الخواجا يكتب: هل هذا دور مدير هيئة الإعلام؟
كتب د. ماجد الخواجا -
بالأمس مساء جاءتني رسالة عبر الواتس أب متضمنة فيديو كنت قد نشرته عبر التيك توك رحمةً وعرفاناً لشهداء الوطن والأمن العام. وعليه جملة واحدة هي : " شو هاي !" .. نظرت إلى رقم وإسم المرسل فإذا به مدير هيئة الإعلام شخصياً، تحسست رأسي وقلبي ووجداني، أرسلت له رسالة أقول فيها أن هذا الفيديو هو نوع من إبداء المحبة والحزن على شهداء الوطن، حينها اتصل مباشرة بي ليقول لي أن الفيديو غير مناسب، سايرته متسائلاً: لماذا هو غير مناسب، أجابني أن الأغنية المصاحبة للفيديو عسكرية مصرية ، ويفترض أن أضع أغنيةً أردنية. ونصحني بلغته أن أحذف الفيديو أفضل مردداً كلمات تحمل اللباقة بأنني قامة إعلامية وأن الأفضل لي أن أكتب مقالاً عن الشهداء، واصلت الاحتمال لما يقوله وقلت له: أنا كتبت مقالتي اليوم في الصحيفة عن الشهداء ويبدو أنها لم تمر عليك. إلى هنا أكتفي بالحديث بعد أن أغلقنا الهاتف بيننا.
لا أدري تماماً هل يدرك صاحب الاختصاص طبيعة المهام لمثل هيئة الإعلام حتى يتم تعيين شخص من خارج الاختصاص في هذا الموقع، وهل يتناسب دور مدير الهيئة بأن يمارس أو يفرض رقابة مسبقة ولاحقة على صورة ومنشور وتعليق وإعجاب، هل هذه من أدوار هيئة الإعلام.
كيف نقرأ بياناً يصدر بإسم مدير هيئة الإعلام موجها للمؤسسات الإعلامية يهددها باللجوء للعقاب والجزاء في حال النشر من مصادر مجهولة أو تعليقات غير مناسبة.
ألم يبق للهيئة من عمل وغايات إلا أن تصبح أداة قمع ورقابة على الأفراد وما يتم نشره عبر الميديا.
إن هيئة الإعلام كمن يبحث عن أية أمور تشتغل بها، ولا تريد العمل حسب الغايات التي أنشئت لأجلها.
إن سقف الإعلام والحريات أصبح في أردأ حالاته.
لقد كنا في العهود العرفية أكثر حرية وديمقراطية وتحملاً لكافة الآراء.
الأجدى بالهيئة فتح قنوات حوار حقيقية وتوفير حجم معلومات صادقة وسريعة ودقيقة بحيث يتم الحد من الإشاعات والفبركة والتضليل الإعلامي.
هل المروءة أن يتم التضييق والخنق للإعلام المحلي الذي يحارب على جميع الجبهات، فلا هو مرضي عنه شعبياً لا بل ويتم اتهامه بالتسحيج أو التسويف أو المهادنة، ولا هو بالذي يتم فتح القنوات ومصادر المعلومات أمامه كي يستطيع الدفاع عن وجهات النظر الرسمية بقوة وبمسؤولية، فأصبح إعلاماً مشوها بلا ملامح نتيجة السياسات الغرائبية التي تفرض عليه. فيما يتجول في الفضاء السيبراني كل من لاسقف له وربما لا مهنية أو أخلاق، ويواصل ضخ الأكاذيب والتضليل الإعلامي والفبركة الإخبارية، ولا يجد أدنى مواجهة أو مقاومة حيال ما يبثه طيلة الوقت.
إن هيئة الإعلام يفترض أن يتسلم زمامها من هو مختص بالإعلام ابتداءً ولا يتم التعامل مع موقع المدير العام وكأنه مجرد موقع يمكن لأي إنسان أن يتبوأه.
لقد أصبحت بعض هيئاتنا أدوات قمع وقهر وخنق وتضييق ورقابة وتهديد ووعيد ، وهذا هو الغذاء الأفضل لانتشار الأكاذيب .
إن الأردن يعيش حالة من تضييق الحريات وخنق حرية التعبير وتقييد الأقلام وتكميم الأفواه ، ثم نزعم بأننا نريد نشر الديمقراطية والحريات الأساسية ودولة القانون.
إن بيان مدير هيئة الإعلام الذي تم التراجع عنه بعد ضغوط الإعلاميين المهنيين، هو بيان خرج كردة فعل متسرعة لم يكن ينبغي القيام بها.
إن هيئة الإعلام أجدى بها أن يتم إعادة مطالعة غاياتها وإذا تبيّن أنها لا تخدم الإعلام وارتقائه والحريات الإعلامية، هنا ينبغي تعديل تلك الغايات لتتماشى مع حرية الإعلام.
إن هيئة الإعلام يجدر بها البحث والتحرّي عن انسيابية المعلومات ومصادرها وتوفير تلك المعلومات للجميع بحيث يمكن استثمار الإعلام على أفضل وجه ليكون أداة وطنية حقيقية بملامح قوية تعبّر عن استقلالية وسقف مرتفع من الحرية.
ليست هفوة ما صدر عن مدير هيئة الإعلام، وإنما تعبّر عن أسلوب وثقافة ظهرت على هذه الصورة العرفية في البيان الصادر عنه.
الموضوع لا يكفي التراجع عن البيان كي نعتقد أن الأمور أصبحت بمستوى حريات جيدة، ربما الحاجة لتأهيل العديد من المسؤولين في مجال الديمقراطية والحريات التي تكاد أن تصل إلى الأرض نتيجة الذهنية التسلطية والعرفية القمعية لمسؤولين وجدوا بطريقة ما في مواقع الدفاع عن الحريات.. تخيّلوا يا رعاكم الله.
ثلاثة عقود من الكتابة الصحفية الناقدة الساخرة لم تعد كافيةً لإتاحة الفرصة والمساحة لمجرد التعبير عن أي رأي. نحن الآن في قاع الزجاجة التي وضعتنا فيها حكومة الملقي ولم نخرج منها.