الأمير هاري ينشر غسيل قصر باكنغهام … وأستاذ متحرش بغطاء ديني!
كانت أمي تقرأ لي قصة ساندريلا عندما كنت صغيرة. وفي كل مرة تفتح الكتاب وتعيد قراءتها أشهق الشهقة نفسها عندما أرى صورة الأمير وهو يراقص حبيبته… كان فيها شيء من السحر والبهجة والحب، شيء يتلاءم مع أحلام الصغار وجسر عبور يصطحبنا إلى الضفة الأخرى حيث لا حروب أهلية ولا دماء ولا ملاجئ. كنا صغارا وقد أوهمتنا تلك القصص بأن النهايات بمعظمها سعيدة… وكبرنا لنكتشف العكس… وها نحن نقرأ قصة مختلفة عن أمير لا يراقص حبيبته، بل يبث للعالم كله مواجعه وأحزانه بصراحة نادرة.
لقد ضجت مؤخراً وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل القراء مع صدور كتاب للأمير هاري ابن ملك بريطانيا بعنوان «الاحتياطي».
أولاً، ما هي قصة هذا العنوان الغريب؟
حين أنجبت الأميرة ديانا ابنها الثاني هاري قال لها زوجها تشارلز ملك بريطانيا الحالي إنه سعيد بقدوم ولد احتياطي… أي أن وليام سيكون ولي العرش وهاري هو مرشح على مقعد الاحتياط… تلك الكلمات وصلت لأذني هاري الصغير وتغلغلت في قلبه ولم تفارقه أبداً… وحين كبر كانت عنوان سيرته الذاتية الموجعة.
لكن كيف تفاعلت الصحافة العربية مع سيرة هذا الأمير المجروح؟
لقد نقلت الصحافة العربية العناوين العريضة التي تروّج لسيرة الأمير كما هي ولم تنحز لفريق على حساب آخر… أي لم تنحز للأمير هاري على حساب العائلة الملكية بل وقفت أغلبها في الخط الوسطي، وقد يعود ذلك لسببين: ربما لأنها تدين ضمنياً تصرفات هاري من جهة وتتعاطف معه من جهة أخرى. تدينه لأن الكتابة ابنة بيئتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها ولا يمكن فصل عملية الكتابة عن الثقافة… كيف يتماشى مع القيم العربية فضح العائلة الملكية والتحدث عن الأب والأخ بالسوء؟ كيف ننسى المثل العربي الشهير الذي لطالما ردده أجدادنا: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، فكيف يمكن للفرد الخروج إلى العلن والتشهير بأفراد عائلته؟ نعم، قد يختلف الأخ مع أخيه ولكن لا بد من أن ينصره أمام الناس ويدافع عنه… وقد نستهجن نقل الخلافات الأسرية التي تحصل بين أربعة جدران إلى العلن.
أما من ناحية أخرى فقد يلقى الأمير بعض التعاطف العربي وذلك وببساطة شديدة لأننا شعوب عاطفية جداً، نتأثر بأحزان الآخرين رغم أننا أبناء الوجع ومشتقاته الكثيرة… الأمير هاري هو ابن الراحلة الأميرة ديانا، محبوبة الجماهير، وهو يشبهها إلى حد كبير. وقد تكون خسارته لوالدته في عمر لا يتعدى 12 سنة جمعت حوله تعاطفاً عربياً مع أنه تراجع كثيراً في بريطانيا في السنتين الأخيرتين.
ومنذ أعلن الأميرعن موعد صدور كتابه عادت الأميرة ديانا لتتصدر كل صفحات السوشيال ميديا العربية بقصصها وأخبارها، وعاد حادث السير الذي قضت فيه مع دودي الفايد إلى الصدارة… عادت بقوة وكأنها لم تمت تماماً كما اعتقد هاري طوال طفولته: لقد اختفت قليلاً لتعود إلينا كجزء من خطة.
ما هو الفرق بين السيرة الذاتية التي كتبها الأمير وتلك التي ينشرها كتابنا العرب؟ إنه فرق شاسع يمكن تلمسه من تلك اللقطات السريعة التي نشرت من الكتاب حتى قبل صدوره رسمياً.
نحن لم نسمع عن كاتب عربي تحدث عن خباياه السود كما هي وبشكل علني… أما الأمير فقد أخبرنا كيف تعاطى الكوكايين وكيف قتل 25 شخصاً وتحدث عن لحظة تهجم أخيه عليه وكيف بطحه أرضاً وسبب له جرحاً في ظهره ولكنه قرر عدم الرد عليه بالمثل… لم يخجل الأمير بعرض نفسه كما هي بعتمتها قبل ضوئها.
لا أحد يعرف الحقيقة كاملة. قد يكون هاري ظلم عائلته التي التزمت الصمت، وقد يكون محقاً في بعض ما قاله. ولكن سكان القصر هم وحدهم الذين يعرفون تفاصيل الأحداث التي تتصدر الصحف ويتناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهم وحدهم يسربون للصحافة المعلومات التي يرغبون بانتشارها وهذا ما لمح إليه هاري حين وصف زوجة أبيه كاميلا بالخطيرة.
ويبقى الأب، وإن كان ملكاً، لا يقوى على خسارة ولده… لقد قال الملك تشارلز لولديه وليم وهاري قبل صدور السيرة: «لا تجعلاني تعيساً في آخر حياتي»… ولكن تلك الكلمات المؤثرة لم تردع الأمير عن «نشر غسيل العائلة».
الأستاذ المتحرش
ومن فضائح العائلة الملكية إلى فضيحة أخرى عربية الطابع بتواطؤ مع مؤسسات دينية… لقد انتشر مؤخراً على الفيسبوك فيديو لشابة سورية تدعى حلا مغامز تحكي فيه قصة موجعة عاشتها أيام الطفولة حين كانت تعيش في حلب. و»بطل» تلك القصة هو مدرس الرياضيات في مدرسة الأمل الذي كان يستغل ثقة الأهالي ليتحرش بأطفالهم. لقد طلب منه بعض الأهالي أن يدرس أولادهم في دورات خاصة آملين أن تتحسن درجات الأطفال العلمية ولم يعلموا أن داخل الأستاذ وحش يستعد لافتراس الصغار والصغيرات. في البداية خافت حلا من مواجهة المتحرش أو من أن تعلم أهلها بذلك الاعتداء المتكرر. ولكنها وبعد مرور عدة سنوات استجمعت ذاتها وقررت أن تفضحه لتمنعه من الاعتداء على آخرين قد يصبحون ضحايا جددا لإجرامه.
كان الأستاذ يحرص بأن يتكلم مع طلابه عن الأمور الجنسية كباب يصل من خلاله إلى مبتغاه. الكل علم بتلك الجرائم التي قام بها ولكن لم يحاسبه أحد.
تسرد حلا كيف كان الأستاذ يبدأ باستغلالها قائلاً لها إنها «إنسانة مدمرة بسبب حادث وهي مشوهة نفسياً وجسدياً، هي كلها عقد وفاشلة، وستفشل في الحياة إن لم تسمح له بمساعدتها..». ثم يدعي بأنه يستطيع كشف الصدمة التي يتعرض لها الإنسان من شكل جسده. هكذا كان يحاول لف خيوط العنكبوت حولها ليكبلها بعناية فيسيطر عليها. لقد استغل ضعفها أيام المراهقة وراح يستدرجها قبل الدرس وبعده. تضيف أن أيام البكالوريا عاشت حالة من النكران إلى أن سافرت إلى كندا وبدأت بالعلاج النفسي حيث فهمت أنها تعرضت للتحرش وبأن الأستاذ مجرم وقد استغل سلطته كأستاذ ومكانته عند الأهالي والطلاب للوصول إلى ضحاياه. ولكن الصدمة الأكبر كانت من الجهات الدينية التي لجأت إليها حلا كي تحكي قصتها. لقد طلب منها المطران أن تتكتم عن الموضوع خوفاً من الفضيحة وطلب منها الصلاة وقدم لها كتاباً للصلاة… لم يُطرد الأستاذ من وظيفته التي تشرف عليها أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في حلب.
إنه مجرم بغطاء ديني، غطاء يعطي المجرم فرصة الاستمرارية بإجرامه ويطلب من الضحية السكوت خوفاً من الفضيحة بدل من فتح تحقيق مباشر واستدعاء الجهات الأمنية المختصة لينال العقاب المناسب، ومساعدة كل الضحايا وتقديم العلاج النفسي لهم كي يتحرروا من تلك البقعة المظلمة القابعين فيها ومن آلام نفسية تطاردهم نتيجة الاعتداء.
القدس العربي