العموميين لاستكمالهم شروط التقاعد المبكر، دون رغبتهم وطلبهم.

وهنا يبدو واضحاً أن كل القرارات الصادرة عن المراجع الحكومية المختصة بالتعيين والتي أنهت خدمات عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام خلال السنوات الماضية دون طلبهم نظراً لاستكمالهم شروط الحصول على راتب التقاعد المبكر هي قرارات باطلة قانوناً لا بل ويمكن اعتبارها منعدمة ولا أثر لها ما يقتضي تصويب الوضع كاملاً وإعادة هؤلاء الموظفين إلى أعمالهم ووظائفهم حسب مقتضى الحال وتسوية كافة حقوقهم الوظيفية، وفيما يتعلق بالضمان لا بد اعتبار تقاعدهم المبكر كأنْ لم يكن واسترداد كامل ما صُرف لهم من رواتب تقاعدية مبكرة واعتبار فترات تقاعدهم فترات اشتراك بالضمان، وإلزام جهات عملهم بدفع الاشتراكات المترتبة على ذلك وكأنّ شيئاً لم يكن، لأن ما بُنيَ على باطل فهو باطل.

أمام هذه الحقيقة والوضع القانوني الواضح والقرار القضائي الحاسم، هل تستطيع الحكومة معالجة أخطائها السابقة وإنصاف عشرات الآلاف من الموظفين الذين أنهت خدماتهم وأرغمتهم على التقاعد المبكر دون طلب منهم أو رغبة، وهل تتوقف من الآن وصاعداً عن اغتصاب حق ليس لها..؟!