التسول والحماية الاجتماعية.. "ثقوب في المظلة"
إعداد أنس ضمرة -
"أنا كسرت ظهر ابني" تقر والدة آدم (اسم مستعار) بالحِمل الذي تُرك على ظهر ابنها (15 عاما) بعد أن وجد نفسه معيلا لأمه وشقيقاته بعد انفصالهم عن والدهم.
كان قرار الأم أن يبدأ ابنها العمل في سنّ مبكرة. قبل 3 سنوات، لم يكن آدم أتم الـ 13 عاما من عمره، وقد فقدت العائلة سبلها في الحصول على لقمة عيشها، حينها علمت الأم من أهل الحي أن ابنها يتسول على إحدى الإشارات المرورية في اربد ليتمكن من تأمين الكاز والخبز.
وافقت الأم على أن يترك ابنها المدرسة، ويبدأ بالعمل في سن مبكر بعد انعدام أي فرصة لها ولاطفالها بالعيش حتى لو على حد الكفاف.
في مجمع اربد الكبير، بين مئات الحافلات، ووسائل النقل المختلفة، يتجول آدم ويحمل بين يديه علب مياه بلاستيكية وينادي بين الحافلات "مي بارد مي بارد"، جاء اليه احدهم وطلب شراء المياه، قبل أن يكشف عن هويته الرسمية بأنه من وحدة مكافحة التسول، ويسوقه إلى حافلة فيها عدد من الأطفال ممن كانوا في ذات المجمع.
يقول أدم "لا اعرف اي احد ممن كانوا بالحافلة"، لكنه لا يخفي حالة الرعب التي انتابته باعتباره أول مرة يركب هذه الحافلة الضيقة. وبينما كان ينظر من النافذة المصفحة ، يشاهد طفلا يرمي ما كان يحمل من بضائع يبيعها ويهرب من رجال وحدة مكافحة التسول، ليبدأ بسلسلة من الاسئلة حول مصيره بعد النزول من هذه الحافلة.
وصل أدم إلى وحدة مكافحة التسول يقول"اصطففنا في طابور منظم، وبدأنا بالدخول واحدا تلو الآخر، وعندما جاء دوري، وعلم الرجل الذي يسأل الأطفال انني لاول مرة يتم فيها ضبطي، اخذ رقم هاتف والدتي و تركني أغادر".
أسرة آدم تعيش على 55 دينار تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية كمساعدة للأسرة و 25 دينار تأخذها من جمعية محلية في المنطقة، بينما تدفع الأسرة 75 دينار بدل إيجار للمنزل تقول والدته "الـ 5 دنانير هذه اعطيها لمن يشاء ليدير مصاريف المنزل لمدة شهر".
في ذات اليوم التي تم فيه ضبط ادم يرن هاتف والدته "اتصل بي رجل ذو صوت جاف يقول هذه المرة تركناه وشأنه لأنها اول مرة، لكن يجب ان لا يتكرر ذلك، طفلك قاصر ولا يجب عليه أن يعمل". تقول الام انها استقبلت اتصال وحدة مكافحة التسول بعصبية شديدة، "أخبرتهم بأن يأتوا إلى البيت، ويشاهد كيف نعيش، وبعد ذلك يمكنهم الحديث كيفما يشاؤون".
في كل يوم كانت ام ادم تتوقع زيارة وزارة التنمية الاجتماعية لمنزلها بعد ان تم ضبط ابنها وتلقت الاتصال منهم، إلا انها تؤكد ان احدا لم يزرها حتى الان، ولم تكترث وحدة مكافحة التسول، أو وزارة التنمية الاجتماعية بالأسباب التي دفعت الأسرة لتشغيل طفل في هذا العمر المبكر.
بعد حادثة ادم وضبطه قررت العائلة أن تبدأ بعمل جماعي لتشكل طبقة حماية اضافية خوفا من تكرار سيناريو ادم، بدأت العائلة بالخروج ليلا من المنزل"أخذنا كيس كبير ونمشي على امتداد شارع الثلاثين، نجمع كل ما يمكن بيعه من الارض و حاويات النفايات، رغم مشقة هذا العمل، لكن لا اريد ان يكون لدى طفلي اسبقيات تعيق حياته قبل أن تبدأ".
ظلّت والدة آدم تجمع كل ما تجده في شارع الثلاثين، لأسابيع "كان الشتاء قد بدأ بالدخول، غالون الكاز فارغ تماما، كان ذلك الحل الوحيد"، إلا أن كل ما جمعته العائلة خلال تلك الأسابيع، لم يجلب لها إلا 13 دينارا فقط اي ما يكفي لتعبئة الجالون لمدة اسبوعين فقط -في حينه-.
ما تواجهه هذه العائلة وغيرها من العائلات في الأردن، يفتح تساؤلات عن حديث وزارة التنمية الاجتماعية حول عصابات التسول التي تدير الاطفال على اشارات المرور، إلا أن مساعد أمين عام وزارة التنمية الاجتماعية للحماية والرعاية، محمود الجبور يؤكد أن الوزارة لديها ربط الكتروني مع وحدات ووزارات حكومية من خلال "شاشات الاستعلام" يتم من خلالها التدقيق على كل من يتم ضبطهم من متسولين للتأكد من أوضاعهم الاقتصادية.
ويضيف أنه خلال الأشهر الـ 10 الاولى من العام 2022 تم ضبط 3185 طفل بقضايا تسول، وتم التدقيق "لم يتبين لنا أي اسرة لديها العوز، أو أن الخروج للتسول كان بسبب العوز، يتبين لهم أملاك، وأملاك مرتفعة جدا، سواء من العقارات أو المركبات، السجلات التجارية، وأمر التسول هو ليس بسبب الحاجة، بل انه اخذ كمهنة وكمصدر رزق سريع".
لم تستطع والدة آدم أن تخفي ابتسامتها بعد سماعها حديث الجبور: "بيتي مفتوح ومن لحظة اتصالهم بي بعد ضبط ادم لا زلت انتظر اي شخص من وزارة التنمية الاجتماعية لزيارتي ليتأكد من كل ما اقوله".
تؤكد مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الانسان ليندا الكلش وجود ما يسميهم الجبور "ممتهني التسول" إلا أنها تركز على ضرورة الالتفات إلى "الداخلين الجدد للتسول"، وهنا تُرجع كلش سبب دخول هؤلاء إلى التسول بغياب أنظمة الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر هشاشة.
تؤكد كلش ان الحماية الإجتماعية لا تعني المعونة التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية للأسر والتي لا تتجاوز 55 دينار للفرد، مشيرة إلى أن هدف الحماية الاجتماعية سد حاجات الأسر، من السكن والتعليم والصحة والتغذية السليمة وغيرها من أساسيات البقاء على قيد الحياة".
تشير كلش في حديثها حول الحماية الاجتماعية إلى دراسة تحليلة أصدرها مركز تمكين العام الجاري بعنوان "ثقوب في المظلة: قصور تشريعات الحماية الاجتماعية في قطاعات العمل في الأردن أثناء أزمة كورونا" وتؤكد أن انظمة الحماية الاجتماعية بحاجة إلى مراجعة شاملة وتحديد مرجعية للتنسيق ومتابعة تنفيذ عناصر الحماية الاجتماعية.
الاستراتيجية الوطنية
في ايار 2019 اطلقت الحكومة الاردنية الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2019 - 2025) والتي كانت رؤيتها " تمتع جميع الاردنيين بحياة كريمة، وبيئة عمل لائقة، وخدمات اجتماعية ممكنة".
تستهدف هذه الاستراتيجية الفقراء و الاردنيين الاكثر هشاشة والأكثر عرضة للفقر، من خلال تأمين الحماية الاجتماعية المناسبة.
الالتزامات الدولية
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 22 على "لكل شخص بوصفه عضواً في المجتمع حق في الضمان الاجتماعي" وتنص المادة 25 على أنه "لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".
بحسب تقرير الخبرة المستقلة المعنية بمسألة حقوق الإنسان والفقر المدقع لتعزيز حقوق الإنسان فإن الحماية الاجتماعية مجموعة من السياسات المعدة من أجل التصدي للمخاطر ومواطن الضعف للأفراد والجماعات القادرين وغير القادرين على العمل على حد سواء، بغرض مساعدتهم في مجابهة حالات الفقر والتغلب عليها.
سلسلة من الحقوق تهدرها غياب الحماية الاجتماعية
لا تقف الانتهاكات التي تقع على الأطفال الذين يدخلون إلى التسول عند حرمانهم من حياة امنة، بل تصل هذه العواقب إلى الحرمان من حقهم بالتعليم، وحقهم باللعب وغيرها من الحقوق الأساسية للطفل.
** فيديو أسفل المساحة الإعلانية..