ما أهمية طلب فتوى من "العدل الدولية" حول ماهيّة الاحتلال؟
في عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهايّ، قرارًا طالبت فيه الاحتلال بوقف بناء الجدار الفاصل وهدم ما تم بناؤه ودفع تعويضات لكل المتضررين، وعرف لاحقًا بـ"فتوى لاهاي"، إلا أن "إسرائيل" لم تنفذ القرار وأصرت على مواصلة البناء.
وقبل أيام، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح قرار طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن ماهية الاحتلال الإسرائيلي والتبعات القانونية لاحتلال الأراضي الفلسطينية.
وتضمن طلب الأمم المتحدة لمحكمة العدل مسألتين؛ حيث تتعلق الأولى بالآثار القانونية الناشئة عن انتهاك "إسرائيل" المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها.
وتتعلق الثانية بكيفية تأثير سياسات "إسرائيل" على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي الآثار القانونية المترتبة على الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
وعن ذلك، يقول المحلل السياسي سامر عنبتاوي إن: "هذا القرار شبيه بقرار "لاهاي" في قضية الجدار واعتباره فصلاً عنصريًا، والذي يستعمله الاحتلال في تطويق الشعب الفلسطيني ضمن منطقة جغرافية محصورة بتأثير سياسي".
ويكشف عنبتاوي في حديث لوكالة "صفا" أن صفة القرار بخصوص إصدار فتوى من محكمة العدل الدولية هي صفة استشارية ليست إلزامية.
ويرى عنبتاوي أن صدور القرار من الأمم المتحدة، وكذلك صدور قرار من العدل الدولية يتحدث عن ماهية الاحتلال بشكل قانوني وإجراءاته القانونية، يعطي دفعة معنوية كبيرة للشعب الفلسطيني ولحق الشعب من أجل تعريف العالم بالاحتلال وإجراءاته وممارساته القمعية.
ويلفت إلى أن القرار يتخذ موقفًا استشاريًا يؤدي تأثيرات دولية عما يحدث من انتهاكات للقانون الدولي، وعمليات القتل الممنهج والعقوبات الجماعية وتغيير معالم الضفة وبالذات الدينية والسياحية والتراثية، وكل ما يرتبط بإجراءات الاحتلال.
لكن عنبتاوي يشير إلى أبعد من ذلك، وهو الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية، واستغلال قرار محكمة العدل الدولية، ما سيجعل التأثير أوضح لمحاكمة دولة الاحتلال على إجراءاتها واعتماد القرار المعنوي الذي يصدر عن العدل الدولية.
ويبين أن قرار المحكمة بمثابة مرجعية قانونية تتعلق بماهية الاحتلال وإجراءاته، بحيث يمكن استغلاله للذهاب باتجاه محاكمة قادة الاحتلال، حيث يصبح الفعل أكثر وضوحًا من خلال محكمة الجنايات الدولية.
وبحسب عنبتاوي، فإن قرار العدل الدولية يتم الركون إليه كصفة استشارية لتجريم الاحتلال، مشددًا على ما سيحصل في اليوم التالي وما يمكن فعله، والحاجة لمجهود دولي يفضح إجراءات الاحتلال، واستغلال ذلك لتعميق ودعم وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات عن دولة الاحتلال.
التوظيف
أما الباحث بمركز "يبوس" للاستشارات والدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات، فيرى أن أهمية القرار تكمن في القدرة على التوظيف السياسي والدبلوماسي الفلسطيني.
ويقول بشارات لـ"صفا" إن هذا يتطلب وعيًا فلسطينيًا أكبر في كيفية توظيف القرار بمحاولة إعادة تفكيك العلاقة التي تربط الاحتلال بالمحاور الإقليمية والدولية، سيما وأن الاحتلال استطاع اختراق العديد من الدول عبر دبلوماسيته القوية وتقليل الأصدقاء والداعمين للقضية، والذين يستغلهم في عمليات التصويت أمام الأمم المتحدة مجلس الأمن وغيرها من المؤسسات الدولية.
ويتطرق بشارات إلى أن أي حراك وجهد يبقي القضية حاضرة أمام المحافل الدولية أمرًا مهمًا وضروريًا، وهو نابع من إدراك أهمية عدم السماح بإضعاف القضية سياسيًا وإعلاميًا، والتي يحاول الاحتلال العمل عليها.
ويتوقع الباحث أن تصدر محكمة العدل الدولية قرارًا بعدم شرعية الاحتلال، ويترتب على الاحتلال عدم الاعتراف به من الناحية النظرية، لكن فعليًا لن يحدث؛ سيما وأن الاحتلال مشروعٌ غربيّ أقيم على أرض فلسطين، بحيث لن يكون إجبار فعلي لقبول القرار، مثلما حدث في قرار لاهاي بما يخص الجدار الفاصل.
وحول مصير القرار في ظل صعود حكومة يمينية، يلفت بشارات إلى أن "إسرائيل" كـ"دولة" احتلال تقوم بالأساس على رفض المواقف الدولية.
لكنه يشدد على الحاجة الفلسطينية لإعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال والتحرك أمام المحافل الدولية، والتمسك بالقرارات وعدم إخضاعها للمساومة كما جرت العادة أو تحريك عملية السلام.
ويبين بشارات أهمية توحيد الموقف السياسي الفلسطيني بهدف التحرك الجاد على الأرض والاستفادة من أوراق القوة، مشيرًا إلى أن استمرار الواقع وحالة التشظي لن يمنح الفلسطينيين قدرة ودور في إجبار الاحتلال على تنفيذ القرارات.
صفا