لماذا صناعة الفقر والجوع ؟ 2/2
ابتداء ًهل الجوع طبيعي في العالم بالرغم من تطور الوسائل الحديثة في الزراعة والصناعة وإمكانية مضاعفة الإنتاج؟
✓ وهل هناك تجويع متعمد وافقار مشهود تقف خلفه أياد خفية وعقول مفكرة ماكرة؟
✓ هل الدول القُطْرية العربية او بعضها الذي لا يمارس البطش المكشوف ويمارس شكل الديمقراطية يمارس هذه السياسية عامدا؟
✓ هل الدول الكبرى المحورية تتعمد ان تُبقي شعوب العالم جائعة باستثناء شعبها وربيبتها (اسرائيل)مع إمكانية كفايتها لو ارادت؟
✓ الا تخشى معظم الدول القطرية على نفسها من ثورة شعوبها عند تفشي الفقر وتآكل الطبقة الوسطى وانتشار الجوع والحاجة لدى شعوبها ولماذا لا تسعى لتخفيفها؟
✓ ولماذا توافق مرجعياتها الاستعمارية الكبرى المتحكمة بها والصديقة لها ان تتركها تُجيع شعوبها وتنهب مدّخراتهم القليلة وجيوبهم المفرغة وتجعل حياتهم المعيشية والصحية والتعليمية على حافّة الهاوية الا يخشون من ثورتها على اصدقائهم.
✓ أليست هذه وأمثالها مفارقات تحتاج للتفكير العميق من الأحزاب السياسية ورواد الإصلاح والتغيير؟
مما يؤسف له ان ثقافتنا سطحية في علم النفس والاجتماع وكيفية الهيمنة على الشعوب وابقائها ضعيفة كسيحة صامتة، هذه الحالة المعقدة في النفس الإنسانية لا يدركها معظمنا بينما يتقنها جيدا الخبراء المستعمرون في كيفية اسكات الشعوب، وأدرك الآن مدى خسارتنا من عدم الاهتمام بهذا العلم واعتباره ترفا لا قيمة له بينما تفنن فيه مستعمرونا ليهتدوا الى أسهل الطرق واقلها كلفة لإسكاتنا.
ويظهرانهم توصّلوا الى نظرية مفادها أن تجويع الشعوب وافقارها وسيلة فعالة لإبقائها تلهث وراء لقمة العيش ولتحقيق حاجاتها الغرائزية الأساسية وتأجيل الاحتجاجات الجادة الثورات.
وتجعل الانسان يتعلق تعلقا شديدا يصل حد البحث عن العبودية لمن يُؤمّن له بعض ضرورياته القليلة وحتى لو كان بالوعد الآجل !!
(ومن هنا ينتشر القول بان اللقمة التي تُوعد بها خير من التي تأكلها).
وجوز (اًمي) عمي، وخلينا نعيش، ويا ريت حبابي صاحي يطلبني مية حتى اشرب، واوضحها المثل الجاهلي القديم جوّع كلبك يتبْعْك.
وقد نقل عن (كلوب) وعلى مرأى من القادة الانجليز لإقناعهم في كيفية إدارة شعوب المنطقة حيث احضر قطع لحم صغيرة وركب السيارة وهو في الطريق يلقي بعضها فتتبعه الكلاب التي كانت تنبحهم وتخيفهم، ثم يمشي والكلاب تلحقه ليلقي لها قطعا اقل من الأولى ولم تعد تنبحه انما تتبعه، فاقنع من معه بنظريته في التعامل مع الشعوب المستعمرة سياسة زرعها وعمّقها ووّرثها وأوصى بها قومه واصدقاءَه، ولا زالت فاعلة مفعّلة يحافَظ عليها.
ومن خلال تجربة لخبراء في الحياة ودراساتهم في هذا المجال هناك استنتاجات منها: ــ
• أفضل طريقة لتأجيل ثورة شعب زيادة تجويعه.
• الجياع يوفرون الاستقرار والاستمرار لمن يستعبدهم في الغالب، وقد يحاربون المصلحين المطالبين بالعدالة والكرامة، والعاملين على تحسين معيشتهم، ويحاربون مع المتسلط عليهم الذي يستعبدهم، وقد يكونون سندا لمن يجوّعهم انتظارا لبعض الفتات وانْ قلّ. ويبطشون بمن يحاول انقاذهم من التجويع والمهانة،
• الجياع يتكاثرون في بلادنا العربية حيث يتمتع مستعبدوهم ويُسَرون بفقرهم وكلما كثرت توسلاتهم وشكواهم المخنوقة المستجدية، ويشعرون بالراحة والاطمئنان والاستقرار.
• بلادنا مليئة بالثروات الطبيعية المدفونة والظاهرة حقيقة لا ادعاءً، لكن المطلوب ان نبقى مُجوّعين مُفقرين ليستمر اللهاث خلف لقمة العيش ويستمر الاستقرار الموهوم !!
• توّصل العقل البشري وعلم النفس والاجتماع في الغالب أنَّ الجياع والمحرومين لا يصنعون ثورة بيضاء، انما قد يُحدثون الفوضى وقد يدمرون البلاد بحثا عما فقدوه او كانوا يطمحون اليه او مما حسدوا الغير عليه، فينهبون ويدمرون ,وقد يتمردون لكنهم لا يثورون ولا يبنون دولا توفر لهم حياة كريمة فسرعان ما تُسرق جهودهم ويندمون ويعودون للعبودية الأولى باحثين عنها.
تقول محررة العبيد السيدة هاريت توبمان الافريقية الامريكية التي انقذت 700 شخصا من الرق اضطُررت لحمل مسدس لتخويف بعض العبيد الذين احررهم ويصر بعضهم على الفرار والعودة لحظيرة العبيد ومنهم زوجي!!!
والسؤال هنا اذاً من هم الذين يمكن ان يحُدثوا التصحيح والثورات الوطنية البيضاء في بلادهم؟
يقول الخبراء في علم النفس وسياسة المجتمعات: ــ
ان الذي يصنع الثورات هو ليس الظلم فقط انما الشعور بالظلم، والسخط الاجتماعي المنظم من فئات اجتماعية من المفكرين من الطبقة الشعبية المتوسطة وليست الطبقة المسحوقة، وهؤلاء دخلهم يكفيهم /وان كان بالكاد/ ولديهم بيوت خاصة او لديهم قدرة على كفاية انفسهم ,ويملكون سيارات خاصة ويستطيعون الى حد ما تغطية نفقاتهم الضرورية من صحة وتعليم، ولكنّهم يرون الثراء يتنقل بين ايدي غيرهم رأي العين وليس لكفاءتهم، ويتأكدون ان ليس بالعلم والاجتهاد والكد يحصل المواطن على ما يستحق في وطنه، انما بمستوى النفوذ وحجم الارتباط بأدوات التسلط وديناصورات الاستعباد، وتحت لافتة الموالاة.
يصنعها الذين يمارسون التوعية المستمرة لمجتمعاتهم ولشعوبهم المقهورة والمؤمنون بحقها بحياة كريمة.
والذين يواجهون صناعة الجوع والتجويع والتخويف والتسكيت والتيئيس بصناعة ويتبعهم الجياع عند اقتناعهم بان مصلحتهم اصبحت معهم.
انّهم النخب الوطنية الجادة وان كانوا عملة نادرة زمن الانحطاط، ولا أعنى النخب الجالسة على رصيف الانتظار ترقبا لكسب شخصي متوقع وان كان على حساب المقهورين المسحوقين، وعندها فيشطبون من معادلة الإصلاح والتغيير ويصبحون حجة على المصلحين.
الثورة ليست التمرد او مجرد الاحتجاج لتي يمكن ان يمارسها الجياع فتؤدي للخراب والدمار فقط، انما هي حراك شعبي واع يستهدف تغييرا جذريا لفلسفة نظام الحكم الذي يحكمهم بمؤسساته وقيمه وممارساته.
ومما يؤيد ذلك في الغالب ان الثورة الامريكية عام 1775 قام بها المستوطنون الامريكيون الذين كانوا أحسن حالا من الفلاحين الأوروبيون المسحوقين وكذلك الثورة الفرنسية التي قام بها عمال وفلاحون أفضل حالا من نظرائهم الروس الجياع الذين لم يحركوا ساكنا رغم جوعهم.
ومن هنا فإن الذين يرجئون العمل الوطني المنظم الجاد حتى يجوع الناس أو يزداد جوعهم ومعاناتهم مخطئون ، وعليهم المبادرة وعدم الانتظار.
* الكاتب أمين عام حزب الشراكة والانقاذ