حديث الاصلاح في الاردن: افراغ الاستراتيجي في قوالب تكتيكية دعائية
خلال العقود الخمسة الماضية لم يتوقف الاردن عن الحديث عن الاصلاح السياسي دون اتخاذ اجراءات حقيقية ملموسة تقود الى انجاز اي من مهام الاصلاح. من المعلوم ان نجاح عملية الاصلاح في الاردن او في اي بلد آخر سيعود بالفائدة ببعدها الاستراتيجي على نظام الحكم ذاته ويمهد السبل لتقدم الدولة ويعزز من منعتها واستقرارها.
لقد عانى الاردن كدولة كثيرا بسبب طبيعة العلاقة التي ربطت تاريخيا بين الحكومات المتعاقبة والشعب والتي اتسمت بانعدام مروع للثقة بينهما.
ان هذه الحالة الخطيرة النادرة تعود بجذورها الى هذا الميل لاعطاء الوعود بالاصلاح وتشكيل اللجان وانتاج الوثائق المتعددة عن الاصلاح السياسي ودروبه ومناهجه.. لكنها كانت دائما لا تتعدى كونها وثائق جميلة تتحدث عن الاصلاح السياسي دون ان توضع موضع التنفيذ الفعلي على ارض الواقع.. وهكذا خلقت تلك الحالة الشاذة من العلاقة بين السلطة وشعبها وتعمقت مع كل لجنة اصلاح ووثيقة اصلاح جديدة يتم انتاجها.
ان الاصلاح السياسي هو بطبيعته قضية استراتيجية بالغة الاهمية، فالقضية الاستراتيجية تختلف عن القضايا الاخرى بكونها تتمتع باهمية كبرى وتخلق تأثيرات واسعة على المدى البعيد عند معالجتها وتنفيذها فعليا على ارض الواقع.
ان الاخفاق في التنفيذ الذي لازم عملية الاصلاح تاريخيا خلق لدى الشعب انطباعا ان السلطة السياسية التي تحكمه لا تنوي نقل تلك القضية الاستراتيجية من حالتها النظرية الى حالة التطبيق الفعلي وبالتالي ما يمارس هو في الواقع صياغة خطة بالغة التنسيق لانجاز قضية استراتيجية هامة ولكن بدلا من تنفيذها فعلا يتم وضعها في قوالب تكتيكية لا تتعدى النية لاستخدامها في الدعاية السياسية الشعبوية دون توفر نوايا فعلية حقيقية لانجازها.. وبذلك يتم تحويل القضية الاستراتيجية الكبرى الى سلسلة من القوالب التكتيكية ولكن بعيدا عن مسالك التنفيذ الفعلي.
ان اخطر ما يواجه الشعوب والامم هو دفن الاستراتيجية في قوالب تكتيكية غير مجدية .. حيث ينتج عن ذلك هدر للموارد وتبديد لسمعة سلطات الدولة وتخريب خطير لعلاقة الدولة مع مجتمعها بكل الاثار السلبية المروعة التي تنتج عن ذاك..
لكن، ما الحل؟ الجواب بالطبع سهل يتلخص في ترميم العلاقة بين السلطة وشعبها اولا، ليصار لاحقا الى الحديث المجدي عن الاصلاح.
ولنا حديث لاحق عن الحلول المقترحة..
qatamin8@hotmail.com