امام ادارة الضمان الجديدة.. مقترحات لضمان متوازن ومستدام

 


كتب موسى الصبيحي - ينتظر المجتمع كله الآن ماذا سيجري في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وما هي أولوياتها في المرحلة القادمة وكيف ستعمل على تعزيز توازن مركزها المالي وضمان استدامة نظامها التأميني مالياً واجتماعياً.
ولدى قراءتي التحليلية المعمّقة لمرحلة السنوات الأربع الماضية، وجدت من الضرورة بمكان العمل على وضع خارطة طريق واضحة للوصول إلى ضمان اجتماعي أردني حيوي، أي فعّال، كفؤ، شامل، عادل، متوازن، ومستدام، ومن هنا فإنني أرى أن ملامح هذه الخارطة تتمثل في الأمور التالية:

1. مراجعة كل أشكال الإنفاق من أموال الضمان على غير الأوجه التي حدّدها القانون وفي مقدمتها أوامر الدفاع الخاصة بالبرامج التي أطلقتها المؤسسة، باستثناء البرامج المنضبطة بالقانون التي تم من خلالها صرف بدلات تعطل عن العمل. إضافة إلى ضرورة تفعيل البند الخاص بتمويل تأمين التعطل عن العمل، حسب ما ورد في الفقرة (د) من المادة (48) من قانون الضمان التي أشارت إلى أن من بين مصادر تمويل هذا التأمين أي مساهمة تُدفع من خزينة الدولة. وكان يجدر أن تبادر الحكومة إلى تخصيص مساهمة من الخزينة لدعم تأمين التعطل عن العمل، ولا سيما أثناء جائحة كورونا، وذلك للمساعدة في تحمّل جزءٍ من العبء الكبير الذي تحملته مؤسسة الضمان الاجتماعي في إنفاقها الكبير للتخفيف على القطاع الخاص والعاملين فيه. علماً بأن كلفة البرامج التي أطلقتها مؤسسة الضمان خلال الجائحة وفي إطار أوامر الدفاع الصادرة بهذا الخصوص تجاوزت (716) مليون دينار (وفقاً لتصريح لمدير عام الضمان السابق في محاضرة له بجامعة الشرق الأوسط بتاريخ 18/10/2021)، ومن المتوقع أن تكون الكلفة تجاوزت ألـ (850) مليون كرقم نهائي.

2. وقف العمل بإعفاء بعض القطاعات من شمول عامليها الشباب ضمن أعمار معينة بتأمين الشيخوخة، لأن هذا يؤثر على مبدأ الحماية الاجتماعية ويشوّهها كما يؤثر على مبدأ العدالة في الحقوق بين المؤمّن عليهم المنضوين تحت مظلة قانون الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تأثيره على النشاط الاستثماري لمؤسسة الضمان، إذ يحرم صندوق استثمار أموال الضماان من مبالغ مالية كبيرة كان يمكن أن تدخل ضمن الأوعية والأدوات الاستثمارية المعززة للمركز المالي للضمان.

3. ضرورة توسيع مظلة الضمان بحيث تغطّي كافة المشتغلين على أرض المملكة والتوسّع بمفهوم المؤمّن عليه، ومفهوم العامل وصاحب العمل في كل القطاعات الاقتصادية لتسهيل شمول الجميع بالمظلة، مما يوسّع من مظلة الحماية الاجتماعية ويحمي الطبقات العاملة الهشة في المجتمع، كما يعزز المركز المالي للضمان، ويدعم أدواته الاستثمارية بالسيولة النقدية اللازمة التي تمكّنه من الدخول في مشروعات استثمارية مدروسة وناجعة.

4. مواجهة ظاهرة التهرب من الشمول بالضمان المعروفة باسم (ظاهرة التهرب التأميني) التي يُقدّر حجمها بحدّه الأدنى بحوالي 18% من أعداد المشتغلين في المملكة أي بما يزيد على (300) ألف عامل، وذلك ضمن استراتيجية واضحة ومحكمة وبرنامج زمني محدد، وقد أشارت بعض دراسات مؤسسة الضمان إلى أن قيمة الاشتراكات المفقودة أو الضائعة نتيجة هذا التهرب تُقدّر بما لا يقل عن (117) مليون دينار سنوياَ.

5. التعاون مع وزارة العمل والجهات ذات العلاقة لضبط سوق العمل وإعادة هيكلته وتنظيمه، فكلما استطعنا تنظيم سوق العمل بشكل أفضل، استطعنا أن نمدّ مظلة الحماية الاجتماعية لتغطي فئات وشرائح عاملة جديدة.

6. شمول العمالة الوافدة بمظلة الضمان، إذ يلاحظ قلة عدد العمالة الوافدة المشتركة بالضمان والتي لا تتجاوز نسبتها 12% من عدد المشتركين الفعّالين، اي بحدود 170 ألف عامل وافد مشترك بالضمان، وهو عدد قليل جدا مقارنة بعدد العمالة الوافدة في المملكة والتي تزيد على مليون عامل من مختلف الجنسيات، والمعروف أن الغالبية العظمى من العمالة الوافدة لا تتقاضى رواتب تقاعدية عندما تنتهي خدماتها وتغادر إلى بلادها، وإنما تتقاضى تعويضاً من دفعة واحدة، بالرغم من أن القانون يتيح لهم الحصول على راتب التقاعد ضمن ذات الشروط للمؤمن عليهم الأردنيين، الأمر الذي يعزز الجانب المالي للضمان.

7. وضع الخطط اللازمة للحد من التوسع في القطاعات غير المنظّمة(قطاع الاقتصاد غير الرسمي) وشمول العاملين فيه بمظلة الضمان، وإيجاد أطر قانونية وتنظيمية تساعد على انتقال العاملين فيه الى القطاعات المنظمة.

8. تحفيز استقرار سوق العمل في القطاع الخاص وتحسين بيئات العمل، وحماية العمالة فيه وصون حقوقها، وتطبيق قانوني العمل والضمان الاجتماعي بصورة محكمة، بما يضمن استقرار العامل وصون حقوقه، ووقف أي انتهاكات يتعرض لها العمال.

9. الوقف الفوري لأي توجّه حكومي بإحالة الموظفين العموميين على التقاعد المبكر بشكل نهائي مهما بلغت سنوات خدمتهم، لما فيه من إضرار بهم أولاً وإخلال بالتوازن المالي للضمان على المدى المتوسط والبعيد، وفي هذا الجانب يجب ان يصار الى تعديل المادة القانونية في نظام الخدمة المدنية التي تجيز إنهاء خدمة الموظف المستكمل لشروط التقاعد المبكر بناءً على طلبه أو دون طلبه، وذلك بترك الخيار لرغبة الموظف وليس إرغامه على التقاعد المبكر.
10. إطلاق حملات إعلامية توعوية ضخمة توضح أضرار وسلبيات التقاعد المبكر على المؤمّن عليهم وأسَرهم والمجتمع والاقتصاد الوطني، وتدعو إلى عدم اللجوء إليه إلا عند الضرورة، أي عند فقدان المؤمّن عليه لعمله وعدم قدرته على إيجاد فرصة عمل أخرى وحالته المادية لا تحتمل الانتظار في حال كان مستكملاً لشروط التقاعد المبكر.

11. إعادة النظر بمفهوم المهن الخطرة ومراجعة قائمتها التي تتيح للعاملين في أي منها التقاعد عند اكمال سن 45، وهي قائمة طويلة ومبالغ فيها الى حد كبير، سيّما وأن ما يقرب من 11% من المشتركين الفعالين مصنّفون حالياً كعاملين في مهن خطرة.. مما يرشّحهم للتقاعد المبكر عند استكمال شروطه، فلا بد من حصر المهن الخطرة بطريقة علمية وصحيحة، والسعي إلى وضع إطار تشريعي يُحمّل الجهات التي تشغّل عاملين في مهن خطرة جزءاً من العبء التقاعدي لهؤلاء في حال وُجِدت الضرورة لتقاعدهم المبكر، مع ضرورة الحرص على عدم تأثّرهم كثيراً نتيجة هذا الخروج المبكر من سوق العمل، لا سيّما عند خروجهم بسن مبكرة وبمدة اشتراك قصيرة.

12. تعديل نظام المنافع التأمينية للضمان بحيث يتم الحد من الحالات التي تسمح للمؤمّن عليه الأردني بسحب اشتراكاته على شكل تعويض من دفعة واحدة، لما في ذلك من إضعاف لمستوى حماية الأردنيين، كون الحماية تقوم على مبدأ توفير أمن الدخل، وهذا ما يتأتّى من خلال تمكين كل مواطن من الحصول على راتب تقاعدي مستقبلاً، اضافة الى ان صرف مبالغ سنوية ضخمة كتعويضات دفعة واحدة للمنسحبين يحرم الضمان من فرصة استثمار هذه المبالغ لسنوات طويلة وتحقيق عوائد مالية مجزية عليها.

13. إعادة العمل بازدواجية الشمول بالضمان للعاملين في أكثر من جهة عمل، ولا سيما شمولهم بتأمين إصابات العمل على الأقل.. لما يحققه ذلك من تعزيز لحماية العامل وتعزيز للمركز المالي للضمان، والمعروف بأن تأمين إصابات العمل لدينا من التأمينات المستدامة مالياً ويحقق فوائض مالية كبيرة سنوياً.

14. شمول كافة أصحاب العمل العاملين في منشآتهم، لأن التجربة لم تكن ناجحة حتى الآن، بالرغم من مرور سبع سنوات على البدء بمرحلة الشمول الإلزامي لأصحاب العمل العاملين في منشآتهم، إلا أنه لم يتم شمول سوى نسبة لا تزيد على (10%) منهم.

15. تحفيز متقاعدي المبكر على العودة إلى العمل وتخفيف شروط وقواعد الجمع بين راتب التقاعد المبكر والأجر من العمل بما يشجّع أكبر شريحة ممكنة من متقاعدي المبكر على العودة لسوق العمل من جديد.

16. إعادة توزيع محفظة استثمار أموال الضمان الاجتماعي بشكل متوازن، والتخفيف من قيمة محفظة السندات التي تسنحوذ حالياً على أكثر من (56%) من موجودات الضمان، وتحفيز استثمارات الصندوق وتوجيهها لإنشاء مشروعات حيوية مُشغّلة للكثير من الأيدي العاملة الوطنية، وهناك مشروعات يحتاجها الاقتصاد الأردني، وتشغّل أيدٍ عاملة كثيرة، وتدرّ عائداً استثمارياً مجدياً.

17. مراعاة الاستقرار التشريعي لقانون الضمان وأنظمته في المرحلة الحالية، وهي مسألة مهمة لكافة الأطراف من مؤمّن عليهم، وأصحاب عمل، ومستثمرين، ومؤسسة ضمان، وحكومة، وقطاع عام، وبرلمان، وقضاء، حيث لم يمضِ على آخر تعديل سوى سنتين فقط.. (قانون 2019)، وفي واقع الحال فإن ما مضى على ذلك التعديل لا يتعدى سنة واحدة حيث لا يقاس على سنة 2020، و سنة 2021، بسبب ظروف الجائحة وتداعياتها.

18. عدم زعرعة الثقة بين النظام التأميني للضمان وجمهوره، وعطفاً على النقطة السابقة، فقد شهد القانون تعديلاً أواخر عام 2019، وكان هنالك وعد من مؤسسة الضمان لجمهور الضمان وللناس عامّة بأن هذا التعديل كافٍ وسيستمر لفترة طويلة نسبياً، وأن الوضع المالي في ضوء تلك التعديلات سيكون أفضل بكثير، وأنه لن يكون هناك أي تعديل خلال الفترة القادمة، لا سيما ما يتعلق بشروط التقاعد المبكر.

19. توفر دراسة اكتوارية تكشف الضرورات لأي تعديل والكشف عن هذه الدراسة ونتائجها بكل شفافية ووضوح للرأي العام، وطرحها للمناقشة مع الخبراء، مع ضرورة أن يطلع عليها المشرّعون في مجلسي الأعيان والنواب واللجان المختصة المنبثقة عنهما.

20. إيجاز بالأسباب الموجبة العامة لأي تعديلات قادمة، والأسباب الموجبة لكل تعديل منها على حده، وأن تكون أسباباً قوية مقنعة وما إذا كان لكل تعديل بدائل أخرى.

21. مراعاة انسجام التعديلات المقتَرَحة مع دستور الدولة من ناحية العدالة والمساواة بين المواطنين وكذلك انسجامها وعدم تناقضها مع التشريعات ذات العلاقة، وعلى رأسها قانون العمل.

22. مراعاة أن لا تؤدي أي تعديلات مقترحة إلى خلق المزيد من المراكز القانونية بين الناس في إطار القانون الواحد، وأن تضمن عدم توسيع فجوة الفروقات في الحقوق والالتزامات التأمينية والمالية عبر ما يسمّى بالاستثناءات، والتوسّع في استحداثها.

23. ضمان مستوى حماية متساوي للمنضوين تحت مظلة قانون الضمان دون تمييز بين القطاعات أو انحياز لقطاعات معينة دون أخرى، بمعني يجب أن تضمن التعديلات المقترحة عدم التمييز بين المؤمن عليهم بحسب قطاعاتهم الاقتصادية أو حجم منشآتهم، فلا يجوز أن يتأثر المؤمن عليه ويُعاقَب بالتمييز في حقوقه بالتأمينات كونه يعمل في قطاع معين أو في منشآت ذات حجم عمالة معين.

24. إطلاق منصات حوار عامة فاعلة حول مختلف موضوعات الضمان وتشريعاته والاستماع إلى مختلف الآراء، وأن يكون حواراً فاعلاً موضوعياً صريحاً شاملاً شفّافاً مُنتِجاً. إضافة إلى منصة حوار خاصّة مع الخبراء والأطراف المعنية بشكل مباشر.

25. ضمان مستوى رفيع من الضبط المالي والحاكمية الرشيدة في إدارة مرفق الضمان الاجتماعي واستثمار أمواله، وهذا يحتاج إلى دراسة ومناقشات مستفيضة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إعادة النظر بالحاكمية الرشيدة في مؤسسة الضمان بما فيها صندوق الاستثمار.

26. البدء بالمراجعة الشاملة لقانون الضمان في ضوء كل ما سبق، شريطة أن تكون مراجعة متأنية جداً لكل مواد القانون وقائمة على التشاركية والحوار الاجتماعي وصولاً إلى قانون أكثر توافقية وعدالة وشمولية اجتماعية واستدامة.