ورحل رجل الدولة والقامة الوطنية عبد السلام المجالي

 
بتاريخ 3 / 1 / 2023 انتقل إلى جوار ربه عن عمر يناهز ال 98 عاما، رئيس وزراء الأردن الأسبق دولة السيد عبد السلام المجالي رحمه الله، بعد حياة حافلة بالعطاء للوطن، من خلال المواقع التي أشغلها في الدولة الأردنية. وقد شملت تلك المواقع مديرا للخدمات الطبية الملكية بصفته أول طبيب أردني، ورئيسا للجامعة الأردنية، ووزيرا للصحة، ورئيسا للوزراء لفترتين، ورئيسا للوفد الأردني في مفاوضات السلام.

في هذا المقال سأتحدث عن الدكتور عبد السلام المجالي، الطبيب وليس السياسي والأكاديمي، وخاصة ما يتعلق بمشروع معالجة العائلات في القوات المسلحة، تاركا الحديث في النواحي الأخرى لأصحاب الاختصاص.

فهذا المشروع الذي تتولاه الخدمات الطبية الملكية، يُقدم الخدمة العلاجية والتمريضية للعسكريين وعائلاتهم، منذ بدء العمل به قبل أكثر من نصف قرن وحتى الآن. ولكن الكثير من متلقي هذه الخدمة لا يعرفون من هو صاحب الفكرة، وكيف نشأت وتطورت مع مرور الزمن لتشمل أعدادا كبيرة من عائلات العسكريين. ولكي أبين حقيقة هذا الموضوع، أجد من الضرورة ألقاء الضوء عليه، تقديرا لمن أطلقه وإعادة الفضل لصاحبه.

ففي أواسط الستينات الماضية، كان الدكتور عبد السلام المجالي مديرا للخدمات الطبية الملكية في القوات المسلحة الأردنية. وكانت العناية الطبية بمختلف تخصصاتها في ذلك الحين، مكرّسة لخدمة ضباط وأفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العاملين والمتقاعدين فقط. فبادر عبد السلام بطرح فكرة ” مشروع معالجة العائلات ” بما يخص عائلات العسكريين عاملين ومتقاعدين.

جرى تعميم فكرة المشروع على جميع وحدات القوات المسلحة، فجاءت النتيجة بالتردد في قبوله من قبل الكثيرين. ولأن عبد السلام كان مقتنعا بفوائد هذا المشروع للعسكريين وعائلاتهم، خاصة في ظل ارتفاع الكلف العلاجية وأثمان الأدوية، في القطاع الخاص حاضرا ومستقبلا، فقد أصرّ على السير بمشروعه وتنفيذه بعد تذليل العقبة التي اعترضته. فراح يجول على الوحدات العسكرية والأمنية، وإلقاء المحاضرات على مرتباتها، في محاولة لإقناعهم بجدوى المشروع وفوائده الإيجابية على العاملين والمنتفعين.

وفي عام 1965 كنتُ برتبة ملازم أول في كتيبة الأمير عبد الله بن الحسين، والتي كانت تعسكر في غور الأردن جنوب مثلث المصري، فحضر مدير الخدمات الطبية الدكتور عبد السلام المجالي في يوم ربيعي مشمس، لإلقاء محاضرة على ضباط وأفراد الكتيبة، التي اجتمعت بكافة مرتباتها في ساحة الكتيبة.

تحدث الرجل بلغة بسيطة أمام أفراد الكتيبة، مبينا أهمية هذا المشروع لهم ولعائلاتهم حاضرا ومستقبلا، وبين أن هذا المشروع يتطلب تخصيص بطاقة طبية تحمل صورة كل فرد ذكرا أو أنثى منتفع، كي لا يحدث تلاعبا بتلك البطاقات لغير المنتفعين، إذ لم يكن نظام الرقم الوطني معمولا به في ذلك الوقت.

في نهاية المحاضرة طرح المحاضر سؤاله على الحضور، عن سبب معارضتهم للمشروع. فجاء الجواب المباشر أنهم لا يرغبون بوضع صور زوجاتهم، على البطاقات الطبية وفي السجلات التي يتداولها الكتبة في مؤسسات الخدمات الطبية. فأخرج المحاضر بطاقة من جيبه عليها صورة زوجته، وقدمه لأول جندي في ذلك الاجتماع قائلا : هذه بطاقة زوجتي انظر إليها ومررها إلى جميع أفراد الكتيبة.

واصل عبد السلام محاضراته حول هذا الموضوع في مختلف وحدات القوات المسلحة، فأظهر معظم العسكريين ليونة في الموقف بعد ذلك الجهد المكثف. ثم أن عبد السلام أبدى من جانبه تساهلا في مسألة الصورة على البطاقة، وسمح باستخدامها بدون صورة مرحليا، إلى أن اقتنع الجميع فيما بعد بضرورة وضعها، حيث أضيفت صورة المنتفع مقرونة بالرقم الوطني على البطاقة. ولو قامت الجهات المعنية هذا اليوم، بإحصاء عدد المنتفعين من هذا المشروع منذ عام 1965 وحتى الآن، لتجاوز العدد عشرات الملايين من الأشخاص.

وهكذا يكون الدكتور عبد السلام المجالي، قد قدم خدمة طبية وإنسانية، لشريحة كبيرة من أبناء الوطن، يستحق عليها الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة. وأتمنى أن تقوم القيادة العامة للقوات المسلحة بتسمية هذا المشروع بِ" مشروع عبد السلام لمعالجة العائلات "، تخليدا لاسم الرجل صاحب المبادرة بعد وفاته، باعتباره الأب الروحي لهذا المشروع الوطني العظيم.

ختاما أستميح الإذن من زملائي، أبناء وبنات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، العاملين والمتقاعدين، وورثة الشهداء والمتوفين، أن أذكّر بإحدى المناقب الخالدة، للفقيد دولة السيد عبد السلام المجالي، على ما قدمه لنا ولمن سبقونا وللأجيال اللاحقة في القطاعين العسكري والأمني من خدمة جليلة، يتمناها كل أردني، سائلا الله تعالي أن يغفر له ويرحمه، ويجزيه عنا خير الجزاء.

التاريخ : 4 / 1 / 2023