مجددا، فشل النظام السياسي العربي في التقاط مؤشرات المشهد العالمي المتفجر
النظام السياسي العربي يعاني كالعادة من ضعف المحتوى الاستراتيجي الكلي في مكوناته الاساسية، وهذا ناتج اصلا عن ضعف بنيوي تعاني منه انظمة الحكم العربية والتي يغلب عليها الطابع العائلي بعيدا عن اي شكل من اشكال القدرة على التطور الذاتي وبالتالي تصبح العدسة الاستراتيجية التي يتم رؤية التطورات من خلالها عدسة مشوشة.
لقد شكلت قمة الجزائر فرصة نادرة جاءت في وقتها لتفعيل المارد العربي الناتج عن لم الشمل العربي فعلا وتمتين الرؤية المشتركة لمصالح الامة العربية وبالتالي ايجاد موقع متقدم مقتدر غلى الساحة الدولية في ظل التطورات الهائلة التي تحدث الان في العالم. لكن القمة فشلت ليس فقط في لم الشمل العربي انما ايضا في تحقيق اي شئ يحفظ مصالح الامة من الضياع. لقد فشلت قبل ان تعقد من خلال تملص العديد من القادة العرب حتى عن حضور القمة ناهيك عن امكانية المشاركة المنتجة في اعمالها.
ان العالم يقف على حافة تطورات هائلة عندما تتفاعل مستقبلا ستخلق عالما جديدا مختلفا تختفي منه امبرطوريات عظمى ودول كثيرة وتنسج معادلات قوة جديدة.. واذا كان لنا ان نتوقع شكل هذا العالم، علينا اولا ان نتمعن بدقة بما يجري الان في مناطق التوتر المتعددة على الكوكب.
ان ما يجري في اوكرانيا ليس هو الشيء الوحيد الذي يجري في كوكبنا، بل ان هنالك مناطق اخرى تعد الاحداث فيها لا تقل تأثيرا في التأشير على ما قد يحدث مستقبلا عن مجريات الحرب في اوكرانيا. فما يجري في امريكا مثلا عشية الانتخابات النصفية للكونجرس يشير اى ان امريكا التي كانت عصية على الاختراق الداخلي اصبحت اليوم مهددة بشكل مريع من الداخل وان بوادر حالة "الهرم الامبراطوري" الذي عانت منه امبرطوريات مشابهة في الماضي يتجسد الان في امريكا، بكل ما تعنيه تلك من مشاكل ستعصف بالعالم نتيجة لذلك.
كما ان ما يجري في مضيق تايوان بين الصين وامريكا هو مثال اخر على خطورة التأزم على الساحة الدولية. ان ما يجري في شبه القارة الكورية وفي مضيق تايوان يعد واحدا من اخطر التطورات اليوم على الساحة العالمية لان اي خطأ في الحسابات سيقود اكبر جيشين في العالم الى صراع عالمي واسع التغطية.
اما فلسطين فهي واحدة من اخطر نقاط التوترفي العالم مع انها لا تحظى بالتغطية الاعلامية المناسبة عالميا. فبوادر ومقدمات انتفاضة جديدة تقترب يوما بعد يوم بكل ما يعنيه ذلك من نتائج. فانتفاضة جديدة في الضفة ستودي في اولى نتائجها الى سقوط سلطة اوسلوبكل ما يعنيه ذلك من تطورات ليس اقلها محاولة اليمين المتطرف الذي يحكم دولة الاحتلال حاليا لتهجير السكان من الضفة شرقا، كما انه من المعتقد ان يكون للانتفاضة الجديدة مفعول شديد التاثير على الانظمة في الاقليم حول فلسطين .
خلاصة الحديث، ان هناك مجموعة معقدة من العوامل التي يختزنها المشهد العالمي المتوتر هذه الايام والتي قد تبحث عن مخرج، وهذا المخرج ليس الا حربا عالمية مدمرة.
qatamin8@hotmail.com
*اكاديمي وكاتب اردني