الصين "تعود" من إغلاق الألف يوم.. ماذا ينتظر العالم الآن؟

كان لي بينغفي، الذي شغل حتى وقت قريب منصب مدير إنتاج في شركة برمجيات في بكين، من بين أولئك اليائسين من عودة الأمور إلى طبيعتها في الصين.

فقد لي وظيفته في فبراير الماضي بعد أن أصبحت أمور أساسية، مثل السفر للقاء العملاء، من أشباه المستحيلات، فعاد إلى موطنه الأصلي في مقاطعة جيلين في أقصى شمال شرق الصين ليعيش مع أخته، حيث كانت الآفاق الاقتصادية كئيبة وعملت الشركات الكبرى على تقليص حجمها.

كان هذا على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة، حيث كانت الشركات هي التي تخشى استقالة موظفيها حيث كانت الحكومة توزع دفعات مالية على المواطنين أثناء جائحة كورونا.

لم تقم بكين بذلك فتراجع دخل الصينيين مع سياسة "صفر كوفيد" التي قلصت من الإنتاج وبالتالي إنفاق الأسر، حيث تجنب الناس السفر وتناول الطعام في المطاعم.

قطاع العقارات
ومع تراجع الحكومة الصينية عن القيود التي كانت تفرضها بسبب كورونا، وإعادة فتح البلد للقادمين من دون التقيد بشرط التلقيح في 8 يناير الجاري، بعد فترة بلغت 1016 يوما، يرى الاقتصاديون أن الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، مثل لي، سيعودون إلى العمل بسرعة عندما تسنح لهم الفرصة، مما يساعد على استقرار الإنتاج وسيرفع الاستهلاك، بحسب مجلة "إيكونوميست".

وتعتقد جاكلين رونج من بنك بي إن بي باريبا أن استهلاك الأسر سينمو بنحو تسعة في المئة في عام 2023، وهو تحسن كبير عن معدل النمو في العام الماضي.

كما سيمنح وضع الحكومة الصينية، حدا لسياستها "صفر كوفيد"، أملا في انتعاش قطاع العقارات المضطرب، مع وعود سياسية بتسهيل حصول المطورين على تمويلات ما يساعد الشركات على تجنب تخلف السداد وإنهاء بناء الشقق التي باعتها بالفعل.

ويتوقع جينغ ليو من بين "أتش أس بي سي"، أن ينمو النشاط في قطاع العقارات الذي يشمل البناء والخدمات والمفروشات، بنسبة ثلاثة في المئة، مما يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين.

ويتوقع بعض المتعاملين في السوق أن بعض الأسر ستقرر الاستثمار في العقارات في الوقت الحالي، مستغلة انخفاض الأسعار قبل عودتها إلى حالتها الطبيعية.

ولنحو 3 أعوام، واصلت الصين تطبيق استراتيجية "صفر كوفيد" للحد من انتشار الفيروس، والتي طالت تداعياتها الاقتصاد العالمي.

وفي 7 ديسمبر، قررت بكين بشكل مفاجئ تخفيف قيود الحد من كوفيد، علما بأنها لا تزال تواجه صعوبات جراء تفش جديد للإصابات.

ما وراء الحدود
تمتد الآثار الاقتصادية لتخفيف الصين لقيود كورونا، إلى خارج حدودها ومناطق أبعد بكثير.

فقد أدت سياسة "صفر كوفيد" إلى تراجع طلب الصين على السلع والخدمات العالمية لانخفاض الاستهلاك والإنتاج داخليا، خاصة مع إغلاق شنغهاي في النصف الأول من العام الماضي.

على سبيل المثال، انخفض الطلب على النفط في البلاد بمقدار مليوني برميل يوميا. لكن انفتاح بكين سوف يؤدي إلى رفع النمو العالمي لسبب بسيط وهو أن الصين تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد العالمي. وتتوقع "إيكونوميست" أن تعافي الصين يمكن أن يمثل ثلثي النمو العالمي في الربع الأول من العام المقبل.

ارتفاع الأسعار
في المقابل، قد يكون لتعافي الصين آثار جانبية مؤسفة، لأن انفتاح بكين يعني زيادة في الطلب العالمي على السلع والخدمات، ما يؤدي إلى ضغط في الأسعار وارتفاع التضخم، ومعدلات الفائدة التي ستفرضها البنوك المركزية في دول أخرى.

وتوضح "إيكونوميست" أن التأثير المباشر لانفتاح الصين، سيظهر على السلع، حيث تستهلك بكين ما يقرب من خُمس نفط العالم، وأكثر من نصف النحاس والنيكل والزنك المكرر، وأكثر من ثلاثة أخماس خام الحديد.

في الرابع من نوفمبر، تسببت مجرد شائعة عن إعادة الافتتاح في زيادة أسعار النحاس بنسبة سبعة في المئة بنهاية اليوم.

ورغم أن طلب الصين على المعادن ظل قويا خلال العمل بسياسة "صفر كوفيد"، حيث شجعت الحكومة على الإقبال على السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والبنية التحتية الخضراء، وكلها تتطلب الكثير من الألمنيوم والنحاس والمعادن الأخرى، فإن المنتجين كانوا يشترون ما يريدونه فقط من دون تخزين لعدم الثقة في المستقبل، ما أدى إلى انخفاض مخزونات النحاس إلى أدنى مستوياتها في 15 عاما.

ستشجع إعادة الفتح على إعادة تخزين المعادن، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، حيث يعتقد بنك غولدمان ساكس أن سعر النحاس سيرتفع سعر الطن إلى 11 ألف دولار في غضون 12 شهرا، بعد أن كان أعلن في نوفمبر الماضي، عن تقديره لأن يصل السعر بعد عام إلى 9 آلاف دولار.

ويمكن أن يكون التأثير على النفط كبيرا أيضا، إذا حقق الاقتصاد الصيني انتعاشا كاملا في عام 2023، مما قد يزيد واردات بكين من النفط الخام على مدار العام الجاري تدريجيا مليون برميل إضافي في المتوسط يوميا.

ويتوقع بنك غولدمان ساكس أن شهية الصين المتزايدة قد ترفع أسعار النفط بنحو 15 دولارا للبرميل، كما يُعتقد أن سعر خام برنت قد يتجاوز 100 دولار مرة أخرى في الربع الثالث من هذا العام، مما يجعل المعركة العالمية ضد التضخم أكثر صعوبة.

مستفيدون
ورغم أن ارتفاع أسعار السلع بسبب الاستهلاك الصيني المتزايد سيضر الدول المستوردة للطاقة، فإنه سيكون نعمة بالنسبة للمصدرين للنفط. لكن دولا مجاورة أخرى ستستفيد ليس من توفر المنتجات الصينية، ولكن من بيع الوجهات السياحية للسائحين الصينيين. أكبر الفائزين في هذا المجال ستكون هونغ كونغ وتايوان.

الحرة