. المشكلة في الإبريق

 
مهر الرّباب
قصّة الأقيشر والمجوسي
والأقيشر هو:
المغيرة بن عبد اللّٰه بن الأسدي. شاعر هجاء عالي الطّبقة بين الشعراء من أهل بادية الكوفة..
ولد في الجاهلية ونشأ في أوّل الإسلام وعاش وعّمّر طويلاً، قتل بظاهر الكوفة خنقاً بالدّخان..
لُقّب بالأقيشر لأنّه كان أحمر الوجه، قال المرزباني: هو أحد مُجّان الكوفة وشعرائها، هجا عبد الملك ورثى مصعب بن الزّبير..

فيحكى أنّ:
«الأقيشر» أراد الزّواج من ابنةِ عمٍ له اسمها «الرّباب»، فأكثر عليه أبوها في المَهر ليحول بينه وبين غرضه، فسعى الأعرابي الأقيشر في طلب المهر بين قومه أعمامه وخُلّانه وندمائه فلم يُنجده أحد، فلمّا ضاق به الحال قصد رجلاً من المجوس من عبدة النّار فأنجده وأعانه حتى تزوّج ابنة عمّه ثم ردّ إليه ماله وأنشد قائلا:

كفاني المجوسِيُّ مَهرَ الرّبابِ
فِــدىً لـلـمـجـــوسـيّ خـــالٌ وعــــمْ
وأشــــهــدُ أنَّــكَ رَطْــبُ المشــاشِ
وأنَّ أبــــــاكَ الـجــــــــوادُ الـخِـضَـــمْ
وأنّــــكَ سَـــــيِّـــدُ أهــــــــلِ الـجَـحـيـــــمِ
إذا مــــا تَـــردَّيـــــتَ فــيـمَـنْ ظَـلَـــــمْ
تُــجـاوِرُ قــــارونَ فــي قَـــعـــرِهـــــــا
وفــــرعـــــونَ والـمُـكـتَـنـى بالـحَـكَـمْ
 
فقال له المجوسي:
ويحك يا رجل! سألت قومك فلم يعطوك، وجئتني فأعطيتك فجزيتني هذا القول، ولم أُفلِت من شِعرك وشرِّك!..
«أعنتُكَ بالمهر على ابنة عمّك، ثُم كافأتني بأن جعلتني في الجحيم !!».

فقال الأقيشر:
أعطيتك حقّك بالمديح و أعطيت اللّٰه حقّه، ولن أتجاوز على اللّٰه لأمنحك ما لا تستحق عنده..
ثمّ مازحه:
«أما يُرضيكَ أني جعلتُكَ مع ساداتها، فرعون وقارون وأبي جهل؟!!».

تعقيب:
لا شكّ أنّ تصرّف «الأقيشر» مرتبط بمسألة البراء والولاء، فقد مدح أعانة المجوسي له وفداه بالعمّ والخال وأثنى عليه أصلاً وفصلاً، ولكنّه لم يهادنه او يتلوّن على حساب دينه وعقيدته..

*المصدر:
- تاريخ دمشق لابن عساكر / بهجة المجالس

كم نحن بحاجة إلى أقيشر ليقول كلمة الحقّ مهما كانت منافعه!..

ما دمنا نهادن ونوارب ونلتف على الحقيقة فلن يصلُح حالنا أبداً..

خطابات رنّانة وشعارات مفرغة ومقالات وأشعار لا تحمل مضموناً ولا تخدم قضيّة أو تحمل رسالة واضحة وصريحة أو تساهم في حلّ مشكلة!.. فالمصلحة الخاصة لا يمكن تحت أيّ ظرف أن تطغى على قضية مبدأ وكرامة.. وهذا الحديث يفقهه القيشريّون والقيشريّون فقط!.. أمّا المتسلّقون فهذا ديدنهم انتهازيّون ولا يهملون طارئًا وطنيًّا إلّا واستثمروه بما يخدم مصلحتهم فقط، فإذا ما حصلوا على مبتغاهم اتّخذوا جانباً أو تحوّلوا إلى كلاب سلطة بين عشيّة وضحاها..

كلٌّ يُغنّي على ليلاه، وأغلبنا يبحث له عن موطئ قدم في خضم هذه الموجه العارمة، ولا تعرف على أيّ دٍينٍ هُم، لكنّهم وفق مبادئهم ومواقفهم غير المفهومة وجهتها مع الفئة الغالبة أنّى كان دِينها!.. والبعض الآخر مشروع فاسدٍ إذا ما أتيحت له الفرصة.. والكثير من أصحاب «البدلات» من المُعطّلين عن السّلطة يُحاولون إنتاج أنفسهم بشتّى الطرق وبأيّ ثمنٍ كان.. ..وآخر دعوانا ودعواهم الوطن!..

كلّنّا نتحدّث عن الفساد وبإسهاب، لكن حتّى هذه اللّحظة لا نعلم من هو الفاسد الحقيقي، ولم يقل أيٌّ منّا للأعور أنت أعور بعينه!.. حتّى أنا لن أفعل، ببساطة لأنّه ليس هناك عدالة تكفل لي حرّية رأيي!.. لكنّني أفضّل الصّمت على أن أكون موارباً «ووتر بروف»، و لن أنظُمَ ذات يومٍ قصيدة تُحسب لمتضادّين في ذات الوقت!..

الشّراب فاسد والمشكلة في الإبريق ونحاول ما أمكن تكسير الممتلئ والفارغ من «الكاسات» وتركنا الإبريق !!.. وما أكثر الأباريق!!!..