ما قَبل الطّوفان

 
أَما لَكَ في المَوتِ المُحَتَّمِ وازِعُ
وَيومِ حِســابٍ لِلمُكابِــرِ رادِعُ

أَما لَكَ في التّاريخِ مَوعِظَةٌ فَكَمْ
تَقَفَّـتْ خَطيئاتِ الولاةِ المَراجِعُ

أَما لَكَ عَيْنٌ تَلحَظُ البُؤسَ ماثِلاً
بِأَعيُنِ شَعبٍ أَهلَكَتهُ المَواجِعُ

فَكيفَ لِقَلبٍ لا يَلينُ وَيَرعَويْ
وَكَيفَ لِعَينٍ لَيسَ فيها مَدامِعُ

لَقَد أَسمَعَتْ أَنّاتُهُمْ نَجمَ السَّما
وَما في قُصورِ الحُكمِ مُصغٍ وَسامِعُ

تَلَهَّوا بِكَنزِ المالِ وَالمالُ شاهِدٌ
على أَنَّهمْ ضَلّوا وضَلَّ المُبايِعُ

وَلولا فَسادُ الحُكمِ ما كانَ عاطِلٌ
وَلا كانَ مَظلومٌ وَلا كانَ جائِعُ

وَلكِنَّـهُ حُكـمٌ تَفَــرَّدَ نَهجُــهُ
فَحالَفَـهُ عَبدٌ وَلِصٌّ وَخانِـعُ

إِذا كانَ في فَنِّ السِياسَةِ صَنعَةٌ
فَلَيسَ كَمِثلِ الصَّانِعِ المُتَصانِعُ

وَرُبَّ أَميرٍ واحِدٌ في حُكمِـهِ
وَحِكمَتُهُ شُورى وَفي الرَّأيِ بارعُ

وَرُبَّ أَميرٍ ضَيّعَ النَّاس طَيشُهُ
فَقرٌ وَذُلٌّ حُكمُـهُ وَفضائِـعُ

وَلَيسَ بِغَيرِ العَدلِ شَأنٌ لِقائِدٍ
لِتَفديهِ أَو تَحنو عَليهِ الأَضالِعُ

حَرِيٌّ بِشمسِ الأُردُنيِّ طُلوعُها
فَلا البَدرُ مَنظورٌ وَلا النَّجْمُ طالِعُ

وَكَيفَ لِشَعبٍ يَهتَديْ لِطَريقِـهِ
وَقَد طالَ لَيلٌ لَيسَ فيهِ طَوالِعُ

يَقودُ رِقابَ النَّاسِ قَومٌ تَوارَثوا
خُنوعَ الجَواريْ شُغلُهُنَّ المَخادِعُ

إِذا مَلَّ مِنها سَيّدُ الدَّارِ واكْتَفى
فَأُخرى إِلى حُضْنِ الهَوانِ تُسارِعُ

لُصوصٌ بأَلقابِ المَعاليْ وَإِنَّهُمْ
عِصابَةُ شَرٍّ يَمتَطيها المُخادِعُ

يُحَرِّكُهُمْ أَنّى يَشاءُ كَبيرُهُمْ
وَتَلهوْ بِهِمْ خَلفَ السِّتارِ الأَصابِعُ

أَلا إِنَّما الأَيامُ تَمضيْ سَريعَةً
فَطوبى لِمَنْ آبوا وَلِلحَقِّ سارَعوا

وَتَنفَعُ أَنوارُ النَصيحَةِ عاقِلاً
وَما النُّصحُ في مَوتى الضَّمائِر نافِعُ


وَلَوْ حَطَّ عُزرائيلُ عِندَ فِراشِهِ
لَظَـلَّ لِإِبليـسٍ غَباءًا يُتابِعُ

لَكَ اللهُ يا أُردُنُّ مِن مِئَةٍ مَضَتْ
كَأَعوامِ نوحٍ كُلُّهُنَّ مَواجِعُ

شاخَتْ بِهِ دُنياهُ والهَمُّ والأَسى
فَلا قَومُهُ آبـوا وَلا الإِبنُ طائِعُ

لَقَد أَوشَكَ الطّوفانُ يَأتيْ بِسَيلِهِ
فَمَنْ يا بلاديْ لِلسَفينَـةِ صانِعُ