مقبرة سهل بن مالك.. أكبر مدافن المسلمين التاريخية في أوروبا

تؤرخ مقبرة سهل بن مالك في مدينة غرناطة جنوبي إسبانيا، بما انطوت عليه من أدلة أثرية عديدة، لحقبة هامة من تاريخ المسلمين في الأندلس، حين كانت المدينة الملجأ الأخير للآلاف منهم قبل سقوطها عام 1492.

وتشير الدراسات الأثرية والتاريخية إلى أن المقبرة كانت أكبر مدفن للمسلمين في أوروبا في تلك الحقبة، كما يقول عالم الآثار أمجد سليمان، رئيس الفريق الذي اكتشف المقبرة.

اكتشاف المقبرة
اكتشفت مقبرة سهل بن مالك وسط مدينة غرناطة، وبدأت الحفريات فيها يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021 على مساحة تبلغ ألف متر مربع. وكانت المفاجأة التي تكشفت خلال عام تقريبا بالعثور على 5 مقابر جماعية تضم رفات نحو 600 من الرجال والنساء من مختلف الأعمار.

ويذكر عالم الآثار أمجد سليمان أن بعض المسلمين في تلك الفترة أخفوا هوياتهم تجنبا لإجبارهم على التنصر، ولذلك وضعوا بطاقة بجوار كفن من مات منهم لتدل عليه، وقد وجد الفريق المستكشف قطعا من تلك البطاقات.
 
وتتميز هذه المقبرة عن بقية المقابر الأندلسية المعروفة سابقا بوجود طبقات من المدافن.

ونظرا إلى أن غرناطة كانت آخر مدن المسلمين سقوطا في الأندلس، فإن التكدس السكاني فيها والحصار والأوبئة عوامل تفسر العدد الكبير الذي عثر عليه من الرفات.

وقد أشار رئيس مؤسسة جامع غرناطة الكبير عمر ديل بوزو إلى أهمية هذا الاكتشاف على وجه الخصوص نظرا إلى موقع المقبرة في مركز المدينة، وذلك بعدما كشفت الحفريات السابقة عن رفات كثير من المسلمين في أماكن مختلفة بغرناطة.

اكتشف فريق العلماء والباحثين الذي قام بالحفريات أنه خلال الفترة التي أعقبت إغلاق مقبرة سهل بن مالك بعد إجبار المسلمين على التنصر، أخذت أجزاء من المقبرة وحجارتها لتشييد مبان مجاورة، من بينها دير سان خيرونيمو القريب من موقع المقبرة.

اسم المقبرة وتاريخها
سميت المقبرة باسم الأديب والفقيه الأندلسي سهل بن مالك الأزدي المتوفى سنة 639 هـ/1241 م، لكنها ربما عُرفت أيضا باسم مقبرة "ابن سهل بن مالك"، كما جاء في كتاب "مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر" للدكتورة مريم قاسم طويل، الصادر سنة 1994.


المقبرة تميزت بوجود طبقات من المدافن (الجزيرة)
وقد أورد لسان الدين بن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة" إشارة وجيزة إلى "مقبرة شهيرة لابن سهل بن مالك" وتحدث عن موقعها قرب باب إلبيرة.

وقد يفسر النسب الكامل للرجل هذا التباين في الاسم، فهو كما جاء في مصادر عديدة: سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي الغرناطي، وكنيته أبو الحسن.

سيرة سهل بن مالك
وقد ترجم له ابن عبد الملك المراكشي في كتابه "الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة"، فقال "كان من أعيان مصره، وأفضل أهل عصره، تفننا في العلوم، وبراعة في المنثور والمنظوم، محدثا ضابطا، عدلا ثقة ثبتا، حافظا للقرآن العظيم، مجوّدا له".

ووصفه كذلك بأنه كان "متقنا في العربية، وافر النصيب من الفقه وأصوله، كاتبا، مجيدا للنظم في معرب الكلام وهزله، ظريف الدعابة، مليح التندير".

وذكر ابن عبد الملك أن أبا الحسن "صنف في العربية كتابا مفيدا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه، وله تعاليق نافعة على المستصفى في أصول الفقه (للغزالي)، إلى غير ذلك من فوائده"، وقال إنه تصدق عند القرب من وفاته بجملة كبيرة من ماله.

وترجم له أيضا الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، فنقل قول ابن الأبّار إنه "كان من جِلة العلماء والأئمة البلغاء الخطباء مع التفنن".

كما نقل لسان الدين بن الخطيب قول أبي جعفر بن مسعدة في الثناء عليه فقال "كان رأس الفقهاء وخطيب الخطباء البلغاء، وخاتمة رجال الأندلس".

المصدر : الجزيرة + الأناضول