مقابلة الخصاونة.. تفاؤل مفرط و مغالطات بالجملة تدحضها الارقام
لم نفهم أبدا لماذا قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة إنه "يربأ بنفسه عن محاولة تفسير النطق الملكي السامي الذي عبر عن نفسه بوضوح"، معتبرا أن "هذا النطق أو هذه الزيارة الملكية هي أسمى من أن يسعى إلى تفسيرها في أي اتجاه"؟ الثابت أن هذا النوع من الزيارات و النطق الذي يتخللها يأتي ليعبر عن فكرة أو موقف أو توجيه ، فاذا رفضت الحكومة أن تفهمه أن تفسره أن تشتبك معه فما جدواه إذا؟! فالرئيس يربأ بنفسه، والحكومة تظنّ كلامه أسمى من أن يُفهم أو يُفسّر ويتحول إلى خطط وبرامج تنفذ على الأرض، فما قيمته ومعناه!!
ثم، عندما يقول الخصاونة إن العجز في الموازنة وصل إلى (٢) مليار دينار، وإن الحكومة مضطرة للاقتراض سنويا لسد هذا العجز، وهذا العجز المتفاقم لم ينجح هو أو غيره في الحدّ منه على الأقل، رغم كل المؤشرات الايجابية التي استعرضها باسهاب، ونذكر منها: ارتفاع حجم الصادرات ،ارتفاع العائد من القطاع السياحي ، ارتفاع العائد الضريبي من خلال مكافحة التجنب والتهرب الضريبي، تدفق الاستثمارات العربية والاجنبية ، رغم برامج التحديث الاقتصادي والزراعي والتنقيب والخطط والبرامج واللجان والاجتماعات ، رغم كل هذا ، يؤكد بنفسه تفاقم العجز و حاجتنا الى الاقتراض من جديد ، و يعود ليقول من جديد وبتصميم غير مفهوم " ان امامنا الكثير من الايام الافضل” ؟!!
لم يتحدث الخصاونة ابدا عن الانفاق ، عن حاجتنا لترشيد الانفاق ،لخفض العجز ، لم يُسأل ولم يُجب . فكيف سننجح في خفض العجز ما دامت الحكومة مستمرة بالانفاق وكاننا دولة نفطية او دولة ما زال القاصي والداني يمدنا بالمنح والمساعدات ، فعندما نتحدث عن ٥٨ مليون سنخصصها للديوان الملكي ،و ٨٤ مليون دينار ستخصص لرئاسة الوزراء ، و ٢٦ مليون سيتم تخصيصها لمجلس الامة ، والكثير من الارقام الصادمة الاخرى لبقية المؤسسات ، فعن اي ترشيد نتحدث ؟! وكيف سنوقف هذا النزف ، هذا العجر و الاقتراض الذي سيقودنا الى منعرجات اقتصادية ستضعنا امام تحديات لا يمكننا احتواء اثارها ابدا .
الرئيس بدا واثقا من نفسه ومن منطقية ما يقول، رغم تناقض نظرته المتفائلة جدا وما يمكن تحقيقه من "المستهدفات”، مع الارقام التي لا تشير الى اي تحسن في النتيجة النهائية، فما جدوى هذا التفاؤل اذا لم يترتب على ذلك انخفاض -ولو في حدود دنيا- في العجز على نحو يسمح في زيادة معقولة في الرواتب الثابتة منذ العام ٢٠٠٨، زيادة تمكن الناس من التعايش مع حجم التضخم الذي قال الرئيس إنه فخور بانه ظل في حدود ال ٤٪ !! انخفاض بالعجز يسمح بخفض الضريبة غير العادلة على المبيعات ، التي اكد الخصاونة بوضوح انها ثقيلة ومرتفعة ، وتتسبب في عرقلة النمو الاقتصادي والتنافسية وجذب الاستثمارات الاجنبية !! ما قيمة كل هذا التفاؤل والارقام التي قال الرئيس انها واعدة ، اذا لم يلمس الناس تحسنا في مستوى معيشتهم والخدمات المقدمة لهم ؟!!
الرئيس تحدث عن رفضه للسياسات الشعبوية التي قال انها تغامر بنا و تتسبب باهتزازات اقتصادية ومالية ونقدية ومصرفية ،هو لم يتحدث عن ماذا يقصد بذلك ، وهنا ايضا لم يُسأل ولم يُجب ، ونحن هنا بدورنا لا بد ان نسأل : لماذا يرفض المسؤولون في بلادنا ان يستجيبوا للمواطنين ؟ ما هي مشكلتهم مع الناس ؟! الاصل ان الشعب هو مصدر الشرعيات جميعا ، ورضى الناس هو غاية منى كل من يجلس على كرسي المسؤولية ؟ فما سر هذا العداء للناس ، ولماذا يرفض الجميع ان ينسجموا مع نبض الشارع ويتماهوا مع قناعاتهم وتصوراتهم ومواقفهم واتجاهاتهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم ؟ ثم كيف تتحول الشعبوية الى خطر مدلهم على الدولة ؟ هل بتنا نشكل نحن الاردنيون بارائنا و تصوراتنا ومواقفنا خطرا على الدولة ؟! ما هذا الكلام غير المتماسك وغير المقبول ؟!!
اما عن الثوابت الوطنية الراسخة ، فلقد اكد الرئيس ان الاتفاقيات الاقليمية التي قال انها استراتيجية في مجال الطاقة والمياه ، لن تمس الثوابت الاردنية الراسخة ، وهنا نجد لزاما علينا ان نؤكد ان هذه الاتفاقيات تشكل خطرا حقيقيا على دولتنا ، وتضرب تلك الثوابت في مقتل ، لا يمكن ان نفهم ، ان نهضم، ان نستسيغ افتراض ان توقيع هذه الاتفاقات منسجمة مع ثوابتنا الوطنية ، هذا ليس صحيحا ، يمكن ان نقبل قول الرئيس ان الحكومة اضطرت لتوقيع هذه الاتفاقيات مرحليا ،لدوافع برغماتية لها علاقة في ظروف اقتصادية وسياسية ذاتية وموضوعية لا نعرفها ، وهذا ليس بالضرورة دقيقا ، ولكن لا نقبل ان يقول انها لن تؤثر على ثوابتنا الراسخة ابدا. هذه المزاوجة التكاملية الاقتصادية غير المشروعة مبدئيا وشعبيا لها كلفها السياسية والامنية الكارثية ، واظن الرئيس يعرف ذلك جيدا ، وربما اكثر من كاتب هذه السطور ..
واخيرا ، في مسألة الحقوق والحريات ، لم يسهب الرئيس في هذا الامر ، و يبدو انه نسي ان هناك عددا كبيرا من النشطاء يقبعون في غياهب السجون ، وان بعضهم قد لجأ للاضراب المفتوح عن الطعام ، ليعبر عن رفضه لنهج الاعتقالات السياسية ، يبدو انه نسي المعتقل حمد الخرشة الذي ما زال مضربا عن الطعام منذ 96 يوما ، وان حياته مهددة بالخطر ، نسي ملف نقابة المعلمين ،والقرار القضائي الذي يقضي بعودتها ، نسي ملف المعلمين المحالين الى التقاعد الاستيداع وما يعانونه جراء موقفهم الداعم لنقابتهم ، ونضالهم من اجل حقوقهم الدستورية والقانونية .. نحن نعرف انه كان سؤالا محرجا للرئيس ، ولكنه استطاع بذكائه المعهود ان يلتف عليه ويحوله هو ايضا الى منجز لا نرى له اثرا على الارض …