بهدوء وحيادية .. الحكومة والنوّاب هم من أشعلوا الإضراب!
ابتداءً لن أستخدم أية كلمات ناقدة بحق الحكومة وأركانها أو النوّاب ومجلسهم، ليس عن فقرٍ في المعلومات، ولكن عن رغبةٍ في تحليل ما يجري وأسبابه وكيفية الخروج من هذا المأزق الوطني الحقيقي.
منذ أن استلم الخصاونة الحكومة لم يصدر عنه تصريحات مريحة شعبياً ولو من باب المجاملة أو التسويف والمماطلة، ويبدو أنه من مدرسة المواجهة المباشرة التي تكشف عن الجروح لكنها لا تمتلك أية تعقيمات أو علاجات جذرية له.
كما أن كثيراً من تصريحاته التي شاعت في مختلف الأوساط الإعلامية فضفاضة وعامة يمكن قبولها من محاضرفي مؤتمر علمي أو من شاعرٍ يتغزّل بالحياة والحبيبة وهو لا يمتلك أجرة الحافلة التي ستوصله إلى منزله. لقد ذهبت عديد من التعبيرات التي أطلقها الخصاونة ليخلدها مخيال الثقافة الشعبية ويتداولها من باب الطرائف والإرث الاجتماعي والتراث الرسمي.
إن الشعب في فاقةٍ لا ينكرها إلا عديم البصيرة، والحاجة تشتدّ والضنك يزداد والأفق يضيق والآمال تتلاشى، فيخرج الخصاونة يحدثنا عن قادمٍ أجمل.
ربما في القديم القريب كان يمكن تمرير أشياء كثيرة دون الخشية من ضجّة أو رفض شعبي واسع لها، حيث كانت مصادر المعلومات شحيحة وخاصة وسرية ويصعب الوصول إليها، حتى أن معادلات لجنة تسعير المحروقات بقيت لسنين طوال وكأنها أحد الأسرار المقدّسة التي لا يستطيع الشعب استيعابها وهضم أرقامها. كما هو الحال مع التخاصيّة التي حفظت في الأدراج طويلاً وتم تقديمها على أنها الحل السحري للمديونية وللرفاه الإقتصادي والتطوّر الاجتماعي، وطويت ملفاتها كلها تحت بند عدم المسؤولية أو عدم ثبوت الإتهامات.
لنكن صريحين فإن رئيس الحكومة عبر تصريحاته هو السبب الأساس في الاستفزاز الشعبي، كما أن مستويات ومنسوب ردود أفعال الحكومة لا ترتقي لمستوى الاحتقان والتوتّر الذي يجري على الأرض، وكأن البلد في أزمة والحكومة في رحلة.
أما النوّاب فهذه حكاية بذاتها تعمل على زيادة مستويات النوبات القلبية والدماغية، خاصة وأن هناك من النوّاب من أصبح تريند على مواقع التواصل الاجتماعي في قفشات وهزليات ومساخر لا ترتقي أبداً لمصاف المكانة النيابية وما يترتب عنها.
لم يشعر الشعب في ظل الدورة النيابية الحالية أن هناك مجلساً حقيقياً يحمل همهم ويسعى لتبني مطالبهم ويتحرى تلبية احتياجاتهم، عبر سلسلة من الممارسات التي تتصف بالشخصنة ما بين الرغبة في بقاء أبواب الوزارات والإدارات والرئاسة متاحة ومشرعة لهم ولمصالحهم الشخصية، وصولاً إلى نائب يستهزئ بالشعب بأن من لا يعرف أنه في البرلمان فهو لا يعرف أن المدرج الروماني في عمان، وأكملها ثالث عبر إصدار بيان خاص به متبنياً مظلومية لأحد أقاربه الذي تم تحويله من مدير إلى رئيس قسم، فيما يستمر أحد النوّاب برمي قنابل فراغية عشوائية شريطة أن يكون الإعلام حاضراً، وهو الذي يزعم حمله لمئات الملفات لفسادٍ هنا وهناك، لكنه لم يفتح منها ملفاً واحداً.
عودة للحكومة فإن ما يجري من اعتصامات وتعطيل للمرور وقطع الطرق، ليس هو المرض وإنما هو العرض الذي نتج عن عدم مبالاة الحكومة في مشاعر واحتياجات البشر، كيف لا وهي التي جعلت سعر لتر الكاز مقارب للبنزين، مع أنها تعلم بأن صوبة الفوجيكا الحمرا هي المتوفرة في منازل 90% من المواطنين.
وأيضاً فإن الشعب الذي أصبحت كافة المعطيات والمعلومات متاحةً امامه، لا يستطيع فهم المعادلات الحكومية لكثيرٍ من المواقف وخاصة موضوع رفع أسعار المحروقات الذي تواصل طيلة عام 2022 عبر ما سمي بالرفعات المتتالية والتي أوصلت السعر ليكون بمستويات غير مسبوقة والأعلى بين كافة الدول، خاصةً وأن الأردن لديه الخيارات الكثيرة التي لا تتاح لكثيرٍ من الدول، من حيث إمكانية توفير النفط بأسعار تفضيلية من دول الخليج والعراق المجاورين، وهي ميزات غير متاحة لدول بعيدة ومستوردة للنفط، لكنها مع ذلك لم يصل فيها سعر المحروقات إلى المستويات التي وصلها لدينا.
إن الوضع الحالي لا يبشّر بكثيرٍ من الأمل في القادم، فالتوظيف أصبح من المعجزات ولم يعد من دورٍ لما يدعى بديوان الخدمة المدنية، اما التشغيل والزعم بوجود فرص عمل فيما يدعى بسوق العمل لكنها تتطلبلامهارات مهنية، فهذه أيضاص خديعة اخرى لأن الشواهد تؤكد عدم وجود سوق عمل ناهض وناشط ليستوعب أعداداً تتزايد من العاطلين عن العمل. فيما الحركة التجارية في أدنى فعاليتها، فلا بيع ولا شراء بسبب الشلل في المقدرة الشرائية. والحديث غير بعيد عما سبق عن التعليم الأساسي والثانوي والمهني والجامعي، وعن الصحة وأوضاع المستشفيات والمراكز الصحية، عن الأزمة المتواصلة والمتصّلة طيلة اليوم على الشوارع، عن الفقر الواضح في العيون والقلوب وعن العنف المجتمعي المتنامي.
الحقيقة الحديث يطول فيما لا ينبغي الحديث فيه.