الملك في قمة المناخ: علينا أن نختار قبل أن يفرض الواقع علينا ما لا نستطيع اختياره

قال جلالة الملك عبدالله الثاني إن الأردن بسجله الحافل بالمشاريع الناجحة في مجال الاستجابة لآثار التغير المناخي، حريص على أن يكون مركزا إقليميا للتنمية الخضراء.

وأضاف جلالته في كلمته التي ألقاها في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية، اليوم الاثنين، أن الأردن يعمل بالشراكة مع مصر، والعراق، والإمارات، والسعودية، والبحرين، ودول أخرى لزيادة منعة المنطقة بأكملها.

ولفت جلالة الملك إلى أن الأردن يوفر مجالا واسعا من الفرص للاستثمار في مبادرات تعنى بالمناخ، مثل البنية التحتية الخضراء، والمركبات الكهربائية، والزراعة، وقطاعات أخرى.

وأشار جلالته إلى مبادرة مترابطة المناخ واللاجئين التي تقدم بها الأردن لإعطاء أولوية الدعم للدول المستضيفة التي تتحمل عبء التغير المناخي، داعيا الدول المشاركة بالمؤتمر إلى المصادقة عليها.

وفيما يلي نص كلمة جلالة الملك:

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي،

السيد الأمين العام،

معالي الرئيس،

أصدقائي،

فيسرني في البداية، أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى أخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وجمهورية مصر العربية الشقيقة حكومة وشعبا، على حفاوة الاستقبال وحسن تنظيم هذه القمة الدولية المهمة.

تأتي اجتماعاتنا هنا نتيجة لثلاثين عاما من التقدم في مكافحة التغير المناخي، وبالرغم من الإجماع المتزايد على هذه الجهود والأهداف، إلا أن مخاطر التغير المناخي القاتلة ما زالت بازدياد مضطرد، تدفع ثمنه جميع الدول، وخاصة الدول النامية.

أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP-27) مهمة ملحة، وهي إطلاق جملة من الإجراءات للتعامل مع التغير المناخي على مستوى جديد، لتكون قادرة على إحداث التغيير الملموس وتحقيق النتائج بسرعة وفاعلية كبيرتين.

هذا هو التزام الأردن، فالتغير المناخي ليس جديدا علينا، ونحن نواجه التهديدات المناخية ذاتها التي تواجه منطقتنا بأكملها. لقد تراجع متوسط هطول الأمطار إلى النصف خلال العقود الخمسة الماضية، بينما تراجع نصيب الفرد من المياه بنسبة ثمانين بالمئة. وإضافة إلى ذلك، يتراجع منسوب مياه البحر الميت بمعدل ثلاثة أقدام سنويا، فيما تتدفق في نهر الأردن سبعة بالمئة فقط من المياه بالمقارنة مع معدلها التاريخي، كما اختفت واحات بتنوعها الحيوي الغني في غضون عقود قليلة في المنطقة، في الوقت الذي يثير فيه التغير المناخي والسياسات الأحادية المتعلقة بالموارد المائية القلق بشأن مستقبل نهر النيل ونهري دجلة والفرات.

كما تسببت درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه في الأردن بالضغط الشديد على مواردنا المحدودة، وقد تفاقم بفعل الازدياد غير الطبيعي في النمو السكاني الناجم عن التدفق الهائل للاجئين.

تقر الأمم المتحدة بأن اللاجئين حول العالم والدول المستضيفة الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي. ولمعالجة هذه الأزمة، تقدم الأردن بمبادرة تحت مسمى "مترابطة المناخ – اللاجئين”، بهدف إعطاء أولوية الدعم للدول المستضيفة التي تتحمل عبء التغير المناخي، لذا ندعوكم للانضمام إلينا في المصادقة على هذه المبادرة.

أصدقائي،

ليس أمرا محسوما أن التغير المناخي بآثاره المدمرة سيحكم مستقبلنا، فلدينا اليوم أكثر من أي وقت مضى وفرة في المعرفة المختصة، والأدوات العملية، والمقاربات الناجعة، وأمامنا فرص كبيرة إن أدركناها. لذا دعوني أذكر اثنين من أهم العوامل المطلوبة للنجاح.

أولا، تحقيق التكامل الوثيق بين إجراءات التعامل مع التغير المناخي والتنمية الاقتصادية، بحيث يعكس هذا النهج التكاملي الواقع الذي نعيشه، وهو أن التنمية الاقتصادية المستدامة في القرن الحادي والعشرين تتطلب موارد وممارسات خضراء، وأن على العالم الملتزم بالممارسات الصديقة للبيئة أن يحقق تطلعات شعوبه.

لقد وجدنا حلولا في الطاقة المتجددة، وتحلية المياه، وتقنيات الري الحديثة، والانتقال إلى وسائل النقل الكهربائية.

ويسير برنامج الأردن للتعافي الأخضر بالتوازي مع رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها المملكة، فنحن نعمل على الاستثمار في مواردنا الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويعد الأردن رائدا إقليميا في إنتاج الطاقة النظيفة، إذ يتم توليد 29 بالمئة من الكهرباء من خلال الطاقة المتجددة، ونسعى لتصل النسبة إلى 50 بالمئة بحلول عام 2030، كما تمكنا من زيادة مساهمة المملكة في التقليل من الانبعاثات الكربونية بمضاعفة هدفنا للعام 2030، ونعمل على تشجيع الشراكات الاقتصادية الخضراء لتوفير فرص العمل الجديدة ومستقبل من الأمل.

وهذا يقودني إلى العامل الثاني لنجاح إجراءات التعامل مع التغير المناخي، وهو التعاون الوثيق على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص، للاستفادة من الفرص والتشبيك بين الموارد والقدرات، كما أن أحد أهم الجوانب هنا هو توفير التمويل للدول النامية للتخفيف من الأضرار المناخية والتكيف مع آثارها.

إن الأردن، بسجله الحافل بالمشاريع الناجحة في مجال الاستجابة لآثار التغير المناخي، حريص على أن يكون مركزا إقليميا للتنمية الخضراء، فنحن نعمل بالشراكة مع مصر، والعراق، والإمارات، والسعودية، والبحرين، ودول أخرى لزيادة منعة المنطقة بأكملها، إذ يوفر الأردن مجالا واسعا من الفرص للاستثمار في مبادرات تعنى بالمناخ، مثل البنية التحتية الخضراء، والمركبات الكهربائية، والزراعة، وقطاعات أخرى. كما أننا نعمل مع الإمارات في مشروع الازدهار لزيادة موارد الطاقة والمياه النظيفة، فيما يجري العمل على مشروع مبتكر في محمية العقبة البحرية، بالتعاون مع شركاء عالميين، سنساعد من خلاله في إيجاد حلول لآثار التغير المناخي على المحيطات التي تتجاوز حدود الأردن.

ودعوني أشير أيضا إلى قضية أخرى مهمة للأردن والأردنيين، وهي الدعوة الملحة لإنقاذ مواقع التراث العالمي المهددة بفعل التغير المناخي، فالبحر الميت ونهر الأردن كنوز من الماضي وموروث للمستقبل، ويتحتم علينا أّلا نكون الحلقة التي تكسر هذا الرابط.

أصدقائي،

مناخ عالمنا، بخيره وشره، غير قابل للتجزئة، ويتعين علينا أن نوحد صفوفنا للتعامل معه، ففي صراع الحياة على هذه الأرض، ليس هناك متفرجون، وكل فعل له أثره. لقد جمعنا مؤتمر قمة المناخ (COP-27) للتشبيك بين قدراتنا والثبات في طريقنا للتصدي للتغير المناخي.

نحن نقف على بدايات تحول ملحّ وطويل، تشوبه التحديات، وقد نجد أمامنا عددا من الخيارات الصعبة، لكن علينا أن نختار قبل أن يفرض الواقع علينا ما لا نستطيع اختياره، لذا، فلنفعل ذلك معا إقليميا ودوليا، ونحقق العالم الأخضر العادل والمنيع الذي تستحقه شعوبنا.

شكرا جزيلا.

وينعقد المؤتمر، الذي افتتحه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ويستمر حتى 18 من الشهر الحالي، بمشاركة قادة ورؤساء وفود من مختلف دول العالم، تحت عنوان "لحظة فارقة” في التعامل مع قضية التغير المناخي.

وضم الوفد الأردني نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومدير مكتب جلالة الملك، الدكتور جعفر حسان.