كيف أخطأت حسابات «المنحوس» هذه المرة … وتغاريد خارج السرب عن «مونديال» قطر!

هذه المرة، لم يَصْدُق «نحس» المشجّع العُماني الشهير بـ «المنحوس»، ترجّاه الكثيرون ممّن يُصدّقون «تنبؤاته» و»يتطيّرون» بألوان القمصان الرياضية التي يرتديها، وطلبوا منه ـ قبل المقابلة التي جمعت الأربعاء بين المنتخبين المغربي والفرنسي ـ أن يرتدي قميص «الديوك»، حتى يصيبهم نحسه، ويتحقق الفوز المنشود لـ»أسود الأطلس».
وفعلا، استجاب الرجل للطلب، ولكن النتيجة كانت مخيّبة للإنتظارات، ومحطمة للأحلام التي نسجتها الجماهير العربية المتطلعة إلى انتصار قوي على الفرق الغربية الكبيرة!
على كل حال، لقد سجّل الفريق المغربي في «مونديال» قطر حضوراً مشرّفاً وغير مسبوق عربيا أو إفريقيا. صحيح أن اللاعبين المغاربة خسروا النتيجة أمام الفرنسيين، ولكنهم ربحوا تقدير العالم لهم وإعجابهم بأدائهم وسلوكهم وبالقيم الإنسانية النبيلة التي جسدوها في ذلك المنتدى الرياضي العالمي.
أما «المنحوس» المذكور (أكتب هذا اللقب بتحفظ شديد واعتراض مبدئي، لأنني أرفض نعت الناس بمثل هذه الألقاب، كما لا أؤمن بالتطيّر)، فإنه مجرد ظاهرة إعلامية برزت في «المونديال»، من باب التسلية والطرافة والبحث عن الغريب والمدهش، سعيا إلى استمالة الجمهور وتحقيق التشويق لديه.
كان الرجل يبدو بسيطا وتلقائيا وضاحكا وبشوشا، وهو يعدّد أمام إعلاميي القنوات الإعلامية «إنجازاته» و»خوارقه». يقول إنه كلما شجع منتخبا ما إلا وتلقى هزيمة نكراء، ونقل عنه تلفزيون «بي إن سبورت» قوله: «منتخب كرواتيا هو الضحية التاسعة، في البداية شجعت الأرجنتين وخسرت أمام السعودية في الجولة الأولى من دور المجموعات، شجعت قطر في الافتتاح وخسرت أمام الإكوادور، شجعت السنغال وخسرت (أمام إنجلترا في ثمن النهائي)، شجعت البرازيل وخسرت أمام كرواتيا (في ربع النهائي)، شجعت كوريا ضد البرازيل (في ثمن النهائي) وخسرت كوريا، شجعت هولندا والبرتغال وإسبانيا وكرواتيا وكلها خسرت». وأعاد الموقع الإلكتروني للتلفزيون الروسي الناطق بالعربية نشر هذا التصريح المثير.
هكذا، إذن، لم تعد القنوات العالمية تستعين بالخبراء والمحللين الرياضيين، بل أصبحت تعتمد كذلك على المنجّمين وضاربي الكف ومن يوصفون بـ»المنحوسين»!
ولذلك، نقول «كذب المنحوسون ولو صدقوا» على غرار القولة الشهيرة «كذب المنجمون ولو صدقوا»!

حرب دينية؟

إذا كانت مباريات المنتخب المغربي لكرة القدم قد أبانت عن مشاعر إنسانية فياضة، وأكدت على الارتباط القوي بالقيم الأصيلة، فإن البعض حوّلها إلى ما يشبه حربا دينية، وقد تعدّى الأمر تدوينات أو فيديوهات متداولة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إلى درجة أن إحدى القنوات العالمية اعتبرت لاعبين من المنتخب المغربي متطرفين دينيا، فقد بثت قناة ألمانية صورة فوتوغرافية للاعبين مغاربة يحتفلون بوصول الفريق القومي إلى نصف النهائي، من خلال رفع السبابة (أصبع التشهد)، فشبّهتهم بما كان يفعل أتباع ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف اختصارا بـ»داعش»!
الإعلامي المغربي المقيم في فرنسا محمد واموسي علّق على المسألة بالقول إن القناة التلفزيونية الألمانية لم تهضم خروج بلادها من الدور الأول وبلوغ المغرب نصف نهاية المونديال، فقالت إن لاعبي المنتخب المغربي ينشرون قيم التطرف «الداعشي» لرفعهم أصابع التشهد وحملهم علم فلسطين. وبنبرة ساخرة تابع قائلا في تدوينته «أتصور إذا تأهلنا لنهاية كأس العالم سيقولون إن لاعبي المغرب هم مَن فجر برج التجارة العالمي».
أما في باريس، فقد وصلت كراهية السياسي العنصري إيريك زمور للعرب والأفارقة إلى درجة إطلاق تصريحات مقيتة عبر إحدى القنوات التلفزيونية، حيث طالب المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية بالحسم في مسألة التشجيع، إما الوقوف بجانب منتخب «الديوك» أو بجانب «الأسود». ففي نظره الازدواجية غير مقبولة، ذاك هو الظاهر من كلامه، أما باطنه فهو: بما أنكم تتنفسون هواء فرنسيا وتحملون جواز سفر أوربيا، فمن الضروري أن تشجّعوا الفريق الفرنسي.
الكوميدي جمال الدبوز جسّد هذه الهوية المزدوجة من خلال ارتداء قميص نصفه مغربي والنصف الثاني فرنسي، وظهر به على هامش لقاء منتخبي «الأسود» و»الديوك».
وفي سياق آخر، جاء الجواب مدويا من مواطن فرنسي مشهور، هو المدرب هيرفي رونار الذي أعلن قبل المباراة أنه سيشجع المغرب، وردّد على مسامع متابعي إحدى المحطات الإذاعية «أنا فرنسي، ولدت في فرنسا، ولدي جواز سفر فرنسي، ولكنني أشجع المنتخب المغربي».
موقف لا يصدر إلا عن شخص خبر المغرب وأهله، وعاش فيض مشاعرهم وصدق حبهم وكرم ضيافتهم. وهو ما حصل أيضا مع روزي دياز، الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي «غرّدت» خارج السرب الأوربي، معلنة عن تشجيعها للمنتخب المغربي، إذ جاء في تغريدتها: «لقد تساءل البعض منكم عن سبب دعمي للمغرب في كأس العالم. الواقع هو أنني سبق وأن سافرت عبر المغرب بمفردي على متن دراجة نارية في عام 2018. كانت رحلة شاقة، لكنني تلقيت الكثير من الدعم من سكان المغرب. آمل أن أردّ هذا الجميل الآن من خلال تشجيعي للمنتخب المغربي في كأس العالم قطر 2022».

تغريد نشاز!

حمل لاعبون مغاربة العلم الفلسطيني، وكذلك فعلت الجماهير العربية على المدرجات وفي شوارع قطر، لكنّ هذا الشعور القومي العارم لم يرق لبعض الإعلاميين والمدوّنين العرب الذين يريدون أن يكونوا «إسرائيليين» أكثر من «إسرائيل» نفسها.
ومن ثم، نراهم يركّزون على تشجيع «مواطني» الدولة العبرية للمنتخب المغربي.
هذا تغريد آخر خارج السرب، لكنه تغريد نشاز يحاول إعطاء المشروعية للتطبيع السياسي والاقتصادي لبعض الحكومات العربية مع الكيان الصهيوني. كما يزكّي جرائمها المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 70 سنة.
ويريد بعض الإعلاميين في وسائل إعلام مغربية أن يُنغّصوا على المغاربة فرحتهم التي شاركهم فيها إخوانهم بالمدن الفلسطينية، فيقومون عنوة بإقحام «احتفال» إسرائيليين بالانتصارات التي حققها المنتخب المغربي، متذرّعين بحجة أنهم يهود من جذور مغربية.
والحال أن هناك خلطا متعمَّدًا بين الصفتين «اليهودية» و»الإسرائيلية»، فالمغاربة عمومًا ليس لهم أبدا مشكل مع اليهود، باعتبار أن الآلاف منهم عاشوا بينهم لقرون عديدة، وما زال مئات منهم يفضلون العيش في وطنهم المغرب وفق حقوق المواطنة الكاملة. وثمة يهود مغاربة لهم مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية، كالراحلين الكاتب إدمون عمران المالح والمعارض أبراهام السرفاتي، والمناضل اليساري سيدون أسيدون وغيرهم. في المقابل، ضمّت حكومات إسرائيلية متعاقبة يهودًا ذوي جذور مغربية، عُرفوا بكونهم من أشد الناس انتهاكا لحرية الشعب الفلسطيني وكرامته وحقوقه!
وإذا كان إعلاميون إسرائيليون حاضرون في «مونديال» قطر قد استغربوا من رفض المواطنين العرب لهم، فإنهم لم يبذلوا جهدا ليتساءلوا عن سبب ذلك الرفض والنفور. السبب ببساطة: لأنهم يمثلون كيانا استيطانيا عدوانيا، يواصل انتهاك حقوق الإنسان وبضرب القوانين الدولية عرض الحائط، ولا يقبل أبدًا بوجود دولة فلسطينية كاملة السيادة تسع لكل أبنائها من داخل الوطن وخارجه.
أما العرب فقد أثبتوا مجددا للعالم، من خلال «مونديال» قطر، أنهم من أشد الشعوب حرصا على السلام والتعايش والتساكن مع كل الذين يشاطرونهم هذه القيم.
كاتب من المغرب