البلد طابقين.. وهذه طريقة تفكير مسؤولينا!
بعد حديث الشباب في الشارع في معان والجنوب، لم يبقى كلام لمثلي في عمان ولكن اسمحوا لي بالتحدث بما يجول بخاطري بصراحة.
أشعر البلد وكأنه مكوّن من طابقين مفصولين تماما، طابق علوي تعيش به الطبقة الحاكمة ومريديها ونسبة محدودة من المواطنين تعيش بحياة مترفة رغيدة لهم اهتمامتهم ورغباتهم وحياتهم الخاصة التي لا تشبه حياتنا. وطابق أرضي يعيش به بقية المواطنين مسحوقين محرومين يلاحقون قوت يومهم ويحاولوا أن يوفروا لأولادهم الحد الادنى من العيش بكرامة.
والمشكلة، أنه وبالرغم من كلّ ما يملكه سكان الطابق العلوي من وسائل تتيح لهم معرفة كل تفاصيل معيشة أهل الطابق الأرضي المعدومة (وحتى أن يعدّوا عليهم أنفاسهم) إلا أنهم يواصلون الضغط عليهم وتحميلهم ما لا يطيقوه، وفوق ذلك يتعاملوا معهم بعجرفة وتكبّر، حتى وصل الامر الى اعتبار دعم "جالون الكاز" الذين يقتصد أهل الطابق الأرضي في استعماله على مدار الاسبوع لتدفئه اطفالهم "ترفا".
طبعا أهل الطابق الأرضي يشاهدون السيارات الفخمة التي يستعملها جيرانهم في الأعلى ويدفعون ثمنها وثمن وقودها وصيانتها من الضرائب والرسوم التي ترهقهم، ويسترقون النظر للباس الراقي الذي يلبسه هؤلاء القوم ويسمحون لنفسهم بالتمتع برائحة العطور الباريسية التي يستعملها جيرانهم المترفين والتي تبلغ اقل قيمة لعبوة واحدة منها دخل شهر كامل لعائلة من سكان الطابق الارضي، وفي بعض الاحيان يستفيدون من بقايا العلب الفارغة والتي كانت تُغلّف مشتريات جيرانهم الميسورين والمطبوع عليه أسماء الماركات العالمية لحرقها وتدفئة أنفسهم بها لعدم تمكنهم من شراء جلن الكاز.
طبعا من خلال احتكاكي مع بعض اصحاب الطابق العلوي من خلال عملي او نشاطي العام او بحكم زمالتي مع البعض منهم على مقاعد المدرسة او الجامعة، وبعض هؤلاء الزملاء ولو انه يسكن بالطابق العلوي لكن شعوره وقلبه مع أصحاب الطابق الارضي، لمحت طريقه تفكيرهم ونظرتهم لاهل الطابق الأرضي، وسأروي لكم قصه قد تظهر طريقة تفكيرهم..
حضرت في مطلع العقد الاول من هذا القرن اجتماعا عقدته وزارة سيادية لمناقشة "تقارير حقوق الانسان" بصفتي رئيس لجنة حريات في نقابة المهندسين، و ترأس الاجتماع وزير وازن، وكان من ضمن الحضور مدير لإحدى دوائر الوزارة انذاك واصبح الآن مسؤولا رفيع المستوى.
طرح الوزير الوازن آنذاك بان المشكلة الرئيسة في البلد أن الملك متقدم على الحكومة وعلى الشعب، و قد جاء دوري في الحديث ورددت بانفعال -لا أقوى عليه في الوقت الحاضر مع التجربة وتقدم العمر- بأن حلّ المشكلة الرئيسة التي تطرق لها الوزير بسيط بخصوص تغير الحكومة لتناسب تقدمية حركة وامال وطموح "سيدنا"، ولكن كيف نستطيع حل مشكله تقدم الملك على الشعب هل نغير الشعب او نبدله مثلا؟
فرد المسؤول الحالي رفيع المنصب (والذي كان مديرا انذاك) بكل عجرفته و تحديه الذي نلمسه اليوم منه، "نعم نغير الشعب"، فقام الوزير الذكي الذي كان يترأس الاجتماع بتغيير الحديث لتلافي الاحراج الذي شعر به من رد احد مسؤولي وزارته بعد ان انفجر الحضور بالضحك على جواب هذا المسؤول الألمعي..