السلطة الفلسطينية واسرائيل مثلث الاقتصاد والسياسة والأمن
تستمر لعبة "اليمين المتطرف" الحاكم في اسرائيل باللعب على وتيرة اضعاف السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم لتحويلها لمجرد هيكل فارغ سياسيا.. يؤدي خدمات بلدية وأمنية محدودة بسقف الحكم الذاتي بعيدا عن أي مقومات حقيقية لاقامة الدولة التي يسعى اليها الفلسطينيون.
ومجددا.. يتمرد الفلسطينيون على واقع الاحتلال الذي يسعى الى ترسيخ قيوده بفرض الامر الواقع في الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، ويلجأون الى الأمم المتحدة "العقدة السياسية" لاسرائيل في علاقاتها مع المجتمع الدولي الذي أعلن تعامله الحذر مع حكومة اليمين المتطرف بقيادة "بنيامن نتنياهو"، فصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لتقرر الحكومة الإسرائيلية بعدئذ خمس عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، لما اعتبرته حربا سياسية وقانونية على "دولة إسرائيل" يشنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
الفلسطينيون يدركون حجم المعاناة جراء هذه العقوبات والتي "تتشاطر" بها حكومات اليمين الاسرائيلي لمغازلة قواعدها الشعبية داخل اسرائيل، لكن في الوقت ذاته يدرك الفلسطينيون ان هذا "مدى" هذه الحكومات والتي لا تسعى لانهيار السلطة الفلسطينية بل ابقائها ضعيفة ومغضوبا عليها شعبيا داخل اوساط المجتمع الفلسطيني، لذلك تلجأ القيادة الفلسطينية وأجهزتها الحكومية للتقوقع بعيدا عن ضائقتها المالية لتثبيت أركان الوضع القانوني والسياسي لمنظومة الدولة الفلسطينية التي تسعى اليها عبر المؤسسات الدولية، ففي ظل الأزمات العالمية من جائحة كورونا وتأثيرها على ضعف الاقتصاد وحالة الركود ،وحرب الروس على أوكرانيا والتي تسببت أيضا بشح امدادات الطاقة والغذاء عالميا.. مما كان له أثر سلبي على المنح والمساعدات الدولية للحكومة الفلسطينية، إذ تصرف هذه الحكومة منذ عام تقريبا 80% من رواتب موظفيها، ومن المرشح ارتفاع نسبة عجز صرف الرواتب بعد العقوبات الاسرائيلية الأخيرة.
المعضلة ان الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد داخل اسرائيل، رغم محاولات الحكومات الفلسطينية الحثيثة للانفكاك الاقتصادي خاصة بعد قرارات المجلس المركزي الفلسطيني والتي دعت لفتح بروتوكول "باريس الاقتصادي" مجددا.. واعادته على طاولة التفاوض بالاتفاق مع الفرنسيين، ليخلق اقتصادا فلسطينيا منافسا لاقتصاد اسرائيل من خلال إعادة ترتيب وتنويع وتوسيع قاعدة التجارة الخارجية الفلسطينية لكسر احتكار إسرائيل لهذا القطاع التجاري، فضلا عن تحكم اسرائيل بالحدود والمعابر وتحصيل اموال المقاصة والضرائب الفلسطينية، والتبعية النقدية وتبعية سوق العمل حيث يعمل ما يقارب ربع مليون مواطن فلسطيني داخل اسرائيل، فتمتلك إسرائيل بذلك أوراق ضغط سياسية اقتصادية، تضرب من خلالها إمكانية إقامة دولة فلسطينية، من خلال إضعاف الاقتصاد الفلسطيني والتحكم بمقوماته، وجعله غير قادر على المنافسة، وتابعاً للاقتصاد الإسرائيلي، ولا يقتصر الامر على هذا فقط فالاحتلالات والتشوهات في الاقتصاد الفلسطيني والتي سعت اسرائيل لتكريسها لجعل فرص اقامة الدولة الفلسطينية ضئيلة، فالعلاقة الفلسطينية الاسرائيلية مرتبطة بمثلث؛ السياسة والامن والاقتصاد، وكما يوجد تمرد سياسي في العلاقة مع الاسرائيليين تقوده القيادة الفلسطينية في أورقة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، يجب ان يوازيه تمرد اقتصادي من خلال انتهاج سياسات جديدة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد الاسرائيلي من خلال وقف الهيمنة الاسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، وتقوية القدرات الذاتية له باختزال الارتهان المعيشي الفلسطيني لإسرائيل، وتنويع العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية ودول العالم الخارجي، وكذلك تقليص قدرة إسرائيل على استغلال الاعتماد المفرط عليها لتمرير سياسة التعايش مع الإملاءات الاقتصادية والأمنية والسياسية والإسرائيلية والتأقلم معها.