عار الجوع ما بين العدالة والمال في القرن الحادي والعشرين



نشرت عالم المعرفة هذا الشهر ، كتاب المؤلف ديفد ريف ومحاولة منه للإجابة عن تساؤل : لماذا أخفق العالم في إيجاد حلّ لأزمة الجوع في القرن الحادي والعشرين والفقر المدقع المنتشر رغم الوعود المتكررة من زعماء العالم تحت عنون (عار الجوع والعدالة والمال في القرن الحادي والعشرين The Reproach of Hunger بصيغة العتاب الى قادة العالم.

من العار عدم معالجة مشكلتيّ الفقر والجوع ، وهل الآن باتت رؤية العالم أفضل والأمل شيئاً يمكن بلوغه أخيراً؟ أزمة الغذاء العالمي في 2008_2007 هل كانت نقطة تحوُّل؟ الشباب ليسوا بحاجة أن يخطئ قادة وزعماء العالم مرة أخرى ولتتعدى كونها وُعود كاذبة للفقراء ، هل يُعدّ إصلاح نظام الغذاء العالمي كافياً؟ نريد إشاعة حادة من التفاؤل بدءاً من العلم للإنقاذ بعيداً عن وقوع صانعي السياسات المالية والإقتصادية في مزيد من الغرام في حب سلطة المال والقطاع الخاص ، وتقنين أدوات الرأسمالية الخيرة كقصة حب الذات .

نهاية الجوع ليس فقط في تخصيب الأرض بالمال ، المطلوب عمل كل شيء لإنهاء الجوع والفقر أو إجراء العلاقة المتقلبة بين إنتاج الغذاء وإستهلاكه ، ما عدا التفكير السياسي كوسيلة نشر إشاعة التفاؤل كعنصر معنوي ، والتشاؤم إهانة أخلاقية ، نصدِّق الحكمة التقليدية أنه لا توجد أعمال عظيمة بدون أحلام عظيمة ، وأضيف أن تُدار الشؤون العامة من الشرفاء المخلصين المكلَّفين زمام القيادة بمهام تطوير وتحقيق أهداف التنمية المستدامة .

ليس من الأخطاء الشائعة كون إعتبار الأمن الغذائي العالمي قد خرج من إهتمام أو غياب واضح عن جدول أعمال قادة العالم منذ أواخر التسعينات ، كما أن نجاح (الثورة الخضراء) الزراعية ساعد مئات الملايين من العالم على تفادي معاناة الجوع والفقر المُدقع في معظم دول الجنوب خاصة إفريقيا وآسيا وحيث أخفقت الحكومات بدءاً من سوء التقدير عندما خفَّضَت إستثماراتها في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية حيث وَجَّههت سياساتها الى مجالات الأنشطة الخدمية والعقارية ، هذه السياسات هي الخطأ الأكبر منذ عام 2008 أسعار الأغذية بدأت في الإرتفاع بشكل جنوني إرتفع سعر الذرة 31% والأرز 74% وفول الصويا 87% والقمح 130% ، على سبيل المثال في مصر تضاعَف سعر الخبز في غضون بضعة أشهر عدة مرات . ما بعد الجائحة والحرب الأوكرانية الروسية وفقاً لغالبية التقديرات إذا ما قيست في مجموعها المتوسط إرتفعت فاتورة الغذاء بنسبة 60% يضاف لها تكاليف الإستيراد بمعدَّل 25% ، تعتبر أسوء أزمة شيوعاً حول العالم والأكثر تأثراً بها دول الجنوب ، كما شاهدنا تفجر حوادث الشغب من جرَّاء عدم القدرة الشرائية لغالبية الشعوب وإنخفاض مستويات الدخول وتجميدها وليس فقط جرَّاء نقص الغذاء كما في أثيوبيا وأوزباكستان .

إن بروز الإهتمام من السلطات الحاكمة ، حول دراسات وتوقعات زيادة حوادث الشغب لم يكن مبالغ به نوعاً ما وفي غالبية الظروف فإن العلاقة السببية على نحو إرتباط السياسات المالية والإقتصادية القاسية والغير منصفة متجاوزة أهداف العدالة الإجتماعية ، وللأسف الدائمة التي يعيشها الفقراء في معظم دول الدول ، تؤكد السببية في سلسلة الموجات المتقطعة من الإضرابات بحيث أصبحت ظاهرة إجتماعية. إن أزمة الغذاء تتزايد خطورتها كونها السبب الكامن كمُحرك رئيسي وشعلة إندلاع الإحتجاجات والصراعات الإجتماعية وتزايد إحتمالية شيوع حالات الشغب في ظل زيادة معدلات السكان وقلة مستوى الدخول ، تصنف كونه ظاهرة تعتبر تهديداً وجودياً أو في أقل تقدير وزن نوعي ظاهرة عدم إستقرار في كثير من الأنظمه السلطوية.

طالما هناك (غياب الأمل) أو بدأ هذا الأمل يتبخَّر أمام ناظري وأعين غالبية المجتمعات الفقيرة ومتوسطة الدخل متزامناً مع تآكل الطبقة الوسطى ، لايمكن لصانعي السياسات أن (تتملَّكهم حالة الصمت وإنتظار المجهول) التي تعظِّم الشعور باليأس القاتل للشعوب جرَّاء شعورهم بالقلق على بقاء حياتهم وعيشهم الكريم ، وصولاً الى تلاشي الأمل بإمكانية وجود مستقبل أفضل لأطفالهم. فإن الغضب القادم التي تفرزه هذه السياسات العمياء وحالة الكمون الحكومي ، حتماً مؤداها الخروج عن التقليد السياسي والإجتماعي السائد نحو الفوضى الغير منظمة ، كما نلاحظ أنه بدأت تولد عقلية شبابية مناهضة للنخبة السياسية التقليدية وصولاً الى النظام ، والتخوُّف أن تتَّجه نحو تشكيل إطار تنظيم الشعبوية المتفلتة والمتفرقة جغرافياً بأطر مختلفة ، نعم التاريخ قد برهن أن الأشد خطراً بين كل أشكال وصور الغضب على الإطلاق (غضب البطون الخاوية). ليس من الحكمة البقاء في نفس العربة وركابها والأهم الميكانيكي (مجلس السياسات ولجان الفحص من الإختيارية) والله من وراء القصد

الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com