المرصد العمالي يوثق تفاصيل عن خداع الاستقدام وأنين المرض - تقرير


 المرصد العمالي الأردني - كشف تقرير متخصص تعرّض عمال مهاجرين (وافدين) في قطاع صناعة الألبسة لعروض توظيف خادعة تجذبهم للعمل في الأردن. التقرير، الذي أصدره "المرصد العمالي الأردني" وتناول قصص عاملين وعاملات في القطاع، أكد تعرضهم لخداع في فرص العمل المعروضة عليهم لجذبهم إلى الأردن بأجور متدنية وظروف عمل غير لائقة ولا تحترم كرامتهم.

وأصدر المرصد التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فردريش إيبرت التقرير المعنون بـ"خداع الاستقدام وأنين المرض.. العمال المهاجرون في مصانع الألبسة يعانون انتهاكات مستمرة" تزامناً مع اليوم الدولي للمهاجرين الذي يصادف الأحد 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام.

وتناول التقرير قصصاً مختلفة تشابهت ظروف استقدام العاملين والعاملات فيها، حيث يأتون من بلدانهم بعروض عملٍ مغرية وأجور يعتقدون أنّها مناسبة ليتفاجأوا بأنّ أجورهم قد لا تُجاوز 200 دينار شهريا.

ومن الحالات التي تناولها التقرير، أحد العاملين الذي جاء للعمل مديرا لفندق بعد تقديم عرض له لخبرته في إدارة الفنادق بالهند، ليكتشف أنه مطعم ملحق به سكن، وعمل في التنظيف والتحميل والتنزيل وتقديم الطعام والشراب ومساعد طاهي، بأجر 250 ديناراً، وبساعات عمل مفتوحة تتجاوز العشر ساعات يومياً، ويتعرض لمعاملة سيئة كان آخرها الاعتداء الجسدي واللفظي أمام الزبائن.

كما ذكر التقرير قصة عامل قدم للعمل في مشغل للخياطة لقاء 400 دينار شهريا، غير أنّ صاحب العمل لم يدفع له سوى 300 دينار وبعد خلافات بينهما أجبره على الانتقال إلى العمل الى أحد المصانع، ونقل كفالته إلى صاحب العمل الجديد بدون موافقته.

فضلاً عن ذلك فإنّ 11 عاملة، دفعت كل واحدة منهن مبلغ 700 دينار أردني، لقاء العمل في مصنع بأجر 110 دنانير أساسي، وتعرضن لسوء المعاملة وانتقلن إلى صاحب عمل آخر في مدينة الحسن الصناعية.

وتراوحت المبالغ التي يدفعها عاملون وعاملات لقاء الحصول على عمل في الأردن، ووردت قصصهم في التقرير بين 300 دينار إلى 1000 دينار.

وأوضح التقرير أن الواقع المرّ المغاير لعروض فرص العمل "الخادعة" تدفع عاملين وعاملات إلى طلب إنهاء العقد أو عدم الاستمرار أكثر من عام، إلّا أنّ إدارات المصانع تشترط عليهم دفع مبالغ تصل إلى 2000 دينار لقاء الغاء عقد العمل بحجة مصاريف الاستقدام وتذاكر الطيران دون الأخذ بالاعتبار أنّهم دفعوا لمكاتب ووسطاء التشغيل عند السفر إلى الأردن.

وذكر التقرير أيضاً قصة إحدى العاملات التي ما يزال المصنع يرفض السماح بعودتها إلى بلادها لمرض والدتها، ويشترط دفع المستحقات التي حصلت عليها من مؤسسة الضمان الاجتماعي عن اشتراكات عمل 6 سنوات، علماً بأنّها لم تعمل في هذا المصنع أكثر من عام، فيما الخمس سنوات الأخرى كانت خدمة في مصنع آخر وكانت خاضعة للضمان.

وأظهر التقرير حرمان عاملين وعاملات في القطاع من الرعاية الصحية، حيث تفتقر العديد من المصانع إلى عيادة طبية أو ممرض أو طبيب، فضلاً عن عدم حصولهم على حقهم في الإجازة المرضية وفي حال تعرض أحدهم أو إحداهن لعارض صحي سيدفع تكاليف العلاج على نفقته ويحسم من أجره عدد الأيام التي أجيزها من الطبيب.

وتاليا نص التقرير اسفل المساحة الاعلانية:

خداع الاستقدام وأنين المرض..

العمال المهاجرون في مصانع الألبسة يعانون انتهاكات مستمرة

إعداد

مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية

برنامج المرصد العمالي الأردن

بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت

كانون الأول 2022

تُعدّ فئة العمال المهاجرين والمهاجرات إحدى الفئات الأكثر ضعفاً في مختلف المجتمعات، وبخاصة مع وجود نظام "الكفالة" الذي ينتشر في العديد من البلاد العربية، ويسهّل استغلالهم ويفتح مجالأً لممارسة تسلط أصحاب العمل عليهم، ويعرضهم لانتهاكات متنوعة.

إذ لا يستطيع العمال المهاجرون ذكوراً وإناثاً ترك عملهم بصفة قانونية بدون موافقة صاحب العمل للحصول على تصريح عمل حر، وهو ليس متوفراً في المهن والحرف والأعمال، إضافة إلى تكلفته المرتفعة.

غير أنّ للعاملين في قطاع صناعة تصدير الألبسة والمحيكات ظروفا خاصة قد تختلف عن غيرهم، وبالذات في "المناطق الصناعية المؤهلة" التي تضم عشرات المصانع وتفتقر إلى بيئات عمل آمنة، و أبسط معايير العمل اللائق، حيث تنخفض فيها الأجور وتسوء أوضاع السكن والطعام والشراب، ناهيك عن ظروف الاستقدام المتعبة والمرهقة.

يصل عدد العاملين والعاملات في الغزل والنسيج في الأردن نحو 66 ألفاً، نسبة العمالة المهاجرة (الوافدة) تقدر بـ 75% معظمهم من دول آسيا مثل بنغلادش الهند بورما وسيريلانكا وميانمار، وتشكل النساء من إجمالي عمال القطاع نسبة 75% وفقاً للتقرير السنوي 2021 "مراجعة قطاع الصناعة والامتثال" الصادر عن برنامج عمل أفضل عام 2021

في هذا التقرير يستعرض "المرصد العمالي الأردني" التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فردريش إيبرت قصص مجموعة من العمال المهاجرين (وافدين) قابلهم، عرضوا فيها لظروف استقدامهم وبعض ظروف العمل هنا في الأردن، علماً بأنّ أسماء العاملين والعاملات جميعها أسماء مستعارة، بناءً على طلبهم وحماية لهم من أصحاب العمل.

ظروف استقدام خادعة:

تلقى "رافي" (اسم مستعار) أثناء وجوده في الهند مكالمة مفاجئة من عمه يعرض عليه العمل بمسمى "مدير فندق" في مدينة الحسن الصناعية شمال الأردن، وذلك بناءً على خبرته السابقة لسنوات في قطاع الفنادق وبأجر يبدأ من 25 ألف روبية هندية (250 دينار أردني)، إلّا أنّ رافي وجد أنّ الأجر المعروض عليه لا يتناسب مع خبرته، فطلب 35 ألف روبية (350 دينار) ليرد عليه عمّه بأنّه يستطيع التفاوض على الأجر لدى وصوله الأردن ومباشرة العمل.

أعطى رافي موافقة مبدئية وتواصل عمه مع وكالة للتوظيف ليدفع العامل 30 ألف روبية قرابة (300 دينار) لتسهيل مهمة تشغيله واستقدامه، وأمّنه صاحب العمل بتذكرة الطيران بخط جوي (مومباي الشارقة عمان).

أربع ساعات قضاها رافي في الطائرة حتى هبط في الشارقة دون أن يقدم له أي طعام أو شراب أو وجبات سريعة، لم يقدم له بسبب نقله بواسطة طيران بتكاليف منخفضة، وانتظر بعدها 8 ساعات في مطار الشارقة حتى تقلع الطائرة مرة أخرى إلى عمّان وتكررت ذات تجربة حيث لا طعام حتى وصوله إلى الأردن، وخلال مدة الرحلة التي انطلقت من موباي و قاربت 16 ساعة أسكت جوعه بخبز وكعك كان حمله في حقيبته من مومباي.

رحلة رافي المنهكة لم تقتصر عليه وحده، فبعد مقابلات أجريت مع عاملين وعاملات، أفادوا بأنّ معظم أصحاب العمل في القطاع يختارون شركة الطيران ذاتها لانخفاض سعر التذاكر على حساب الخدمة المقدمة خلال السفر على متن طائراتها لاستقدام العمال من دول شرق آسيا.

لدى وصوله إلى إربد اكتشف أنّ الفندق الذي جاء لإدارته بمحيط مدينة الحسن الصناعية ليس أكثر من مطعم يضم طابقاً علوياً يأوي عاملين في مصانع، وأنّ عليه متابعة الفواتير والسجلات والأعمال المكتبية والمحاسبية بأجر 250 دينارا مع وعود قدمها صاحب العمل بأن يرتفع أجره في الشهور المقبلة، فوافق مضطرا وعمل لمدة شهرين، ومطلع الشهر الثالث تم تكليفه بجميع أعمال المطعم والسكن، أو "الفندق" بحسب صاحبه. وشملت هذه الأعمال تنظيف وتحميل وتنزيل ونقل بضائع ومساعدة الطاهي في إعداد الطعام وتقديمه ولا مقابل سوى 250 ديناراً، وأبدى امتعاضه من عدم وجود عاملين يساعدوه في هذه المهمات.

أما "يوناس" فاختار السفر إلى الأردن بعد أن فقد الأمل بالعثور على عمل في الهند، ترك بلاده وانتقل إلى الأردن لكونها أقل تكلفة في مكتب التوظيف، وعلى غرار الكثير من مواطنيه الهنود الآخرين، دفع 60 ألف روبية (600 دينار) لإحدى وكالات التوظيف مقابل عقد عمل براتب شهري يصل إلى 250 ديناراً أردنياً.

ما اكتشفه يوناس بعد مجيئه هو أنّ الأجرالمكتوب في عقده لا يجاوز مبلغ 110 دنانير نقداً بالإضافة إلى أجر عيني يمثل المسكن والمأكل بنحو 80 دينارأً، علماً بأنّ ظروف سفره كان مشابهة لظروف سفر ورحلة رافي.

بينما "شروخان" الذي كان يعمل في أحد أكبر المصانع في المدن الصناعية المؤهلة منذ سنوات وعاد إلى الهند، ليتلقى عرضاً من عم رافي نفسه بالعمل في أحد مشاغل الخياطة المحيطة بمدينة الحسن الصناعية في إربد، لقاء أجر 400 دينار أردني نقداً.

دفع شروخان بناءً على عرض العمل مبلغ 600 دينار لوكالة التوظيف لإنهاء الإجراءات اللازمة، إلّا أنّه اكتشف عند قدومه أنّ أجره 300 دينار فقط، فعمل على مضض كغيره وتعرض للإساءة داخل المشغل من قبل صاحبه، وبعد عدة مناوشات بينه وبين صاحب المشغل (عم رافي) قرر الأخير نقله إلى المصنع الذي يملكه صاحب المطعم الذي عمل فيه رافي، بناءً على علاقة ودية بين صاحب المشغل وصاحب المصنع.

البنجالية "ريتا" دفعت لمكتب التوظيف في بنجلاديش 300 دينار، مقابل أن تأتي بعد تلاشي جائحة كورونا وتخفيف القيود، واختارت مدينة الحسن الصناعية بحكم وجود صديقاتها وزميلاتها القدامى في عملها الأول فهي سبق وأن جاءت وعملت مدة 5 سنوات بين عامي 2015 - 2020، لتتلقى عرضأ في مكتب التوظيف من مصنع آخر بأن تعمل مشرفة براتب 315 دينار ووجدت أنه ينسابها لامتلاكها خبرة في المجال.

جاءت ريتا في رحلة طيران (ترانزيت) عن طريق البحرين، بخدمات متدنية أيضاً، وفعلاً عملت بمسمى (مشرفة) مدة ثلاثة أشهر، حتى قررت إدارة المصنع استحداث خط إنتاج جديد، وطلب منها مدير الإنتاج أن تتابعه حتى انتهاء عمليات تأسيس الخط وتعود لوظيفتها بعد ذلك، الا أنّه ورغم إنهاء جهوزيته بعد أشهر ظلت في موقعها الجديد وخفّض أجرها إلى 280 دينارأ، دون سبب أو مبرر.

أما مواطنتها "سليمة" فلم تكن بمفردها حين قدومها من بنجلاديش أيضاً، وإنما جاءت برفقة 10 عاملات أخريات، دفعت كل واحدة منهن ما يقارب 700 دينار أردني، للعمل براتب أساسي لا يجاوز 125 ديناراً على أن تتضمن الأيام يومياً أربع ساعات عمل إضافي.

عملت سليمة مدة 6 أشهر دون أي مشكلات، حتى انخفضت وتيرة الأعمال المطلوبة في المصنع، ما دفع الإدارة إلى أن تطلب منهن أن ينتقلن إلى مصنع آخر، وعند انتقالهن دفع صاحب المصنع الجديد للأول مبلغ 400 دينار، بدل كل ورقة نقل أو ما يعرف بالقانون (إخلاء الطرف) من صاحب عمل إلى آخر.

اعتداءات دون رد اعتبار

أما "خان"، فقد عاش ظروف استقدام أسوأ من زملائه؛ فقد جاء للعمل طاهياً في سكن يتبع لأحد المصانع في مدينة الحسن أيضاً، ودفع نحو 1000 دينار لوكالة توظيف لقاء تأمينه بفرصة عمل بأجر يصل 350 دينارا.

ما أثار استغرابه هو أنه عمل طاهياً، لكن ليس للسكن وحده وإنما لمطعم يملكه صاحب السكن والمصنع، وهو ذاته صاحب عمل رافي، وتفاجأ بعد خمسة عشر يوماً من طلب صاحب العمل أن يقيم في السكن فقط دون تقديم أي خدمات، وحرمه من الأجر طيلة مكوثه نحو شهر ونصف الشهر، قبل أن يتعرض له ويعتدي عليه جسدياً ويطرده من السكن على مرأى زملائه هناك دون سبب.

تقدم خان على أثر ذلك بشكوى ضد صاحب العمل عبر منصة (حماية) وتوجه إلى مركز أمني يتبع مديرية شرطة الرمثا مشتكياً الاعتداء عليه وأرفق مع الشكوى تقريرا طبيّا من مستشفى الرمثا الحكومي يبين ما تعرض له، وأبلغهم بمعاناته من آلام في الرقبة جراء تعرضه للضرب.

في اليوم التالي للاعتداء على خان وتقديم الشكوى، زارت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن المصنع واستعادت جواز سفر خان المحتجز عند صاحب العمل وسلمته لوسيط أعطاه بدوره إلى خان.

بعدها بيوم واحد فقط استدعى مكتب العمل في مدينة الحسن خان وممثلة عن صاحب المصنع لمناقشة ما حدث بحضور، حيث طلب العامل الحصول على أجره في 12 أيار، وتفاجأ أثناء جلسة تسوية بتوقيفه من قبل نقطة شرطة مدينة الحسن على أثر بلاغ من قسم الموارد البشرية في المصنع، بالرغم من أنه متواجد في مكتب العمل التابع للوزارة، ليكتشف أنّ صاحب العمل بعد معرفته بالشكوى التي قدمها خان ضده، قدم شكوى لدى الشرطة أيضاً متهماً إياه بترك مكان العمل " هروب"

في 15 أيارالماضي مثُل العامل أمام القاضي، ولاعتراض محامي صاحب العمل على مترجم جاء به أحد المراكز المختصة بالعمال في المحكمة ما دعا القاضي إلى إرجائه للمرة لجلسة قادمة، ليحاول المحاميان تسوية ما حصل بالتراضي والعرض على العامل التنازل على القضية مقابل العودة إلى الهند أو العودة للعمل، الّا أنّ خان فضّل الخيار الأول وعاد إلى بلاده أملاً بالحصول على فرصة عمل أفضل.

بالعودة إلى حالة العامل رافي، بعد شهور قليلة على بدء عمله أصر صاحب العمل على أن يعمل يوم الجمعة، وهو يوم إجازته الرسمية الأسبوعية، بحجة أنّ المطعم وملحقه السكني يكتظان بالزبائن، وطلب منه يومها رفع صناديق مشروبات كحولية، وعندما رفض ذلك ردّ صاحب المطعم بمسكه وشده وضربه وشتمه امام الناس واستولى على هاتفه والنقود من جيبه وطرده.

تقدم رافي بشكوى إلى الشرطة وحصل على تقرير طبي يؤكد تعرضه للضرب وتقدم بشكوى عبر منصة "حماية" ما دفع مكتب العمل إلى إرسال مفتش وموظفات من النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج لكشف الانتهاك وتوجهوا إلى أحد المصانع التي يملكها صاحب المطعم نفسه.

يبين رافي أنّ ممثلات النقابة لم يعترضن على حديث صاحب العمل، حتى أنهن حاولن إقناع رافي بالبقاء وخرجن من المصنع ليتركن العامل وصاحب العمل في المكتب وحدهما.

لم يقبل العامل العمل في المصنع بعد تعرضه للضرب والسب أمام عشرات الناس، وهو يختبىء اليوم عند أحد أصدقائه لتجنب عثور الشرطة عليه في الشارع، بعد أن رفع صاحب العمل دعوى شكوى بـ"هروب العامل" رداً على تقدم رافي بشكوى الاعتداء عليه، ولم يحدث فيها جديد.

يعمل رافي حتى إعداد هذا التقرير في مهنة حرفية مع أحد أصدقائه بمحافظة المفرق، وينتظر الفرج في إخلاء الطرف من صاحب العمل ليعود إلى وطنه الهند.

لم تقف مسائل الاعتداءات عند هذا الحد؛ فشروخان الذي انتقل من مشغل خياطة إلى المصنع لعدم وجود خيارات أمامه أو فرصة عمل له في الهند، تعرف على عاملة في المصنع ذاته تشكلت بينهما علاقة عاطفية لم تؤثر على عملهما، لتخاطبه إدارة المصنع بمنع هذه العلاقة وحاولت مراراً التسبب بمشكلة بينهما بالرغم من أنها علاقة شخصية بحتة.

بعد أن فشلت المشرفة في إنهاء هذه العلاقة ضربت العاملة داخل المصنع وهددتهما بإبلاغ الشرطة والادعاء عليها بوجود علاقة غير شرعية بينهما إذا لم ينهيا العلاقة، وتعرضت لرافي بالصراخ والشتم ما دفعه لترك مكان العمل فوراً، ومنذ آذار الماضي يعمل شروخان في منشأة بإحدى المدن الأردنية ورفض الإفصاح عن مكانها أو طبيعة عمله فيها.

لكن، بالعودة إلى بداية عرض العمل، فإنّ من قدم العرض له هو ذاته عمّ رافي الذي طلب استقدامه من الهند وهو ذاته الذي كان عاملاً لدى صاحب المصنع الذي يملك المطعم والسكن الذي عمل فيه خان واختار الرحيل في أيار الماضي، ونشأت بين عم رافي وصاحب العمل علاقة صداقة وصلت به إلى استقدام عاملين من الهند للعمل في المصنع والمطعم كتعبير لشكره على ما قدمه صاحب المصنع عند إخلاء الطرف عنه، وفق لحديثه.

في حين أن تعرضت ريتا خلال شهورها الأولى في العمل إلى معاملة سيئة، بين شتم وصراخ المشرفين، وبحسب حديثها، فقد استمر ذلك إلى حين تعلمت تفاصيل العمل فانخفضت حدة الانتقادات وهذه المعاناة، لكنها منعت من الإجازات السنوية والإجازات المرضية، وفي حال غيابها بسبب المرض يحسم من أجرها (يومان) كاملان.

أما سليمة وزميلاتها، فقد واجهن في المصنع الأول ما وصفته بـ"أسوأ تعامل بين المصانع" بين صراخ وسبّ وشتم بألفاظ بذيئة، تحملنه من أجل لقمة العيش.

النقود مقابل السماح بترك العمل:

قررت ريتا العودة إلى بنجلاديش بعد عام واحد فقط من بدء عملها بسبب مرض والدتها، وتبقى عليها عام كامل من عقدها، فطالبت بمستحقاتها في صندوق الضمان الاجتماعي، إلّا أنّ إدارة المصنع الجديد فاجأتها بأنها غير مستحقة لذلك لعدم إكمالها 24 اشتراكاً متتالياً.

بالعودة إلى عام 2015، فقد جاءت ريتا فعلاً إلى الأردن وعملت في أحد مصانع الألبسة في المنطقة ذاتها، قبل أن تعود إلى بنجلاديش بعد خمس سنوات عمل، في زيارة قصيرة ولكنها لم تستطع العودة خلال جائحة كورونا، ما يعني أنّ لها اشتراكات متتالية في مؤسسة الضمان الاجتماعي تصل 5 سنوات بالإضافة إلى السنة السادسة التي قضتها في المصنع الجديد.

عندما طالبت الإدارة بسحب مستحقاتها في الضمان الاجتماعي لم يخطر ببالهم ذلك وخمنوا أنها تحاول التحايل عليهم وراجعوا بالفعل المؤسسة التي كان ردها الأول بعدم وجود مستحقات، وبعد أخذ وردِ تبين أن ثمة خطأ من قبل ضابط الارتباط، وأقرت المؤسسة حقها فيها، وحصلت عليها بالفعل بعد مماطلة جاوزت الشهر.

رغم عدم اعتراض إدارة المصنع في بادىء الأمر من عودتها إلى بلادها وبدون أي شروط، إلّا أنّ الإدارة غيرت رأيها لاحقا وطالبت ريتا بدفع ما تبقى عليها من عقدها، في حين ترى هي أنّ حصولها على مستحقات الضمان الاجتماعيّ جعلت الإدارة أكثر "طمعاً" بدفع ما تبقى من عقدها.

وضعت العاملة وساطات عدة ليرجع صاحب العمل عن شرطه حتى إنها أبلغت سفارة بلادها في عمّان وعدة مراكز حقوقية ذات علاقة، إلّا أنه ما يزال مصمماً على مطلبه بدفع المبلغ الذي تقاضته من الضمان الاجتماعي له، علماً بأنّ معظم ما حصلت عليه هو مستحقات خمس سنوات دفعها المصنع السابق وليس مصنعه.

أما رافي، فبالرغم من حقه في ترك العمل دون إشعار صاحبه بعد الاعتداء عليه بالضرب والتحقير، إلّا أنّ صاحب العمل اشترط عليه خلال المفاوضات التي جمعتهما وحدهما بعد انسحاب ممثلات النقابة من المكتب، أن يدفع مبلغ 2000 دينار لقاء إخلاء الطرف، على اعتبار انّ هذا المبلغ هو تكلفة استقدامه وأجور ما تبقى من مدة عقده.

تظاهر رافي بالموافقة أمام صاحب العمل على أن يعطيه المبلغ في المرة القادمة التي يأتي فيها إلى المصنع، إلّا أنه خرج من المكان والسكن ولم يعد إليه.

يوناس كان له نصيب مما وصفه بـ"ابتزاز" صاحب العمل، فعند إبداء رغبته في العودة إلى بلده الهند بعد قدومه بثلاثة أشهر لتراجع حالته الصحية وإصابته بآلام في المعدة استمرت أكثر من شهر بدون معرفة السبب، اشترط عليه صاحب العمل دفع 1500 دينار لقاء إخلاء الطرف، بحجة أنّه لم يكمل عقده وتبقى له منه ما يقارب سنة وثمانية أشهر.

المشكلة لا تقصر فقط على عدم توفر النقود لدفعها إلى أصحاب العمل، وإنما في أن هؤلاء العاملين والعاملات الراغبين في العودة، لا يستطيعون شراء تذكرة العودة إلى بلادهم، وفي حال دفع المبالغ التي يطالبهم/ن بها أصحاب العمل سيبقون عالقين إلى أجل غير مسمى.

رعاية صحية غائبة:

لم يصمم يوناس على العودة إلى الهند إلّا بعد أن فقد الآمال في العلاج، فسوء وضعه الصحي أفقده أكثر من عشرة كيلوغرامات خلال ثلاثة أشهر، علماً بأنّه غير مغطى بالتأمين الصحي.

المشكلة أيضاً تتمثل في عدم وجود طبيب أو ممرض أو عيادة دائمة في مختلف المصانع المتوسطة أو الصغيرة، وبعضها يزورها الطبيب مرة في الأسبوع لمعاينة العاملين والعاملات المحتاجين للعلاج، إلّا أنّ تكاليف الفحوص المخبرية يتكبدونها هم، وتكاليف العلاجات أيضاً.

فيوناس مثلاً أصيب بآلام شديدة في المعدة، وراجع مركزاً طبياً بالقرب من مدينة الحسن الصناعية ولم يتلقّ سوى مسكنات عادية دفع ثمنها عشرات الدنانير، وفي إحدى المرات دفع 45 ديناراً وأخرى دفعها 35 لعيادة أخرى والمدة بينهما لم تجاوز 48 ساعة.

في حين أنّ ريتا هي الأخرى عانت من التعامل السيء لقاء إصابتها بأمراض موسمية، فكان مدير الإنتاج يطلب منها وزميلاتها مراجعة المركز الصحي أو المستشفى على نفقتهن الخاصة وخارج أوقات الدوام الرسمي، وأبلغهنّ أنّ الإدارة غير مسؤولة عن صحة العاملين والعاملات في حال تعرضهم للمرض خلال أوقات العمل.

وفق حديث عدة عاملين وعاملات قابلهم "المرصد العمالي الأردني" فإنّ المصانع المتوسطة والصغيرة تخلو من العيادات الدائمة، وقد تقصر الرعاية الطبية فيها على صندوق إسعافات أولية، وهم غير مشمولين بالتأمين الصحي، ويذكرون أن هناك مصانع كبرى في ذات المناطق الصناعية المؤهلة، تضم عيادات وطواقم تمريضية مقيمة وبعض العلاجات.

ما يستغربه العاملون والعاملات في مصانع الغزل والنسيج أنّ أوضاع المساكن المؤمنة لهم قد تسبب المرض، فهي خالية من أدنى متطلبات النظافة، وتخلو من مواد التنظيف أو أدواته، جدران رطبة توزع روائح مؤذية، وحمامات غير مزودة بمياه ساخنة للاستحمام أو الغسيل حتى في أيام الشتاء، وبعض الغرف تمر المجاري من داخلها، وأخرى تفيض عليهم فيها المياه العادمة.

كذلك، فإنّ العاملين والعاملات في هذه المساكن، يعانون منذ سنوات ويلات البرد، فرغم وجودهم في مناطق مفتوحة معرضة للهواء بمحيط المدن الصناعية، إلّا أنّهم يُمنعون من استخدام المدافىء في الشتاء لتجنب حوادث الحريق، ويضطرون غالباً لشراء لحف وأغطية شتوية على نفقتهم.