الهزّات العشر التي ضربت الضمان خلال السنوات الأربع الماضية..!

 

كتب موسى الصبيحي - لم أخشَ يوماً على الضمان وطيلة مدة خدمتي في المؤسسة التي ناهزت ثلاثة عقود مثلما خشيت خلال السنوات الأربع الماضية، حيث لم تشهد المؤسسة تسرّعاً في قراراتها، ولا تغيّراً في سياساتها، ولا انحرافاً عن مساراتها، ولا تقلّباً في تشريعاتها، ولا إنفاقاً من أموالها، ولا تضخماً في إداراتها ولجانها، ولا ارتباكاً في علاقاتها مع جمهورها، مثلما شهدت خلال تلك السنوات..!!!

وبالرغم من أنني كنت قد حذّرت من بعض تلك القرارات والإجراءات والسياسات تحذيراً مُدعّماً بالحُجج والأرقام، لكن أحداً لم يُصغِ إليّ من داخل البيت..!

ولقد قلت للإدارة السابقة ناصحاً ومحذّراً من أن السياسات التي تم انتهاجها في مؤسسة الضمان متسرّعة وتفتقر إلى الحكمة والنضج، ولها مخاطرها وانعكاساتها وعواقبها غير المحمودة على منظومة الحماية الاجتماعية في المملكة، وهي المنظومة التي يُشكّل الضمان جوهرها وركيزتها الرئيسة والأهم، وأن مثل هذه السياسات ستدفع المؤسسة في القريب العاجل إلى إجراء تدخّلات جراحية مؤلمة على قانون الضمان يتألّم منها الجميع..!

ولم يؤبَه لحديثي البتة..!
وأعيد هنا التذكير بأهم الموضوعات والمسارات والتشريعات والقرارات والسياسات التي انتهجتها المؤسسة منذ عام 2019 والتي حذّرت منها ومن عواقبها مراراً، والتي كان وقعها بمثابة هزّات ما بين خفيفة ومتوسطة وكبيرة ضربت الضمان خلال الفترة المذكورة وعلى النحو التالي:

الهزّة الأولى:

صدور نظام الاستثناء من الشمول بتأمين الشيخوخة الكلي والذي تم بموجبه استثناء العاملين الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم (28) عاماً من الشمول بتأمين الشيخوخة في بعض القطاعات والمنشآت التي لا يزيد عدد العاملين فيها على (25) عاملاً، وهذه قضية خطيرة كونها تحرم هؤلاء العاملين الشباب من فترات اشتراك بالضمان رغم عملهم وخدمتهم وانطباق أحكام قانون الضمان عليهم بكل تأميناته، كما أنها تُخل بمبدأ العدالة في الحقوق، وتُشوّه منظومة الحماية الاجتماعية وتنتقص منها، إضافة إلى حرمان مؤسسة الضمان من اشتراكات كان يُفترَض أن تؤدّى لها عن هؤلاء العاملين. فكان الأثر من جانبين عريضين؛ جانب إضعاف الحماية الاجتماعية، وجانب إضعاف الموارد المالية للنظام التأميني.

الهزّة الثانية:

إلغاء العمل بتداخل الشمول أو ما يسمى بازدواجية الشمول بالضمان للمؤمّن عليه الذي يعمل لدى أكثر من منشأة في ذات الوقت، وهذه أيضاً تنطوي على انتقاص من الحماية، وإضرار بالمؤمّن عليه، وإضاعة للاشتراكات، وتشويه لسوق العمل.. والشرح في ذلك يطول وقد سبق أن أوضحت سلبيات هذا النهج في منشورات سابقة، وقد أثّر ذلك سلباً أيضاً على مستوى الحماية الاجتماعية والموارد المالية للضمان.

الهزّة الثالثة:

الانحراف عن غايات تأمين التعطل عن العمل من خلال السماح للمؤمّن عليه الأردني بالسحب من رصيده في صندوق التعطل عن العمل لغايات التعليم والعلاج، وكلنا يعلم بأن السحب تم بصورة كبيرة جداً ودون أن تتحقق المؤسسة من سبب السحب، وهو ما أضعف دور الصندوق وشكّل انحرافاً واضحاً عن غايات هذا التأمين.

الهزّة الرابعة:
الإنفاق من أموال الضمان خارج نطاق القانون، وهي أعنف الهزّات التي ضربت مؤسسة الضمان على مدار تاريخها، وأعني هنا الكثير من الأموال التي صرفتها مؤسسة الضمان على البرامج التي أطلقتها خلال جائحة كورونا بموجب أوامر الدفاع والتي تُقدَّر بحوالي ( 850 ) مليون دينار، وبعضها كما قالت المؤسسة غير مستردة وتقدر بأكثر من ( 80 ) مليون دينار أي قُدّمت على سبيل التبرع المحظور تماماً في قانون الضمان، وهذا ما لم يحصل من قبل أبداً مما يستوجب المساءلة والمحاسبة، كما يستوجب العمل على استرداد هذه المبالغ في أسرع وقت، علماً بأن أحداً على الإطلاق لا يملك التبرع بقرش واحد من أموال الضمان، إضافة إلى ضرورة التحقق من كل المبالغ التي صُرِفت وأنها ذهبت للمتضرّرين من منشآت وأفراد وضمن ما حدّدته أوامر الدفاع وبرامجها، إضافة إلى حصر المبالغ التي تبيّن بأنها صُرفت لمنشآت وهمية والتحقيق في أسباب ذلك..!
الهزّة الخامسة:

ضعف واضح في أداء صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، وارتفاع محفظة السندات الحكومية إلى أرقام ونسب فلكيّة حيث وصلت إلى (7.5) مليار دينار حالياً لتشكّل ما نسبته (56%) من موجودات الضمان حالياً وتعطل الكثير من استثمارات المحفظة السياحية، وإغلاق فندقين كبيرين وعدد من الاستراحات، وتدنّي معدل العائد الحقيقي على الاستثمار الذي لم يزد على (2%) وهو أقل من نصف العائد الذي تطلبه الدراسات الاكتوارية للمؤسسة.
الهزّة السادسة:
تفاقم ظاهرة التهرب التأميني وازدياد حالات عدم الامتثال لأحكام قانون الضمان بسبب ضعف استراتيجية المؤسسة في التفتيش والمتابعة الميدانية للمنشآت، والاعتماد بشكل رئيسي على الربط الإلكتروني وهو غير كافٍ، مما أدّى إلى بقاء مئات الآلاف من العاملين خارج مظلة الضمان في القطاعين العام والخاص.
الهزّة السابعة:
التعديل الخطير على نظام المنافع التأمينية الذي تم بموجبه فتح نوافذ كثيرة لحالات صرف تعويض الدفعة الواحدة للمؤمّن عليهم الأردنيين (سحب الاشتراكات) ما يُفقِدهم فُرَص استكمال اشتراكاتهم والحؤول دون تمكينهم من الحصول على راتب التقاعد مستقبلاً، وهو أمر ينتقص من منظومة الحماية الاجتماعية بصورة كبيرة، وستزداد معه أعداد المؤمن عليهم الأردنيين الذين يخرجون من النظام التأميني للضمان دون الحصول على أمن الدخل، علماً بأن ما يقرب من ثُلث المؤمّن عليهم الأردنيين فقط هم مَن يحصلون على راتب تقاعد الضمان حالياً..!
الهزّة الثامنة:
اعتماد هيكل تنظيمي مُضخّم للمؤسسة، تضمّن (6) مساعدين للمدير العام، وإدارات على شكل لجان، ولجان تمارس عمل الإدارات ومستشارين بلا أعمال، ونمو هائل في أعداد اللجان التأمينية والفنية والإدارية، وتداخل واضح في الصلاحيات، وتزاحم على عضوية اللجان التي تتخذ صفة الديمومة والتفرّغ بسبب ما يحصل عليه أعضاؤها من مكافآت شهرية تُضم إلى رواتبهم الخاضعة لاقتطاع الضمان..!
الهزّة التاسعة:
هزة "أزمة" الثقة بين مؤسسة الضمان وجمهورها التي نشأت بسبب الحديث المتكرّر والمتغيّر عن تعديلات قادمة واسعة على قانون الضمان، وضمن سيناريوهات متقلبة ومتغيرة من وقت إلى آخر، وتتضمن تعديلات تنتقص من مستوى الحماية الاجتماعية وتميّز بين المؤمّن عليهم، كما تُخِل بما كانت قد وعدت به المؤسسة عندما تم التعديل على القانون خلال عام 2019، الأمر الذي يُفقِد الثقة بالمؤسسة ويزيد بالتالي من نسب التهرب وعدم الامتثال للقانون.
الهزّة العاشرة:
كابوس التأمين الصحي، ولا أقول الحلم الذي لم يتحقق للمؤمّن عليهم والمتقاعدين والذي لم يكن ليرى النور في ظل سيناريوهات غير مدروسة بصورة كافية ومحفوفة بالمخاطر، طرحتها المؤسسة على عجل ورفعاً للعتب وحمّلت فيها كامل كلفة التأمين المقترح على المؤمن عليه والمتقاعد دون غيرهما وهو ما يتعارض مع كل المعايير الدولية للتأمين.