توضيحات اردنية!

- بات من الضروري ، ان يكون واضحا ، للعديد من الأطراف في الأردن وفي المحيط الإقليمي والدولي ، ان أي بحث جدي وموثوق به ، في ما يتعلق بمستقبل الأوضاع في هذه البلاد الواقعة بين البحر لابيض المتوسط وحدود السعودية والعراق ، يجب ان تحكمه حقائق أساسية ترتبط بحقوق أساسية لشعوبها ، غير قابلة للعبث او التصرف تبعا لتصورات او اجندة استخفافية ، يمتلك أصحابها نوعا من (الجرأة الابراهيمية ) التي تكشف بشكل خطير عن مدى استخفافهم بحقائق الصراع في المنطقة ، انها جرأة خطيرة لان الامر ببساطة يتعلق بمصير ثلاثة شعوب معترف بها في القانون الدولي ، لا شعبين ، ولا شعبا واحدا فقط ، حتى لو كان هذا الشعب الواحد فقط ، يعتقد انه يرتبط بعلاقة خاصة مع السماء.
ولما كان الطرفان الفلسطيني والأردني في هذه البلاد قد اعترفا بشكل نهائي بوجود الطرف الثالث الذي هو دولة إسرائيل ويتبادلان معها كافة اشكال الاعتراف الرسمي ، فان هذا يستدعي بالضرورة اعترافا حقيقيا ونهائيا بالوجودين الفلسطيني والأردني كلا على حدة ، سواء من قبل إسرائيل او من قبل الطرفين ببعضهما ، اعترافا كاملا يشمل الأرض والشعب والهوية ، لسد الطريق امام اية محاولات رعناء للعبث بوجود هذه الشعوب ومصائرها.
لا داعي للاستغراب، فلا غريب الا الشيطان الذي يحوم حولنا ، واحيانا نرصده متخفيا بيننا ، تارة بملابس رياضية وتارة أخرى بملابس فرق بحث اركيولوجي او مجموعات سياحية، وفي بعض الأحيان يبعث الينا برسائل اغوائية عبر مجلة الفورين بوليسي او موقع العربية نت ، او بواسطة وكلاء محليين واقليميين مدركين او غير مدركين ، وقد يكونون عملاء بالمعنى الاستخباري للكلمة ، يمررون الينا نفس الرسائل السابقة ولكن بلغة شبه محلية ، لا يشتمل قاموسها الا على عدد محدود من المفردات الاستبدالية والمفاهيم المستعارة ، مثل: العقد الاجتماعي الجديد ، الهوية الجامعة ، دمج اللاجئين ، حقوق أبناء الاردنيات ، وحقوق السكان الأصليين ، وصولا الى حقوق الكلاب المصابة بداء الكلب وحقوق فئة أخرى ، ولا يخفى على المهتمين طبيعة البرامج المصاحبة لطرح مثل هذه المفاهيم ولا طبيعة القنوات التمويلية والإعلامية والتسويقية الداعمة لها ، مع مزيد من الرسائل المشابهة عبر إصدارات معهد كارنيجي / فرع بيروت ، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
وعلى ضوء ما يجري في إسرائيل حاليا من صعود للمجموعات المتطرفة، المتزامن مع انتشار عدوى ما يسمى السلام الابراهيمي واتساع نشاطات اطرافه في مجالات حساسة ، فإننا نطالب الحكومة الأردنية ان تثق بنفسها وتعترف بشعبها ، الذي هو الشعب الأردني المعترف باستقلال دولته منذ العام 1946، ولا نظن ان لهذا الشعب أي اسم اخر ، فهو لا يسمى العشائر ولا الايست بانكرز ، ولا هو هذه الأقلية وتلك الأغلبية ، ولا هو مجاميع بشرية مختلفة الأديان واللغات والاعراق ، تنتظر استصدار هوية تجمعها.
ولما كانت حكومة إسرائيل قد حسمت امرها واعترفت بنفسها وهويتها بشكل نهائي ، ولما كان الشعب الفلسطيني أيضا قد حسم امره بشكل نهائي ورسخ هويته ، ونال اعتراف العالم بعد عقود طويلة من الكفاح ، ظل خلالها العدو ينكر وجوده ويسعى لتحويل قضيته الى مجرد قضية لاجئين كسائر لاجئي الكوارث الطبيعية الذين يمكن اغاثتهم وإعادة توطينهم ودمجهم في المجتمعات الاخرى، فانه يترتب بكل تأكيد على الطرف الأردني ان يحسم امره بشكل نهائي.
واذا كان لا يزال يحلو لأية مجموعة متطرفة ، ان تدعي ان هذه البلاد كلها لها ، فان هذا الفكر المتطرف يصبح خطرا فعليا حين تصل مثل هذه المجموعات الى مراكز القرار وصنع السياسات في الدول ، لذلك يتوجب علينا في الأردن ان نكون مستعدين لاستدعاء اساطيرنا وتعبئتها على الجبهة، ولا بأس من التذكير باننا نمتلك ما يكفي من عناصر القوة الدفاعية المدعومة بترسانة ثقافية صلبة ، كما يمتلك شعبنا هيئة سيمائية عامة غنية بالرموز والمعاني المفهومة بدون أي كلام.
لسنا قلقين ، فوجودنا في بلادنا اكبر من ان ينفيه احد ولا يحتاج تأكيدا من احد ، كما اننا نعرف ان كل الشعوب كانت عبر التاريخ عرضة للتهديدات والحروب والنزاعات ، واذا كان يقال عادة ، لأهداف سياحية ، بان البلاد الأردنية عبارة عن متحف طبيعي كبير، فان من المهم الإشارة الى ان هذا المتحف تشتمل بعض محتوياته على جماجم كثيرة لغزاة سابقين ، في ام العظام والكرامة ومواقع أخرى.
واذا كانت ثقافتنا العميقة تزخر بالأدبيات الدفاعية والتعرضية التي تعلي من أهمية حماية الاهل والديار ، فان احد مرتكزات عقيدتنا هو ضبط شرور انفسنا ، وتخليص اعدائنا من شرور انفسهم ، لكننا وبصورة ثابتة نريد ان يعم السلام في هذا الجزء الحساس من العالم ، سلام يجب ان يكون عادلا ومكتملا لكي يكون دائما ومستقرا ، لا ينكر في ظلال عدله احد وجود احد ولا يحقق احد أهدافه على حساب احد ، فنتائج الصراع المستمر تفيدنا بان كل الدماء التي اريقت او يمكن ان تراق لم تنجح ولن تنجح في الغاء حقيقة وجود أي شعب ، واذا كان بنيامين نتنياهو لا يزال يؤمن بان العرب هم العرب وان البحر هو البحر ، فاننا لا نزال نؤمن بان الأردن ولد في النار وانه ليس جورعة.