أصلها فلسطيني وكلماتها حماسية.. قصة أغنية الثورة التونسية

في عام 2011، وإبان اندلاع الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها من محافظة سيدي بوزيد في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، ثار شباب المحافظة، كلٌّ على طريقته، في الساحات والأزقة، ليلا ونهارا، ومنهم من وظّف صوته لشحذ همم المتظاهرين المطالبين بالحرية والكرامة.

خالد فالحي فنان معتزل، ابن سيدي بوزيد، رحل في حادث مروري مأساوي في يوليو/تموز 2022، لكنه خلف وراءه ذكرى جميلة لدى جميع التونسيين باعتباره منشد الثورة التونسية وصاحب فكرة أغنية الثورة "ما أحلى القعدة على الميّة (الماء) وما أحلى الربيع، ما أحلى الثورة التونسية تضمّ الجميع".

 
منيرة حجلاوي_إحدى جداريات الثورة في شارع مدينة سيدي بوزيد_تونس_سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت (صورة المراسلة)
إحدى جداريات الثورة في شارع بمدينة سيدي بوزيد في تونس (الجزيرة)

أنشودة الثورة

من روح المقاومة الفلسطينية ونضال شعبها، استلهم الفنان الراحل فكرته التي تعود جذورها الأصلية إلى التراث الموسيقي الفلسطيني، إذ تقول كلماتها الأصلية: "ما أحلى القعدة على الميّة (الماء) وما أحلى الربيع، ما أحلى الأمة العربية تضم الجميع"، وأصبحت تونسية الروح تتغنى بها الحناجر الثورية إلى اليوم.

تقول كلمات الأغنية الجديدة النابعة من الواقع التونسي: "يا أمي يا أخواتي لا تحزنوا، نور الثورة في قلبي ما زال حيا، راجع لبلادي عبر الجبال.. وين يتلاقوا أندادي في الساحة رجال.. عزك يا تونس شامخ ما زال والثوري ولدك فارس خيّال…".

يقول الفنان سفيان السهيلي، ابن سيدي بوزيد، إن فكرة خالد لم تأت من فراغ، إذ انخرط بموسيقاه في الثورة لأن الراحل ينحدر من أسرة مجاهدة ومن مدينة الرقاب العريقة والثورية منذ عهد الاستعمار الفرنسي، وقدمت شهداء، وهي ثاني المدن التي انتفضت بعد مدينة سيدي بوزيد.

أغنية وطنية

لهذه الأغنية وقع خاص في نفس السهيلي نظرا لتوجهه القومي العربي. يقول للجزيرة نت إن "بريقها لم يخفت إلى الآن، لأنها أغنية وطنية بالأساس، مليئة بالمشاعر التي تمس مباشرة التونسيين المؤمنين بالثورة".

ويشير إلى أنه يغنيها في حفلات عدة، سواء داخل محافظة سيدي بوزيد أو خارجها، بطلب من الجمهور. كما أنها الأغنية الرسمية لمختلف التحركات الاحتجاجية والتظاهرات الثقافية وليوم إحياء ذكرى الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، "لتُذكّر الجميع بأن الثورة ما زالت قائمة وحيّة حتى تحقق أهدافها كما ينبغي"، وفق تعبير السهيلي.

صديق الجميع

بدوره، يصف الناشط في المجتمع المدني في سيدي بوزيد هشام مصباحي الفنان الراحل خالد فالحي بأنه صديق الجميع، وبأنه كان من الأوائل الذين مجّدوا الثورة التونسية ورسّخوا النفَس الثوري في أذهان الناس.

ويؤكد مصباحي للجزيرة نت أن الأغنية أصبحت أحد رموز الثورة التونسية، وهي أولى الأغاني التي انطلقت في شارع الثورة في العاصمة "عندما كان هناك شباب متحمس من أجل إنقاذ البلاد من براثن النظام السابق وحالم بتغيير الواقع نحو الأفضل".

ويوضح أنها من الأهازيج الثورية التي أخذت الصدى الأكبر وأصبحت شرارة الثورة، وكانت حاضرة في كل التحركات، على غرار اعتصامي القصبة 1 و2 واعتصام الرحيل في باردو 2013 في العاصمة تونس، ولم تعد أغنية محلية وحسب بل وطنية.

وعن وقع الأغنية في نفسه، يقول إنه يعجز عن وصف شعوره عندما يكون وسط جموع غفيرة وهي تردد في الوقت ذاته كلماتها المفعمة بالأحاسيس الصادقة "والتي تشعرك بمسؤولية كبيرة تجاه الوطن".

حية وقوية

يرى مصباحي أن "قيمة الأغنية الثورية، خصوصا عندما تذاع في ساحات النضال، تكمن في أنها تدفع لا إراديا بأي إنسان يئس يوما ما من الثورة لاسترجاع تماسكه وإيمانه بها، كما تشده كلماتها ولحنها بطريقة رهيبة وتشحن عزيمته مجددا وتعيده طوعا ومخدّرا إلى الاحتجاج في الشارع"، وفق تعبيره.

ويعتبر أن هذه الأغنية ما زالت حية وقوية وستظل كذلك، مشددا على ضرورة العمل على تعليمها للأجيال المقبلة، وترديد قصتها ومعانيها على مسامعهم وحفظها في الذاكرة الوطنية، لأنها الأغنية الوحيدة المعبّرة عن التونسي البسيط الذي ردّدها بكل صدق، بعيدا عن أي انتماء سياسي أو حزبي.

المصدر:الجزيرة+مواقع التواصل الاجتماعي