اقتصاد السوق الاجتماعي
هو نظام اقتصادي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق كما يرفض أيضا الاشتراكية الثورية، حيث يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة، من تقليل التضخم، وخفض معدلات البطالة، ووضع معايير لظروف العمل، وتوفير الخدمات الاجتماعية.
مبدئيا يحترم اقتصاد السوق الاجتماعي السوق الحر ويعارض الاقتصاد المنظم حكوميا وسيطرة الحكومة على وسائل الإنتاج كما يعارض الرأسمالية المطلقة التي لا تسمح للدولة التدخل في السوق والاقتصاد مطلقا.
اقتصاد السوق الاجتماعي هو النموذج الاقتصادي الذي أصبح الأكثر انتشارا في ألمانيا وكذلك في النمسا، والدول الإسكندنافية وبعض الدول الأخرى حسب سياسات الحزب الحاكم فيها وكل بلد حسب ظروفها الإقتصادية وطبيعة انتاجها وتنوعه،
حيث ارتبط به النجاح الاقتصادي الباهر في ألمانيا "المعجزة الاقتصادية الألمانية Wirtschaftswunder" بعد الحرب العالمية الثانية، وانتشر بعدها في كثير من الدول الاوربية حيث تبنته أحزاب الديمقراطية الاشتراكية وأحزاب اُخرى.
وقد يفهم من تعبير اقتصاد السوق الاجتماعي خطأ بأنه ينتمي إلى الاشتراكية.
وليس مصادفة أن الدول الأقل تضررا في الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 وما بعدها، كانت الدول التي تنتهج الديمقراطية الإجتماعية ومبادئ السوق الاجتماعي، ومنها كما ذكرنا الدول الإسكندنافية وألمانيا، حتى في جائحة الكورونا الأخيرة برزت أهمية هذا النهج في مواجهة النهج والسياسات اليمينية المتطرفة أو النيو ليبرالية المتوحشة.
ويتجه العالم الآن في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية - نوعا ما إلى صعود نجم الديمقراطية الإجتماعية ونجاحها المتعاظم لها.
والتوازن المطلوب في الإقتصاد يقوم على تضخم محدود، والحد من البطالة وتوفير ظروف العمل اللائق، وتحقيق مستوى مقبول من الرفاه. كما يتيح هذا النظام إمكانات كبيرة فيما يخص المفاوضات الجماعية والعمالية والتي تحقق التوازن المطلوب.
كذلك، يقوم المبدأ على أساس ممارسة الدولة لدورها في ضمان تكافؤ الفرص، ليس فقط في الحصول على الوظائف، بل في التأهل لتلك الوظائف من ناحية الحصول على التعليم والتدريب اللازمين. أما القطاع الخاص، فتقع على عاتقه مسؤولية مجتمعية وبيئية.
في السويد:
معظم إيرادات الدولة من الضرائب التي تصل نسبتها من الناتج القومي الإجمالي 80 % ، وتصل نسبة الضريبة التصاعدية فيها على مداخيل الأفراد والمؤسسات إلى 60 %.
وتنفقها الدولة على التعليم والصحة والتأمينات الإجتماعية وتحسين وتطوير البنية التحتية من نقل وكهرباء ومياه وتكنولوجيا.
في الأردن:
في فترات ماضية عندما أصبحت الدولة الأردنية أكثر وضوحا لملامحها وتطورا في الخمسينات والستينات وما بعدها، كانت تنتهج الدولة هذه السياسة الإقتصادية رغم صغر حجم الإقتصاد الأردني، وخاصة في عهد حكومتي الشهيد وصفي التل في أول الستينات وأول السبعينات، التي كانت تشجع وسائل الإنتاج والجمعيات التعاونية والسيطرة على شركات القطاع الخاص الإنتاجي الكبرى مثل المصفاة والفوسفات والبوتاس وغيرها، ونوعية التعليم، لكن هذا النموذج لا يشكل إلا مقاربات محدودة مع نموذج وتطبيقات السوق الاجتماعي.
وتخلى الأردن تدريجيا عن هذه السياسة وأصبح ينتهج سياسات أكثر ليبرالية في العقود التي بعدها.
وما تزال فجوة الدخل بين فئات المجتمع في الأردن عميقة، والسياسات المتبعة، لاسيما الضريبية منها، لا تذهب باتجاه المبدأ الذي ننادي به. فضريبة الدخل على الشرائح العليا من الدخل في دول تتبع المبدأ تصل إلى أكثر من 60 في المائة في بعض الحالات، ومقابل ضرائب الدخل المرتفعة هناك خدمات متفاوتة في مجال التعليم والصحة، وبنية تحتية وفوقية أيضا متفاوتة دون تحقيق عدالة إجتماعية متوازنة.
مثال ذلك:
كانت الضريبة في الأردن على أرباح البنوك في السبعينات ولغاية آخر التسعينات 55% ، ولما تضاعفت أرباح البنوك بعدها لأرقام قياسية خفضت الحكومة الضريبة على ارباحها إلى 25 %.
وبعد الربيع العربي ارتفعت إلى 35% وفي حكومة د. عمر الرزاز ارتفعت إلى 37 %.
هذا مثال صارخ على مراعاة الحكومة مصالح إقتصادية لأفراد وعائلات ولوبيات مصرفية واقتصادية ضمن إقتصاد مشوه لا تعرف له منهج واضح.
والنموذج الأوروبي يصاحبه أنظمة سياسية ديمقراطية تقوم على مبدأ المساءلة والشفافية شبه المطلقة فيما يتعلق بالإنفاق العام.
وإذا انتقلنا إلى الجوانب الإنتاجية في الاقتصادات التي تتبع هذا المبدأ، سنجدها عريضة ومتنوعة، ولن نجد مفهوم دعم السلع المشوه، أو طلبات الحماية التي لا تنتهي، أو التشوهات السعرية والتركز في الأسواق وتحديد هوامش ربح مرتفعة، كما هو حاصل في سوقنا المحلي. كذلك، لا توجد عجوزات في الموازنة بعد وقبل المساعدات، وخلل مزمن في الميزان التجاري.
هل يمكن الحديث عن توازن معقول وعدالة إجتماعية ولو بحدها الأدنى للفئات المختلفة محليا؟ وكيف نبدأ الطريق لاتباع مبدأ تطور على مدى سنين، وأفرز أحد أمتن الاقتصادات العالمية وأكثرها توازنا، وهو الاقتصاد الألماني؟ من التمنيات تحقق جزء من مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي كما أرساه أصحابه، ولكن يبدو أن للأردن نسخته الخاصة من اقتصاد السوق الاجتماعي - كما ذكرت لكل بلد ظروفه ونوعية اقتصاده، لكن ضمن منهجية واضحة، ولكن ما هي الأسس التي على أساسها نعمل على ترجمة تلك المبادئ؟ ومن هم الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون في تحقيق ذلك؟
من استلم الحقائب الوزارية الإقتصادية الهامة أو رؤساء وزراء هم من خلفية مصرفية أو مالية، وليست إقتصادية بتفكير فلسفي وفهم عميق للمجتمع وتحولاته الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية.
ويبقى السؤال معلقا: هل نحن مؤهلون لهذه التحولات والتغييرات الجذرية المتسارعة؟ وكيف؟ ومتى؟