ماكينة الشراكة وحدود الطموح السياسي
ما تشهده الساحة الاردنية اليوم من المقاومة الشرسة التي تبديها اجنحة الدولة -المختلفة- عبر تقريح و استنزاف ما يسمى " خصوم المصالح السياسية الحيوية" يعكس جدية المقاربة التي تتبنى فكرة اندماج معظم مصالح هذه الاجنحة ضمن مشروع المواجهة الراسية مع التكتلات والاجسام السياسية المختلفة , فمنذ ان بدات اعمال التحييد و كسب الرهانات وتصفية الطموحات باكرا و قبل اقرار حزمة التشريعات الاخيرة الممهدة لها, برزت نوايا الاستحداث ومحاولة افراز شكل جديد لتكتلات المعارضة الذي يراد له ان يكون اكثر ليونة وتعاونا واقل تاثيرا وتفاعلا , مظهرة ملامح راس المشروع الجديد وذيله "مقاومة الاصلاح الاجتماعي و السياسي " .
ان تاثيرات المرحلة الوشيكة القادمة والتي تؤسس لضمان جمود التكتلات الباقية "غير المرغوب فيها" والتي لن تعبر بوابة القانون " الاستئصالي" الجديد ستبدا انعكاساتها بالظهور خلال فترة ولادة المشروع , فالصعود السياسي الذي ستسلكه احزاب الدولة لتشغل الفراغ الجديد - المستحدث- وسياسة التفرد والعزل والمغالبة التي تتبعها مراكز التاثير ستزيد من التقرحات التي لا تكاد تنفك عن صيغة العلاقة بين مطبخ صنع القرار السياسي الاردني واحزاب المعارضة المتبقية ,عوضا عن افراغ مضمون المرحلة من التعددية والشيوع السياسي .
هذه المرحلة برتوشها الاخيرة والتعديلات البسيطة التي بقيت في خطة الاحتياط لاحتواء بعض "الاحزاب الدخيلة" على المسار المرسوم بعناية ستلد هدنة جديدة وبيروقراط وريث اكثر تمسكا بسلطويته ممن أورثه , والفارق الوحيد بين هذا وذاك درجة لون بشرة رجال الكومون كما في المثل الروسي الشهير .
وبالنظر الى حجم التشويه الذي احدثه سيناريو الحظر و التعطيل ليس فقط بالصيغة العلاقاتية ومفهوم العقد الاجتماعي بل حتى ببنية الاحزاب التي من الممكن ان تعبر هذه المرحلة وذلك بحجم الشروخات البنائية و الفكرية التي احدثتها متطلبات هذا القانون بارتباطه بشروط تتعلق بالعدد و العمر و الجنس عدا عن مفهوم علاقة الحزب السياسي بالطبقة التي يمثلها و الايدلوجيا التي يحملها وغير ذلك من التشوهات التي ستحملها الاحزاب -العابرة للقانون- معها الى مرحلة الحكومة النيابية القادمة .
ضمن سياق المغالبة السياسية الذي يفرض على الحالة العامة فرضا تحاول بعض الاحزاب الاردنية الجادة البقاء ضمن ماكينة الحياة السياسية دون ان تحيد عن مسارها الاصلاحي كما دون ان تطحنها مألات القانون التفريغي الجديد وتاثيرات التجريف المستمر للحياة العامة , وهذا الاتزان المبادئي هو من سيحدد شرعية بقاءها وصلاحية تاثيرها على قواعدها في المرحلة القادمة .
ان حدود الطموح السياسي واختيار الوقود الذاتي للماكينات الحزبية والوطنية الجادة هما العاملان الاساسيان اللذان من الممكن ان يعيدا حسابات الاجماعات السياسية صاحبة الدفع المعاكس,واعادة طرح اولويات ومعطيات جديدة تجبر مراكز التاثير على إعمال السياسي على حساب الامني , وبالنظر بعلمية ودون العاطفة و التهويل و الحماس , لم تنجح معظم الماكينات الحزبية المعارضة بهذا الدور بالفترة السابقة كما نجحت ماكينة الشراكة والانقاذ التي حاولت خلال الاربعة سنوات الماضية كسر الحدود المتدنية لعمل احزاب المعارضة, واحداث ثغرة في الصندوق الذي وضعت به مقيدة , بعد سقوط مالات الربيع العربي وطموحاته ,فلم تقبل الدوران حول الفراغ لتكون تراكما حول المراكم اصلا او تكرر المكرر,بل ذهبت لابعد من ذلك لتستحدث حالة حزبية جديدة تستنهض بها الجادين و الصادقين و المصلحين كوقود حرك المياه الراكدة وسحب العصا من الدواليب .
ان المناورات التي تبديها الماكينات الوطنية المختلفة والجادة والتي تحاول ان تبقى ضمن السياق السياسي القادم تعكس مدى استجابتها او عدم استجابتها للمهادنة و الرهان على حساب المسار الاصلاحي الذي تؤمن به ,فمسالة الحياد والتارجح على الاحبال لن يفيد المصلحة الوطنية ولا المشروع الوطني الاصلاحي ومن لا يستجيب لنداءات الشعوب اليوم سيحصد اللوم و الندامة غدا .